ذو الجناحين جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب عليه رضوان الله وسلامه

بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار

مقدمة.
الحمد لله الذي قضى بحكمه ما شاء. الحمد لله الذي قدر الأقدار بين عباده كما يشاء. الحمد لله الذي خلق الخلق فاصطفى منهم من يشاء،  لحكمة لا يعرفها غيره سبحانه وتعالى شاء بأمره ما شاء. الحمد لله القائل في محكم التنزيل، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10-12. وأشرف الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين، وتاج كائنات الله أجمعين، المبعثون رحمة مهداة من رب العالمين للعالمين، الذي أخرج الله تعالى به عباده من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط الله المستقيم، سيدنا وإمامنا ومولانا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله قائد الغر المحجلين وعلى أهل بيته الأطهار وآله الأخيار وقرابته وأصحابه النجباء وعموم الأنبياء والمرسلين أجمعين ثم أما بعد:

فلقد شاء الله عز وجل أن يصطفى من عباده ما شاء لهم، لحكمة وعلم هي له سبحانه وتعالى، هؤلاء الذين مهما كتب الكاتبون، وأرخ المؤرخون، وسطر المسطرون، وخلد التاريخ بحقهم ما خلد، فإنهم لن يوفوهم حقهم وقدرهم أبداً، ولن يستطيعوا أن يحصوا شمائلهم وخصائصهم. ذاك أن إصطفاء الله تعالى لهم فاق ويفوق قدرات من أراد أن يكتب عنهم. ولذلك كله ترى الأقلام تعجز، والمداد يجف، والعمر ينقضي دون أن تجد البشرية حصراً شاملاً وتأريخاً كاملاً لهؤلاء العظماء، والذي أراد الله تعالى أن يكون منهم، سيد من السادات الذين اصطفاهم، الذين قال بهم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.

هو ذلك الأمير الأغر، والشهيد الأشم، أول عاقر لفرس له في سبيل الله تعالى، سيدنا ذو الجناحين جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، ابن عم سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. شقيق أمير المؤمنين سيدنا أبو السبطين علي الكرار بن أبي طالب. شقيق سيدنا عقيل بن أبي طالب وغيرهم من الذرية المفخمة عليهم رضوان الله تعالى وسلامه أجمعين.

هو ذو الجناحين الذي أبدل الله تعالى يديه بهما ليطير في الجنان كما يشاء. هو الطيار الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، هو أبو المساكين الذي كان بيته ملاذاً لهم. هو أول سفير في الإسلام والإنسانية جمعاء. هو أول متحدث رسمي عرفته الإنسانية يوم كان في أرض الحبشة. هو أمير جند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مؤتة. هو القائد لثلاثة آلاف من المؤمنين عليهم رضوان الله تعالى مقابل أكثر من مئتي ألف مقاتل مدججين بالسلاح من الفرس وأتباعهم. وغيرها الكثير التي يصعب سردها في هذه السطور.

لقد توقفت كثيراً وأنا أكتب سطوري المتواضعة هذه، وسألت نفسي ملياً، كيف أكتب عن عظيم بهذه العظمة وأنا لا أملك القدرة على ذلك شيئاً؟ كيف أكتب عن شخصية جليلة كهذه وأنا لا أملك من العلم إلا ما لعمني ربي وما علمي إلا ذرة قطرة من علوم علمها ربي لأهل العلم؟ ولذلك كله، أعترف أمام القارئ والقارئة بأنني مهما كتبت، فلن أوفي سيدي وجدي وأبي وقرة عيني ومولاي جعفر الطيار عليه رضوان الله تعالى وسلامه ولا بقدار قطرة من محيطات ما خصه الله تعالى به. مستغفراً الله تعالى عما بدر ويبدر مني من تقصير ومستسمحاً رسوله الهادي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسيدي الأجل جعفر الطيار عليه رضوان الله تعالى عن ذلك، واضعاً ذلك كله بين يدي الله جل وعلا ومحتسباً الأجر منه جل جلاله. فإن وفقت في عملي فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله العلي العظيم من ذنبي وأتوب إليه. والله أسأله التوفيق والنجاح.

