الشيخ الشريف عبدالله (الشايب) بن محمد بن عبداللطيف الجعفري الطيار رحمه الله
سلط عليها الضوء: المهندس الشريف وائل بن عبدالله بن عبدالعزيز الجعفري الطيار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فقد تكرر علي طلب كثير من الإخوان أن أدون ما حزته من معلومات في سير من قد مضى من أهلي لما في ذلك من استتمام المعرفة واستجلاء الأحوال الكريمة التي عاشها أولئك الرجال. ولما زاد الطلب شرعت في كتابة ترجمة للشيخ عبدالله بن الشيخ محمد الجعفري متوكلاً على الله ومستعيناً بما بين يدي من وثائق وما سمعت من قصص، فتكونت لدي مادة بحث كبيرة أحببت أن أذكر جزاً منها هنا ريثما أتم بحثي كاملاً، فالله أسأل أن يسهل وأن يوفق لما فيه الخير.
أولاً: نسبه وأسرته.
هو عبدالله بن الشيخ محمد بن عبداللطيف بن الشيخ عبدالله بن أحمد بن الشيخ محمد الجعفري الطيار، من فخذ آل الشيخ محمد أحد أفخاذ أسرته الأربعة، من ذرية الشيخ نصر الله بن عبدالله بن صالح بن عبدالعزيز، وأسرة الجعافرة في الكوت من الأحساء ترجع أصولهم إلى أبو الأمراء يوسف بن جعفر السيد بن إبراهيم الأعرابي بن محمد الرئيس بن سيدنا علي الزينبي بن سيدنا الصحابي عبدالله الجواد بن سيدنا ذي الجناحين جعفر الطيار رضي الله عنهم أجمعين بن أبي طالب بن عبدالمطلب جد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد في أسرة قرشية هاشمية سكنت الأحساء عام 878 هـ أنشأت مع أسرة آل الشيخ عبدالقادر الأنصاري أول نهضة علمية شرعية شافعية في الأحساء في عهد الجبوريين على يد جدها الشيخ نصر الله بن عبدالله الجعفري الطيار الشافعي. في ظل هذه الأسرة ولد الجد عبدالله في العقد الخامس من المائة الهجرية الثانية عشر في حدود سنة 1258هـ.
في عصره كانت لأسرته مكانة علمية دينية خرجت عدداً من طلاب العلم ومكانة اجتماعية بعلاقاتها المحترمة مع الدولة العثمانية والدولة السعودية وحكام الخليج من آل الصباح وآل الخليفة.
والده هو الشيخ محمد بن عبداللطيف الجعفري (توفي سنة 1332هـ) الذي كان عمدة محلة الكوت المعتمد من قبل الدولة العثمانية وتولى عدة مناصب في أيام حكمها للأحساء والتي كان يشغلها أعيان البلد استقلالاً مثل عضوية مجلس إدارة لواء نجد للفترة (1289/1291هـ) وعضوية مجلس تمييز محكمة اللواء للفترة (1320/1324هـ) وعضوية هيئة الحقوق والجزاء التابعة لمحكمة اللواء للفترة (1299/1301هـ) ورئاسة الهيئة الاستشارية لدائرة أملاك اللواء المذكور للفترة (1305/1319هـ)، كما كانت له أعمال جليلة في خدمة البلد وأهله أيام قوة حكم الدولة العثمانية في الأحساء والتي كان لها دور في منح السلطان العثماني له النيشان المجيدي من الدرجة الرابعة، كما كان على علاقة بالإمام عبدالرحمن الفيصل وولده الملك عبدالعزيز قبل وبعد دخول الأحساء والشيخ مبارك آل صباح تقوم على الاحترام والمودة ومشاركة الرأي مع إبقاءه على عهده للدولة العثمانية لحين زوال حكمها عن الأحساء ودخولها تحت الحكم السعودي.
جده لأمه هو الشيخ محمد بن إبراهيم آل إسماعيل الجعفري الطيار عمدة فخذ آل إسماعيل من الجعافرة والذين كان لهم وجود قوي في الساحة الاجتماعية في الأحساء والخليج، فخاله الشيخ إبراهيم كان وكيل نائب محكمة لواء نجد في الأحساء سنة 1318هـ وعضوا في مجلس تمييزها للفترة (1316/1318هـ) وكان عضواً في مجلس إدارة لواء نجد للفترة (1305/1306هـ) والذي يشكل من كبار رجال البلد أيام الدولة العثمانية، كما كانت له علاقة مميزة تربطه بحاكم الكويت في وقته الشيخ مبارك آل صباح.
كان رحمه الله الأخ الشقيق الأكبر لاثنين من الذكور واثنتين من الإناث هم ذرية والده الشيخ محمد رحمهم الله جميعاً، فأخوه التالي له هو الشيخ عبداللطيف الجعفري الشافعي (1260/1345هـ) الذي برع في فقه الشافعية وعلوم العربية وتخرج على الشيخ عبدالله بن أبي بكر الملا والشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن عمير وتخرج عليه مجموعة من علماء الأحساء في زمنه كابنه الشيخ عبدالعزيز والشيخ محمد بن أحمد العبداللطيف والشيخ محمد بن الشيخ أبي بكر الملا والشيخ عبدالله بن عبداللطيف الخطيب الجعفري والشيخ عبدالعزيز بن عبيد الله وترجمته معلومة في تراجم علماء الأحساء، وأخوه الثاني هو أحمد الذي كان عضواً في الهيئة الاستشارية لدائرة أملاك الأحساء في لواء نجد سنة 1318هـ والتي شكلتها الدولة العثمانية من أعيان البلد ووجهاءهم.
ولد له ستة من الذكور وتسع من الإناث، أبناءه الستة هم بحسب الترتيب عبدالرحمن وعبداللطيف وأحمد وعبدالعزيز وحمد ومحمد، عقبه من أحمد وعبدالعزيز ومحمد.
ثانياً: لقبه.
لقبه المشهور رحمه الله هو الشايب وبه تعرفه أسرته ويعرفه أهل محلته ومن عاشره وجالسه وتعامل معه بالإضافة إلى من يهتم بتاريخ بلدته، ولقد تلقب عدد من أعيان البلد بهذا اللقب في أسرهم، وذلك لما هذا من معنى في قوة الشخصية، والحكمة والنفوذ، فلقب الشايب يعني الشخص الكبير والحكيم وصاحب الكلمة النافذة إلى جانب كونه مرجعاً للرأي وحائزاً على النفوذ، فلما تحققت تلك الصفات فيه اشتهر عنه هذا اللقب حتى أن كثيراً من الناس لا يعرفه إلا به.
ثالثاً: مجلسه.
كان رحمه الله يجالس الناس باختلاف معارفهم وطبقاتهم الاجتماعية، صغيرهم وكبيرهم، فكان مجلسه يزخر بالعلماء وطلبة العلم، بالأغنياء والفقراء، بالأمراء والعامة، كان مجلسه ليس بالفخم الذي يعكس أي نوع من الترف والسرف، وإنما كان مجلساً بسيطا يدل على تواضع صاحبه، خصص رحمه الله بيتاً كاملاً لأن يكون مجلسه وبيت ضيافته ومخزناً لتمره، حتى يسهل عليه سرعة إكرام ضيوفه وخدمتهم عن طريق من يقيم فيه من الخدم، كان مجلسه مفتوح طوال اليوم على مدار السنة لا يغلق أبداً، يزخر دائماً بما جاد الله عليه من الخيرات من تمور وفواكه في كل وقت بلا انقطاع بالإضافة إلى الوجبات الرئيسية، فقد أخبرني العم الطيار بن عبداللطيف الجعفري (لقد كانت مائدة الشايب عبدالله الجعفري عامرة، وأستضاف عليها من جميع الناس، بداية من العلماء والملوك والأمراء والمتصرفين وأصحاب الجاه والعامة والمحتاجين والفقراء وأبناء السبيل، وكان متواضعاً مع الجميع يجالسهم ويمازحهم ويزورهم ويحفظ لكل واحد حقه من غير احتقار لأحد مهما كان وضعه).