اسمه ونسبه عليه رضوان الله وسلامه.
هو السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين، أمير جند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المترفع عن الرذائل، المتسامي مع الفضائل، السالك مسالك سبيل الصلاح والهدى والكرامة، أبو عبد الله جعفر (الملقب بجعفر الطيار، وجعفر ذو الجناحين) بن أبي طالب (واسمه عبد مناف. قاله الفاكهي والبيهقي وابن حجر والأحوذي وابن كثير وغيرهم) بن عبدالمطلب (واسمه شيبة الحمد، وإنما سمي عبدالمطلب بعد كفالة عمه المطلب بن هاشم له، وهو سيد مكة والعرب وحامي البيت الحرام جد رسول الله الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم) بن هاشم (واسمه عمرو، و(المُعلا) وسمي هاشماً يوم خرج إلى الشام في مجاعة شديدة أصابت قريشاً، فاشترى دقيقاً وكعكاً، وقدم به مكة المكرمة في الموسم، فهشم الخبز والكعك، ونحر جُزُراً وجعل ذلك ثريداً، وأطعم الناس حتى أشبعهم، فسمي هاشماً. وإليه ينسب بنو هاشم، وهو الذي سن الرحلتين في الشتاء والصيف، ويطلق عليه هاشم طعام حجاج البيت) بن عبدمناف (واسمه المغيرة، وكان يقال له (قمر البطحاء، يعني مكة المكرمة) لحسنه وجماله، كان أكرم الناس وأجود زمانه، وهو الجد الرابع لأمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه) بن قصي (واسمه زيد، ولقب بقصي لأنه أُبعد عن أهله ووطنه مع أمه بعد وفاة أبيه. كما يقال له (مُجمّع) لأن الله تعالى جمع به القبائل من قريش في مكة بعد تفرقها، وكانت له الحجابة والسدانة. وهو الجد الثالث لسيدتنا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد و(ابن أخيها) سيدنا الزبير بن العوام زوج سيدتنا ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر أم شهيد الكعبة سيدنا عبدالله بن الزبير عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه) بن كلاب (وهو أبو زيد الملك واسمه حكيم، وقيل عروة، ولقب بكلاب لأنه كان يكثر الصيد بالكلاب، وبه يجتمع سيد الآباء، والد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأمه السيدة العظيمة الوقور آمنة بنت وهب بن عبدمناف بن زهرة بن كلاب. وهو الجد الخامس لسيدنا عبدالرحمن بن عوف، والجد الثالث لسيدنا سعد بن أبي وقاص عليهم رضوان الله وسلامه) بن مرة (وهو الجد الخامس لأم والد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبه مجامع كثير، والجد السادس لسيدنا أبي بكر الصديق، وسيدنا طلحة بن عبيدالله وسيدتنا أم المؤمنين أم سلمة هند بنت حذيفة بن المغيرة و(ابن عمها) سيف الله المسلول خالد بن الوليد بن المغيرة، عليهم رضوان الله وسلامه) بن كعب (وكان يجمع قومه يوم العروبة (أي: يوم الرحمة، وهو يوم الجمعة) فيعظهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وينبئهم بأنه من ولده، ويأمرهم بإتباعه ونصرته. وهو الجد الثامن لأمير المؤمنين سيدنا عمر الفاروق بن الخطاب عليهم رضوان الله وسلامه) بن لؤي (يكنى بأبي كعب الملك، ولؤي تصغير لأي، وهو الثور الوحشي، ولقب به لقوته وصبره) بن غالب (يكنى بأبي لؤي وإليه ينسب شرف العرب لانتسابهم له، كان حكيماً عفيفاً حصيفاً) بن فهر (اسمه قريش وعامر ويكنى بأبي أسد العظيم وإليه تنسب قبيلة قريش سيدة قبائل العرب، وهو ما حكاه ثقات أهل التاريخ والنسب. كان كريماً يفتش عن ذوي الحاجات فيحسن إليهم، وفهر: اسم للحجر على مقدار ملء الكف. وهو الجد السادس لسيدنا أبو عبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح عليه رضوان الله وسلامه أجمعين) بن مالك (اسمه خزيمة ويكنى بأبي عمرو اشتهر بحنكته ولم يذكره التاريخ إلا قليلاً) بن النضر (اسمه قيس صاحب السُّلطة، وقال البعض اسمه قريش وفهر أصح عند أهل التاريخ والله أعلم، والنضر في اللغة، الذهب الأحمر) بن كنانة (اشتهر أبناؤه بالفراسة واقتصاص الأثر ومن كنانة اختص بنو مدلج) بن خزيمة بن مدركة (واسمه عمرو) بن إلياس (كان في العرب مثل لقمان الحكيم في قومه) بن مضر (وكان جميلاً لم يره أحد إلا أحبه، وله حكم مأثورة. والمضر في اللغة، الأبيض) بن نزار (كان أجمل أهل زمانه، وأرجحهم عقلاً. ونزار في اللغة مأخوذة من النزارة، وهي القلة. ونزار هو الجد الأعلى لقبيلة عنزة العربية المنسوبة إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار) بن معد (كان صاحب حروب وغارات، ولم يحارب أحداً إلا رجع بالنصر. ومعدُّ، مأخوذ من تمعدد، إذا اشتد وقوي) بن عدنان (جد العرب العدنانيين. وعنده يقف ما صح من سلسلة نسب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فعن ابن عباس عليهما رضوان الله وسلامه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال: "من ههنا كذب النسابون") وبه نقول. ثم اختلف أهل السير في صحة ما بعده، فمنهم من توقف فيه، ومنهم من قال بعده، ونذكر قولهم من باب الإطلاع لا من باب الجزم، فإن ما نجزم به هو ما قاله نبي الهدى صلى الله عليه وآله وسلم) بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تارخ بن يعرب بن يشجب بن نابت بن (نبي الله) إسماعيل عليه السلام (وقيل: عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن نبي الله إسماعيل عليه السلام) بن (خليل الرحمن) إبراهيم عليه السلام بن تارخ (قيل هو آزر على بعض الروايات، وقال آخرون على أصدق الروايات: بل كان آزر عماً وليس أباً لخليل الرحمن عليه السلام) بن تاخور بن شارخ (وقيل: شاروخ) بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام (وقيل: خليل الله إبراهيم عليه السلام بن آزر بن ناحور بن شاروخ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشاد بن سام) بن (نبي الله) نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن (نبي الله) اخنوخ (وهو إدريس) عليه السلام بن يرد (وقيل: يارد) بن مهلائيل بن قنين (وقيل: قينان) بن يافت (وقيل: أنوش) بن (نبي الله وخليفة آدم) شيث عليه السلام بن (نبي الله) آدم عليه السلام.

وهو عليه رضوان الله وسلامه، ابن عم سيد الكائنات، شفيع المؤمنين والمؤمنات، قائد الغر المحجلين، وسيد الأنبياء والمرسلين، رسول رب العالمين، وأشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً، سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما أبوه فهو سيد سادات مكة وقريش والعرب، وعلم أعلام الدفاع عن الرسالة الإسلامية المحمدية أبو طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.

وأما أمه فهي السيدة الهاشمية الوقور فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، أول هاشمية تزوجت بهاشمي وأنجبت له ولحقت بكوكبة الإسلام حادية عشرة المسلمين، وكانت بدرية. قال عنها الزبير بن العوام رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو النساء إلى البيعة حين أنزلت هذه الآية: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلمت وحسن إسلامها ووصت إلى الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقبل وصيتها وصلى عليها ونزل بلحدها وأثنى عليها ثناءً عظيماً ثم قال: (إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها. إني إنما ألبستها قميصي لتكسي من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها).

وأما جده لأبيه فهو أمين الكعبة وصاحب السقاية والرفادة والسيادة، حامي البيت الحرام، عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، سيد سادات قريش والعرب. وأما جدته لأبيه، فهي زوج سيد مكة والبطحاء، وهي أم والد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدالله، وأم أبي طالب عبدمناف والزبير وعبدالكعبة وأم حكيم وعاتكة وبرة وأروى وأميمة عمات الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، عليهم رضوان الله وسلامه.

وأما أعمامه أبناء جده عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، فيعلوهم والد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا عبدالله بن عبدالمطلب، وأسد الله وأسد رسوله، سيد شهداء بني آدم، فحل فحول قريش والعرب، شهيد أحد المغوار الحمزة الضرغام بن عبدالمطلب بن هاشم، وساقي الحرمين الشريفين، صنو أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صنديد قريش والعرب، صاحب الصولات والجولات العباس الهمام بن عبدالمطلب بن هاشم، والزبير وعبدالكعبة عليهم رضوان الله وسلامه. وأما عماته فأم حكيم وعاتكة وبرة وأروى وأميمة عليهن رضوان الله وسلامه.

وأما أخوانه، فهم كواكب قريش والعرب، وأنوار بني هاشم، طالب وكان يكبره بعشرين سنة، وعقيل وكان يكبره بعشر سنين، وأمير المؤمنين أبو السبطين علي الكرار وكان يصغره بعشر سنين عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.

 ولادته وإسلامه رضوان الله عليه وسلامه.
ولد عليه رضوان الله وسلامه بمكة المكرمة بعد عام الفيل بعشرين سنة، وهو ما أجمعت عليه أصدق الكتب والمراجع، وكان من المسلمين الأوائل، بل قيل كان إشهار إسلامه بعد ساداتنا علي وزيد وأبو بكر وخديجة عليهم رضوان الله وسلامه، وقيل بعد واحد وثلاثين، وقيل من العشر الأوائل، والقول الأول أصح، وأجمع المؤرخون على أنه كان من السابقين إلى الإسلام، الذين بشروا بقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ  أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ  فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10-12. وأن إشهار إسلامه كان قبل دخول الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وكان عمره آنذاك عشرون سنة، وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميس الخثعمية عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه.