كما كان له أيضاً بعض من يتكرر عليه في خلواته الخاصة في مجلسه الداخلي، بالإضافة إلى مرافقيه الخاصين عند خروجه وسفره، فمن مجالسيه الخاصين من قرابته إخوته الشيخ عبداللطيف وأحمد وأبناءه وأبناء إخوته الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ عبداللطيف وأخوه الشيخ حمد وعبدالله بن أحمد وأخوه العم عبدالرحمن وابن خاله حمد بن إبراهيم، ومن خاصة مجالسيه من أسرته العم عبدالله بن محمد آل عبدالله الجعفري والعم عبداللطيف بن محمد آل عبدالله الجعفري والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الخطيب الجعفري وأخوه الشيخ عبدالرحمن والشيخ عبدالله بن عبداللطيف الخطيب الجعفري، ومن كبار الأسر الشيخ أبي بكر بن الشيخ عبدالله الملا والشيخ أحمد بن الشيخ عبداللطيف الملا والشيخ أحمد العلي العرفج وعبدالله بن عبدالمحسن آل ملحم وعبدالمحسن بن عبدالله آل بداح.
رابعاً: اتصالاته ووجوده الاجتماعي.
لقد كانت اتصالاته متينة بمن حوله من الناس والمجتمعات والأنظمة السياسية التي كانت قائمة على الاحترام والتقدير، كذلك كان له وجود اجتماعي قوي بين أفراد أسرته وأهل بلدته قائم على المحبة والثقة.
فكانت اتصالاته بالأنظمة السياسية التي حكمت الأحساء تعكس جانباً من المسؤولية كبير، فلقد اختارته الدولة العثمانية في سنة 1328هـ عضوا في الهيئة التفتيشية التي أقامتها الدولة في الأحساء إلى جانب الشيخ عبداللطيف الملا وعبدالمحسن بن بداح والتي تعنى باختيار ممثلي الأحساء في مجلس المبعوثان لدى الأستانة، كما اختارته ليكون ضامناً للأملاك العائدة لمديرية الأملاك المدورة في لواء الأحساء سنة 1326هـ، ولا شك أن تلك المسئوليتين تحتاجان إلى رجل ذي حصافة ودراية وقدرة ونزاهة.
ولقد كان رحمه الله بعد زوال حكم الدولة العثمانية وقيام الدولة السعودية على مركز اجتماعي مرموق تدعمه علاقته المميزة مع الملك عبدالعزيز والتي كانت امتداداً لما كان لأبيه الشيخ محمد مع الملك ووالده من علاقة كما جاء بيان ذلك سابقاً، كما كان الملك عبدالعزيز كثيراً ما يزوره عند نزوله الأحساء وكثيراً ما يستضيفه في مجلسه وفي نخيله.
كما كانت له معرفة بكثير من أهالي البلاد المنتشرة في الجزيرة العربية، ومما يدعم هذه الحقيقة القصة التي أخبرني بها أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد الجعفري (أخبرني الوالد أنه كان في رحلة الحج مع العم عبدالله الجعفري وفي أثناء الطريق نزلوا بخارج مدينة شقراء فخرج من أهلها مجموعة علموا بنزول الشايب الجعفري بقرب مدينتهم وأكرموه وأقاموا له الولائم وذلك أنه كان على علاقة جيدة بهم وقد ساعدهم في دفع أثر قحط أصابهم).
خامساً: كرمه وإحسانه ونصرته للخير.
إن الجانب الأخلاقي في شخصيته له النصيب الأعظم، فبالرغم من وجوده الاجتماعي المعتبر لم يكن رجل سلطة، ولقد تجلت أخلاقه من كرم وإحسان وسماحة وفعل للخير في كثير من أعماله وجاءت كثير من القصص في تلك المعاني.