أخرج الماوردي في "النكت والعيون" في تفسير قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الذي يَنْهَى عَبْداً إذا صَلَّى) قال: (نزلت في أبي جهل، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن أبا جهل قال: واللات والعزّى لئن رأيت محمداً يصلّي بين أظهركم لأطأن رقبته ولأعفرن وجهه في التراب، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي ليطأ رقبته حاشاه بأبي هو وأمي، فما فجأه منه إلا وهو ينكص، أي يرجع على عقبيه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهواء وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً». وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنّ لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل». وكانت الصلاة التي قصد فيها أبو جهل، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر. وحكى جعفر بن محمد أن أول صلاة جماعة جمعت في الإسلام، يوشك أن تكون التي أنكرها أبو جهل، صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي رضي الله عنه فمرّ به أبو طالب ومعه ابنه جعفر فقال: (صل جناح ابن عمك)، وانصرف مسروراً يقول:

 إن علياً وجعفراً ثقتي ... عند ملم الخطوب والكرب
لا تخذلا، وأنصرا ابن عمكما ... أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من كان ذا حسب

(فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أما إن الله تعالى قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك"). وكذا أورده وأخرجه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في حديثه (206)، وشهاب الدين الحسيني الألوسي في "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" (23/46)، وأبو حيان محمد بن يوسف حيّان الأندلسي في "تفسير البحر المحيط" (11/2)، وأبو الفضل عبيدالله بن عبدالرحمن بن محمد في "حديث الزهري" (1/362)، وأبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (6/306)، والمتقي الهندي في "كنز العمال" (13/324)، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/132)، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/257)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (54/165)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/181)، وابن منظور في "مختصر تاريخ دمشق" (2/279، 280) (7/59)، والعسكري في "الأوائل" (1/27) وغيرهم.

هجرته وصبره على البلاء.
هاجر عليه رضوان الله وسلامه الهجرتين الحبشة والمدينة المنورة، وكانت هجرته إلى الحبشة وعمره خمسة وعشرون سنة، وذلك بعد أن خاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه فاختار لهم الهجرة إلى الحبشة، وقال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد)، فخرج عليه رضوان الله وسلامه وأصحابه إليها. وهناك تصدر عليه رضوان الله وسلامه المسلمين أمام النجاشي ملك الحبشة، فكأول سفير عرفت به الإنسانية معنى السفارة، وأول متحدث رسمي ناب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارج مكة المكرمة في شرح الإسلام والتعريف بالنبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم.

فلما علمت قريش بذلك، أرسلت ورائهم عمرو بن العاص (أحد أكبر دهاة العرب، والصديق الشخصي لملك الحبشة، وللقارئ والقارئة أن يعلموا ما سيعنيه ذلك في عملية إستردادهم من الحبشة، وصعوبة الأمر الذي سيقع على سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه وهو يتولى أول سفارة لحبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأول متحدث رسمي نيابة عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من دافع عن المسملين خارج أرضهم) وعبدالله بن أبي ربيعة وقيل عمارة بن الوليد وأرسلت معهما هدايا عظيمة إلى النجاشي؛ أملاً في أن يدفع إليهم جعفر وأصحابه، فكان بذلك الموقف من أشد المواقف على سيدنا جعفر عليه رضوان الله وسلامه. وبالرغم من ذلك، فقد أدى أمانة التمثيل حق أدائها، وهو يرى المسلمين يلوذون به وهو الشبيه برسول الهدى صلى الله عليه وآله وسلم خُلقاً وأخلاقاً، والسفير القائم بأمره، فوقف عليه رضوان الله وسلامه بحزم وثبات وعزيمة لم تشهد من قبل لغيره، يوم سأله النجاشي: "يا جعفر، ما يقول هؤلاء؟" فقال عليه رضوان الله وسلامه: "وما يقولون؟" قال النجاشي: "يسألوني أن أردكم إليهم". فقال عليه رضوان الله وسلامه: "أيها الملك، سلهم أعبيد نحن لهم؟" فقال عمرو: "لا، بل أحرار كرام". قال جعفر عليه رضوان الله وسلامه: "فسلهم، ألهم ديون يطالبوننا بها؟" قال عمرو: "لا، ما لنا عليكم ديون". قال عليه رضوان الله وسلامه: "فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا إياها؟" قال عمرو: "لا". فقال جعفر عليه رضوان الله وسلامه: "فما تريدون منا؟! آذيتمونا فخرجنا من بلادكم". ثم وجه حديثه للنجاشي وألقى خطبته الشهيرة التي سطرها التاريخ، وقال: "أيها الملك، إنا كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى عبادة الله وحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم. فصدقناه وآمنا به. فعذبنا قومنا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان، فلما ظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك، أيها الملك" ثم قرأ عليه صدراً من سورة مريم. فقال النجاشي: "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة" ثم قال لعمرو وصاحبه: "انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون". فعاد عمرو في يومه الثاني ليملأ قلب النجاشي على المسلمين. فلما سأل النجاشي عن ذلك، قال له جعفر عليه رضوان الله وسلامه: "هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه". عند ذلك أعلن النجاشي أن هذا هو ما قاله عيسى عن نفسه، ثم قال للمسلمين: "اذهبوا، فأنتم آمنون بأرضي، ومن سبكم أو آذاكم فعليه ما يفعل"، ثم رد إلى قريش هداياهم فعادوا خاسرين.