كان رحمه الله من السباقين لمساعدة أهل بلده إذا أصابتهم الشدة ورشد أهل الأموال إنفاقهم خشية استمرار تلك الشدة، عند ذلك تبرز رغبة الشايب بالفوز برضا الله بالإنفاق في سبيله وجعل ذلك لوجه الله من دون أي رغبة في مال واثقاً من استمرار عطاء الله، ومثل ذلك ما اخبرني به العم الطيار بن عبداللطيف الجعفري (من كرم العم عبدالله الجعفري ما حصل عندما أصاب الناس قحط شديد ونقص التمر في البلد حتى أن كبار تجار التمر قد أوقفوا التعامل في البيع والشراء خشية استمرار المجاعة، وكانت لديه كمية كبيرة من التمر قد خزنت في منزله ومجلسه، فقام الشايب بتوجيه أبناءه بفتح الكناديج (مخازن التمر) لإعطاء الفقراء ومن أصابتهم الحاجة ثم أمر أن يسجل ما أخذوا في الدفاتر، حتى أنه لما نفذ التمر بأجمعه إلى المحتاجين أمر بالدفاتر لتعرض عليه، فلما عرضت عليه رآها وتصفحها ثم قام يمشي بها على قدميه نحو موقد النار في مجلسه وألقاها في النار متصدقاً بما أعطى لوجه الله غير مطالب بقيمتها).
وكان يؤثر الإنفاق في سبيل الله وابتغاء الأجر على الأرباح الدنيوية، وقد تجلى ذلك في حوادث عدة ولاسيما عند شح المال ونقص الغذاء، ومثل ذلك القصة المتواترة التي سمعتها من أطراف كثيرة وهي (أنه في بعض الأعوام حصل نقص في الثمرات حتى عز وجود التمر، وكانت مخازن التمر عامرة عند الشايب عبدالله، وقد تنافس التجار على شراءها بأغلى الأثمان، حتى أن بعض المسئولين قد أرسل بعض رجاله لمساومة الشايب على بيعها وعرضوا عليه بيعها بمبلغ ضخم من المال، فقال لهم أمهلوني حتى الغد لأجيبكم، فلما انصرفوا فكر الشايب بالأرباح الدنيوية التي سيجنيها ووضعها في ميزان المقارنة مع حال الفقراء من ضعف مع ما سيكرمه الله من الأجر إن تصدق بها، عندها قام بتوجيه خدمه لطرق أبواب الفقراء في تلك الليلة يقولون للناس من أراد رزقه ورزق عياله فليأتي إلى مخزن تمر الشايب، فما طلع الصباح إلا وذلك التمر قد تصدق به، فلما جاءه رسول من أراد شراء التمر قال له قد بعناه على من سيعطينا أكثر من القيمة التي عرضتموها).