أخرج ابن خزيمة في صحيحه (8/236) والإمام أحمد في مسنده (4/173) (45/489) وأبي نعيم في "الدائل" (1/223) والطبري في "الذخائر" (1/210) والسهيلي في "الروض الأنف" (2/111) وابن هشام في سيرته (1/335) وبنت الشاطئ في "مع المصطفى" (108) والمقريزي في "الإمتاع" (1/10) والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (1/432) وابن الأثير في "الكامل" (1/266) وابن الجوزي في "المنتظم" (1/259) وابن المطهر في "البدء والتاريخ" (1/231) وعبد السلام هارون في "تهذيب سيرة ابن هشام" (1/96) والذهبي في تاريخه (1/49) وغيرهم. واللفظ للإمام أحمد، الحديث (1649) قال: عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة عليها رضوان الله وسلامه زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه. فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدماً كثيراً ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبدالله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعم. ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم. قال: فغضب النجاشي ثم قال: لا ها الله، ايم الله إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كائن في ذلك ما هو كائن. فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: "أيها الملك. كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام". قال: فعدد عليه أمور الإسلام. "فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك" قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه علي. فقرأ عليه صدراً من (كهيعص) قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد، قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غداً عيبهم عندهم ثم أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبدالله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد. قالت: ثم غدا عليه الغد فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثله. فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: "نقول فيه الذي جاء به نبينا. هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول". قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عوداً، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله. اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي (والسيوم الآمنون) من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبراً ذهباً وأني آذيت رجلاً منكم. والدبر بلسان الحبشة: الجبل. ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به. وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به (يعني من ينازعه في ملكه) قال: فوالله ما علمنا حزناً قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفاً أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. قالت: وسار النجاشي وبينهما عرض النيل. قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سناً، قالت: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة) انتهى ما جاء في مسند أحمد وغيره رحمهم الله.

لبث عليه رضوان الله وسلامه وزوجته والمسلمين بالحبشة سنين عدة، رزق خلالها بأولاده الثلاثة عبدالله الجواد، والذي كان أول مولود يولد بأرض الحبشة، ومحمد وعون عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه، ثم عاد بعد ذلك وزوجته وأبناؤه والمسلمون وأهل السفينة الأشعريين معه من الحبشة بعد فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة، ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به فرحاً كبيراً وعانقه والتزمه وقبله بين عينيه وهو يقول: "ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحاً، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟". ثم أسهم لهم من غنائم خيبر، وبنى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم داراً بجوار المسجد النبوي ليقيم فيها هو وزوجته أسماء بنت عميس وأولادهما الثلاثة؛ محمد وعبد الله وعون، وآخى بينه وبين معاذ بن جبل رضي الله عنه.

روى البخاري (10/385) ومسلم (12/304) وابن حبان (20/145) وأبو داود (7/358) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/333) والدارمي (7/412) وأبو يعلى (15/124) وغيرهم، واللفظ للبخاري في صحيحه، الحديث (2903): عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم، إما قال: في بضع وإما قال: في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا". فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا أو قال: فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم). وكان فتح خيبر سنة ست للهجرة على ما قاله الحاكم في "المستدرك" (12/213). وقيل سنة سبع للهجرة على ما قاله البيهقي في "السنن الكبرى" (7/201). وقال ابن الأثير في الكامل (1/318): ودخلت سنة سبع. ذكر غزوة خيبر. لما عاد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم وسار إلى خيبر في ألف وأربعمائة رجل معهم مائتا فارس، وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري) انتهى كلام ابن الأثير رحمه الله. وقال الواقدي في "المغازي" (1/3): (ثم اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست. ثم غزا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر في جمادى الآخرة، فقاتل بها سنة سبع) انتهى كلام الواقدي رحمه الله. وقال المسعودي في "مروج الذهب" (1/285): (وفي سنة سبع غزا خيبر فافتتحها، واصطفى صفية بنت حيَى بن أخْطَب لنفسه) انتهى كلام المسعودي رحمه الله. وقال ابن المطهر في "البدء والتاريخ" (1/253): (ثم دخلت سنة سبع من هذه الهجرة هي سنة الاستغلاب وفيها كانت غزوة خيبر قالوا وسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها في ألف وأربع مائة رجل ونزل بساحتهم ويفتتحها حصنا حصنا وهي حصون وآطام حتى انتهى إلى الطيح والسلالم فحاصرهم سبع عشرة ليلة) انتهى كلام ابن المطهر رحمه الله. وبه وبما سبقه يثبت أن غزوة خيبر كانت سنة سبع للهجرة، ويكون معها قدوم سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه.وهو ما نقول به.

موقعة مؤتة.
وفي جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، وقبل أن يتم سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه عاماً كاملاً في المدينة المنورة، كان للصقر الهاشمي موعد للقاء الله تعالى في أحسن حلة وأعظم حال وأشرف قدوم على رب العزة والجلال. وذاك أن الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أرسل الحارث وقيل (الحرث) بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بُصرى، فلما كان لدى شرحبيل بن عمرو بن جبلة الغساني، والي البلقاء الواقع تحت الحماية الرومانية؛ وثقه رباطاً، وقدمه وضرب عنقه. فنما الخبر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغضب لذلك وقال: "فإن الرسل لا يُقتلُون ولا يُغدرُ بهم"، ثم أمر بتجهيز جيش من ثلاثة آلاف مقاتل، و لم يجتمع هذا العدد من المقاتلين المسلمين من قبل إلا في غزوة الأحزاب.

أمَّرَ صلى الله عليه وآله وسلم على الجيش زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقال‏: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة‏"‏، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة. وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم: "اغزوا بسم الله، في سبيل الله، من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء".

وسار المسلمون حتى نزلوا معاناً، وهي قرية من أرض الشام (في الأردن حالياً)، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه مائة ألف أخرى من القبائل العربية الموالية له كلخم، وجذام، وبلقين، وبهراء، فاجتمع لهرقل مائتي ألف مقاتل، أمام ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين. فعقد المسلمون مجلساً للتشاور، فقال بعضهم: نكتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له، فقام عبدالله بن رواحة رضي الله عنه وقال لهم: "يا قوم والله للذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة، ما نقاتل الناس بعدد ولا عدة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور، وإما شهادة". فقال الناس: "صدق والله ابن رواحة، فمضوا حتى إذا قاربوا البلقاء وهي منطقة بالشام (في الأردن حالياً)، لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية يقال لها مشارف، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة وتسمى اليوم بالكرك شرق نهر الأردن، فالتقى الناس عندها، فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنتهم رجلاً من عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عبادة بن مالك. وبدأ الهجوم على المشركين بعد صلاه الفجر، وكان اليوم الأول هجوماً قوياً ومن صالح المسلمين بسبب أن الروم والغساسنة لم يتوقعوا من جيش صغير البدء بالهجوم.

استشهاده في موقعة مؤتة بأبي هو وأمي وروحي عليه رضوان الله وسلامه.
وفي اليوم الثاني بادر المسلمين بالهجوم وكان من صالح المسلمين وقتل كثير من الروم وحلفائهم، وأستمر الحال نفسه حتى اليوم السادس والنصر للمسلمين في الأيام الخمس الأولى. فلما كان اليوم السادس بادر الروم بالهجوم، وكان أصعب وأقوى الأيام. وفيه كان استشهاد زيد رضي الله عنه، فأخذ الراية من بعده أمير جند رسول الله جعفر عليه رضوان الله وسلامه، صقر لا يهاب الموت، ولا تتقهقر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يده، يقود الجيش بكل عزيمة وثبات حتى حمي وطيس المعركة وأشتد البأس، فنزل عليه رضوان الله وسلامه من على فرسه الشقراء فعقرها ليكون بذلك أول من عقر فرساً في الإسلام، وصاح ينادي بأعلى صلوته:

يا حبذا الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها
علي إذا لاقيتها ضرابها

فتكالب القوم أعداء الله عليه، فقطعت يمينه، فأبى أن تسقط راية العز، راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يده، فحمل الراية بيساره، فقطعت يساره، فازدادت العزيمة والإصرار على ثبات الراية خفاقة ولم يبق له سيف ولا درع سوى أن تحمل الراية عالية، فحملها بين عضديه وقد تجرد من سلاحه، فلقاه خصمه (قاتله الله شر قتلة) فشقه نصفين، فسقط الجسد الشريف الطاهر العظيم عليه رضوان الله وسلامه وبركاته بعد أن أبى إلا أن يلقى ربه ممزقاً بين يديه، وفيه بضع وتسعون بين طعنة ورمية كلها في قبله، مقبلاً غير مدبر، مجاهداً في سبيل الله، صابراً محتسباً الجسد والروح لله تعالى.

 فلما استشهد بأبي هو وأمي وروحي وعرضي عليه رضوان الله وسلامه، أخذ الراية من بعده سيدنا عبدالله بن رواحة عليه رضوان الله وسلامه فاستشهد، فاختار المسلمين سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه قائداً لهم، فأمر عدداً من الفرسان بإثارة الغبار خلف الجيش، وأن تعلو أصواتهم بالتكبير والتهليل، وقام بتبديل الرايات بحيث جعل المقدمة مؤخرة والميسرة ميمنة والعكس، فظن الروم أن مدداً كبيراً قد وصل إلى المسلمون من المدينة، وهجم سيف الله المسلول على الروم وقاتل قتال الأبطال حتى تكسر في يده تسعة سيوف وهو يقاتل بسيفين معاً. فلما وصلوا إلى خيمة قائد الروم، أمر خالد بانسحاب الجيش بطريقة منظمة، وشكوا أن خالد أراد بهم كمين فلم يتبعوه، ثم أدرك الروم أنهم وقعوا في الخدعة، ولكنهم لم يستطيعوا اللحاق بالمسلمين، وعاد الجيش إلى المدينة المنورة وقد أسفرت المعركة عن استشهاد اثنا عشر مسلماً عليهم رضوان الله وسلامه، مقابل عشرون ألفاً من الأعداء قاتلهم الله.