كما كان يعين الضعيف والغريب الذي يقصده وقد أصابته الشدة في وقت الضيق لوجه الله مما جعل ذلك معروفاً لدى أهل بلده والبلاد المجاورة، ويتجلى ذلك في القصة التي أخبرني بها محمد بن أحمد الخطيب الجعفري وقد ناهز المائة من العمر (كنت في رحلة للحج سنة 1353هـ في قافلة على ركائب الإبل وكان مقاول القافلة إبراهيم بن عامر، وبينما كنا في طريق الرجعة وقفنا في منطقة عنيزة من القصيم، وأنيخت الجمال في خارج البلد في موقع يقال له الشراع، ثم توجهت ماشياً إلى داخل البلد بغرض التجول يرافقني كل من أحمد بن عمر بن عمير ومحمد بن الشيخ عبدالله الملا، فلما دخلنا البلد ونحن نتمشى في سوقها قد اشتد بنا العطش قصدنا رجل وسلم علينا كأنه يعرفنا وقال انتم من الأحساء؟ فقلنا له نعم، ثم دعانا إلى منزله فذهبنا معه حتى صعدنا غرفة خاصة في منزله وقدم لنا الماء ومنسفاً من التمر شديد السواد وباشر بنفسه عمل القهوة، ثم سأل عن أسماءنا، فلما أجبته بذكر اسمي ونسبي قال ونعم القبيلة ثم سألني هل أنت من قرابة العم عبدالله بن محمد الجعفري، فقلت له هو عمي وسيدي وكبير أسرتنا، عندها قال الرجل لابد أن تجلسوا عندي لأقوم بواجب ضيافة أهل الشايب عبدالله الجعفري، فاعتذرنا منه حيث أن أهلنا ورفقتنا ينتظروننا، عندها قام ذلك الرجل وساق معنا شاة إلى القافلة وكان في القافلة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الخطيب الجعفري وأخوه عبدالرحمن فاجتمعنا بالرجل وسألناه عن سبب معرفته بالشايب عبدالله، فقال الرجل إن للعم عبدالله علي جميل لا أنساه ما دمت حياً، فلقد أصابتنا مجاعة في عنيزة وشح فيها الزاد والتمر ونصحني الناس بالذهاب إلى الأحساء، فذهبت إليها وتوجهت إلى سوقها سائلاً عن من يبيعني تمراً، فأخبرت أن السوق لا تمر فيه لقلة تمر تلك السنة واخبرني من في السوق إن كنت واجداً تمراً فهو عند عبدالله الجعفري، عندها توجهت إلى مجلسه ودخلت عليه وقلت له يا عم قد أتيتك وخلفت ورائي صغاراً جياعاً في عنيزة أطلب لهم زاداً ولم أجد تمراً في السوق ودللت عليك، فقال لي الشايب يحصل الخير إن شاء الله وقد حان وقت صلاة الظهر فخرجنا للصلاة ثم عدنا وإذا الموائد قد وضعت عليها الذبائح، وبعد تناول الغداء سألني الشايب كم لديك من الركائب وكم من قلال التمر تريد، فأخبرته أن لدي اثنتين أريد أن أحمل على كل واحدة ثلاث قلال، فأمر الشايب ابنه عبداللطيف بتحميل الركائب بالتمر وكان لدي ريالان فرانسيان فمددت يدي بهما فردها وقال العم عبدالله يا هذا أعد مالك في جيبك فلو أردنا بيعه لما بقي شي منه إلى الآن، قال الرجل فرجعت إلى بلادي وقد تحسنت أحوالي ولا أنسى فضله أبداً).
كما كانت هناك مواقف كثيرة للجد عبدالله في تجنيب أهل البلاد ما كان سيفرض عليهم من ضرائب وفي تحمله عنهم ما يستطيعه وذلك لحالة الضعف العام والفقر التي يعيشها العامة من الناس مما رفع رصيده من المحبة والاحترام بين أهل البلد، ومما يؤكد ذلك ما أخبرني به الطيار بن عبداللطيف الجعفري (أخبرني عمي عبدالله بن محمد الجعفري وكان من خاصة الشايب عبدالله الجعفري، أنه على وقت حكم الدولة العثمانية للأحساء أرسل نائب اللواء العثماني على العم عبدالله طالبا حضوره في أمر مهم، فلما حضر أخبره أن الدقيق والخرجية من الدراهم لم تأت من الأستانة وأخبره بنيته فرض بعض الرسوم على أهل الأحساء حتى يتم شراء ما تحتاجه الحامية من الدقيق والحاجيات، فرد الشايب قائلاً إن أهل البلد حالهم ضعيف لا يسمح بدفع مثل هذا المال، فقال النائب ماذا نعمل بدلاً من ذلك، فقال الشايب لا تخف فإن الدقيق والخرجية تأتيك في الصباح إن شاء الله، فأرسل الشايب سعد بن جماز إلى ابنه أحمد في قرية الفضول والذي كان يشرف على بعض أعمال الفلاحة آمراً إياه بإرسال كمية من أكياس الحنطة قبل طلوع الشمس إلى السراج، وأرسل الشايب عبدالله إلى ابنه عبداللطيف بأن يرسل عشرين ريالاً فرانسياً إلى السراج قال العم عبدالله وكانت قيمة الشاة ريالاً إلا ربعاً آنذاك، وبذلك تحمل الشايب على عاتقه هذه التكاليف حماية لأهل البلد من تلك الضريبة التي لا يطيقونها).