ولما أصيب القوم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً"، ثم صمت صلى الله عليه وآله وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال: "ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً". ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد رفعوا إلي في الجنة، فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبدالله بعض التردد ثم مضى".

وقد روت أم المؤمنين السيدة عائشة عليها رضوان الله وسلامه، قالت: "لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحزن. ثم دخل على زوج جعفر، أسماء بنت عميس وقال لها: "ائتني ببني جعفر". فأتت بهم فشمهم ودمعت عيناه فقالت: "يا رسول الله بأبي وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟). قال: "نعم أصيبوا هذا اليوم". فقامت تصيح. ودخلت فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي تبكي وتقول: "واعماه". فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "على مثل جعفر فلتبك البواكي" وفي رواية "فلتبك الباكية". ورجع إلى أهله فقال: "لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم". ودخل عليه من ذلك هم شديد حتى أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن الله تعالى قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم، يطير بهما مع الملائكة".

وسجي جسده الشريف عليه رضوان الله وسلامه بأرض المعركة، وضريحه اليوم في مدينة المزار الجنوبي جنوب العاصمة الأردنية.

وفي هذا المقام، فإنه ومن خلال مطالعتي لصورة منشورة على الشبكة العنكبوتية لضريح أمير الشهداء عليه رضوان الله وسلامه في الأردن، فقد وجدت أن إلى جوار ضريحه ضريح آخر كتب عليه (هذا ضريح عبيد الله وعبد الله ابنا الشهيد جعفر الطيار) وقد علقت على ذلك وأثبت بطلانه عند الحديث عن عقبه عليه رضوان الله وسلامه.

خصاله وفضائله عليه رضوان الله وسلامه.
أما عما روي في فضله عليه رضوان الله وسلامه. فقد "روي أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله تعالى شكر لجعفر الطيار رضي الله عنه أربع خصال كان عليها في الجاهلية وهو عليها في الإسلام. فسأل النبي عليه الصلاة والسلام جعفراً عن ذلك، فقال: "يا رسول الله، لولا أن الله أطلعك عليها لما أخبرتك بها. ما شربت خمراً قط؛ لأني علمت أن لو شربتها زال عقلي. وما كذبت قط؛ لأن الكذب ينقص المروءة. وما زنيت قط؛ لأني خفت أني إذا عملت عمل بي. وما عبدت صنماً قط، لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع". وفي رواية عند أبي الفداء إسماعيل حقي البروسوي في تفسيره المسمى بروح البيان (1/469): "ما شربت الخمر قط لأني رأيتها تزيل العقل وأنا إلى أن أزيد فيه أحوج مني إلى أن أزيله. وما عبدت صنماً قط لأني رأيته لا يضر ولا ينفع. وما زنيت قط لغيرتي على أهلي. وما كذبت قط لأني رأيته دناءة". أ.هـ.

قال أبو نعيم في أخبار أصبهان، وتاريخ أصبهان، والمحب الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة، وابن خلدون في مقدمته، وفي ذخائر العقبى، وسبل الهدى والرشاد، وسمط النجوم العوالي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نحن سبعة بنو عبدالمطلب سادات أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي" أو كما جاء. أخرجه ابن السري والديلمي وابن ماجة. وفي رواية عند الأصبهاني في معرفة الصحابة: "نحن ستة بنو عبدالمطلب سادات أهل الجنة، أنا وعمي حمزة، وأخي علي، وجعفر، والحسن، والحسين" ثم قال: ورواه إسحاق بن أبي طلحة عن أنس مثله.

وروى الطبراني في المعجم الصغير، وفي ذخائر العقبى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: "نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين، وهما ابناك، ومنا المهدي" أو كما جاء.

وروى أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك على الصحيحين وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم والأصبهاني في معرفة الصحابة والبزار في مسنده وابن حنبل في فضائل الصحابة والصفدي في الوافي بالوفيات والذهبي في سير أعلام النبلاء وغيرهم، عن عبدالله بن مليل قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول" قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، حمزة وجعفر وعلي وحسن وحسين وأبو بكر وعمر والمقداد وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وسلمان وعمار وبلال". أو كما جاء.

ونقل الحاكم النيسابوري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لجعفر: "أما أنت يا جعفر فأشبهت خَلقي وخُلقي، وأنت من شجرتي التي أنا منها". وفي رواية عند ابن الأثير عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه: "وأنت من عترتي التي أنا منها". وقول أبو هريرة رضي الله عنه: "ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لاستقرىء الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنيه "أبا المساكين". وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس حمزة وجعفر وعلي".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت جعفراً ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين". وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خلق الناس من أشجار شتى وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة".