ومن تلك المواقف أيضاً سعيه للتخفيف عن أهل الأحساء ما فرض عليهم من زيادة في الضريبة الجهادية في قصة مشهورة جداً عند أهل البلد وقد تواترت حتى أني سمعتها عن أناس كثير وهي (أنه في زيادة الحاجة لبناء الدولة وحمايتها وفي ضعف للموارد وقبل اكتشاف البترول، كان المواطنون يدعمون بيت المال بمخصصات تسمى بالضريبة الجهادية، ونتيجة لضعف الموارد في سنة من السنين قامة خزانة الدولة بمضاعفة الضريبة حتى سمي بالجهاد المربع، وقد أصاب أهل الأحساء شدة قد عجز الكثير من أهلها عن السداد وعظم الكرب، في حينها لم يكن الجد عبدالله عاجزاً عن دفع ما عليه من ذلك المخصص، ولكن محبته لأهل بلده وحرصه على رفع تلك الشدة عنهم جعلته يرحل إلى الملك عبدالعزيز، ويكلمه في ذلك الموضوع ويشرح له ما أصاب أهل الأحساء من الشدة ليخفف ذلك السهم الإضافي، عندها أراد الملك أن يختبر صدق الجد وهل كانت رغبته في خفض تلك النسبة عنه فقال له (إن أردت خفضتها عليك وعلى أهل بيتك) فرد الجد عبدالله (بل أبقها علي وعلى أهل بيتي وخففها على أهل الأحساء)، فاستجاب الملك عبدالعزيز لذلك وعادت الضريبة كما كانت، وسري عن أهل البلد ما كانوا فيه من الشدة).
كما كانت له نصرة لأهل الشريعة ومنهج علماء البلد في القصة التي أخبرني بها الشيخ السيد إبراهيم بن عبدالله الخليفة سماعا عن الشيخ عبدالرحمن بن عثمان والشيخ أحمد الملا والتي تجسدت ي نصرته للشيخ إبراهيم بن عبداللطيف المبارك (توفي سنة 1351هـ) بتوجيه من والده الجد محمد عندما نشأ الخلاف المشهور بين الشيخ إبراهيم من جهة وسليمان بن سحمان وصديق حسن خان من جهة أخرى سنة 1315هـ والذي كاد أن يزج بالبلد في فتنة الحرب، تلك النصرة التي عمدت إلى تجنيد أهل الكوت للدفاع عن أهل العلم والشريعة بالسلاح ووضع الأرواح فداء للمبادئ الشرعية الصحيحة، هذه الفتنة التي دافع فيها أهل الأحساء عن مسلكهم في تقليد مذاهب الأئمة الأربعة والتي أنشأ فيه الشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي (توفي سنة 1362هـ) قصيدته المشهورة والتي مطلعها:
ألا أيها الشيخ الذي بالهدى رمى ... سترجع بالتوفيق حظا ومغنما
سادساً: وفاته.
توفي رحمه الله في شهر جمادى الأول من سنة 1354هـ في الكوت من الأحساء ودفن في مقبرتها، وكانت وفاته خسارة لأسرته وبلدته، فلقد قال الأمير عبدالله بن جلوي وهو يحثي عليه التراب "لقد ماتت الأحساء" فيما أخبرني به أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد الجعفري عن والده الذي سمع ذلك.
المصدر: المجمع العالمي لأنساب العرب
http://www.ansab-alarab.org/vb/archive/index.php