روى أبو نعيم في أخبار أصبهان وابن عساكر في تاريخ دمشق والأصبهاني في تاريخ أصبهان وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين عن عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: "الناس من شجر شتى، وأنا وجعفر من شجرة" وفي رواية: "من شجرة واحدة". وفي رواية عند السيوطي في تاريخ الخلفاء والحاكم في المستدرك على الصحيحين والطبراني في المعجم الأوسط: "الناس من شجر شتى وأنا وعلي من شجرة واحدة" وفي رواية: "كان الناس من شجر شتى، وكنت أنا وعلي من شجرة واحدة".

عمره يوم استشهد عليه رضوان الله وسلامه.
بقي أن نذكر في ختام هذه العجالة، أن العديد من المصادر التاريخية قد كتبت في عمره عليه رضوان الله وسلامه يوم استشهاده، فمنهم من قال ابن ثلاث وثلاثين، وقال آخرون: ابن ست وثلاثين، وتسع وثلاثين، ولكننا وجدنا أن في ذلك خطأ، نثبت صحيح الأمر ونوضح الخطأ بالبراهين التالي:

البرهان الأول: أثبتت أصح المراجع والموارد بأنه كان عليه رضوان الله وسلامه يصغر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بعشرين عاماً، وهو ما أجمعت عليه أمهات المصادر التاريخية، وبذلك يكون ميلاده عليه رضوان الله وسلامه في العام العشرين من عام الفيل، فيكون عمره وقت البعثة عشرون سنة.
البرهان الثاني: كانت هجرته عليه رضوان الله وسلامه ورضوانه إلى الحبشة في نهاية العام الخامس من البعثة، وبذلك يكون قد هاجر وعمره خمساً وعشرين سنة.
البرهان الثالث: ثبت بأن الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد مكث بمكة لدعوة قومه ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة المنورة، وبذلك يكون عمره عليه رضوان الله وسلامه يوم هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثلاثاً وثلاثين سنة، وهو العمر الذي أنجب له فيه ابنه الأول عبد الله الجواد.
البرهان الرابع: ثبت بكل الأدلة أنه عليه رضوان الله وسلامه عندما هاجر من الحبشة إلى المدينة المنورة كان ذلك يوم فتح خيبر وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة، وبالتالي فإن عمره عليه رضوان الله وسلامه يوم هجرته إلى المدينة المنورة يكون قد بلغ أربعين سنة.
البرهان الخامس: كان وقوع معركة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة، مما يعني أنه عاش سنة واحدة بعد عودته.

نستخلص من ذلك، بأنه استشهاده عليه رضوان الله وسلامه قد كان يوم بلغ من العمر واحداً وأربعين سنة، وهو الصحيح الثابت لدينا. وتفصيله: (عشرون) عند البعثة + (ثلاثة عشر) عند الهجرة النبوية + (سبعة) عند هجرته إلى المدينة + (واحدة) مدة بقائه في المدينة المنورة، ومجموعها (إحدى وأربعين) سنة كامل عمره حين استشهاده عليه رضوان الله وسلامه وبركاته.

ختاماً، فقد وجد من المناسب أن أنقل للقارئ والقارئة الأفاضل ما أفرده العلامة محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري في كتابه "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى"، وقاله بحق سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه،  وذاك أني وجدته من أفاضل من ذكر سيرة سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، وكذا جميع قرابة البيت النبوي عليهم رضوان الله وسلامه، من باب المزيد من إلقاء الضوء على سيرة أمير جند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه.

ذكر ما قاله العلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري في "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى" من (1/207) وحتى (1/219).
الفصل الأول في ذكر جعفر بن أبى طالب بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي وقد تقدم ذكر أمه، يكنى أبا عبدالله. أسلم قديماً وهاجر الحبشة للهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس وولدت له ثمة بنيه عبدالله ومحمداً وعونا فلم يزل هنالك حتى قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان رضى الله عنه.

ذكر جواره في ارض الحبشة وما جرى له مع النجاشي.
قال: بعث عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية من أبى سفيان إلى النجاشي فقالوا له ونحن عنده: قد صار إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا فادفعهم إلينا، قال: لا حتى أسمع كلامهم، قال: فبعث إلينا فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: قلنا: هؤلاء قوم يعبدون الأوثان، وأن الله عز وجل بعث إلينا رسولاً فآمنا به وصدقناه. قال: فقال لهم النجاشي: أعبيد هم لكم؟ قالوا: لا، قال: فلكم عليهم دين؟ قالوا: لا، قال: فخلوا سبيلهم، قال: فخرجنا من عنده فقال عمرو بن العاص: إن هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم غير ما تقول، قال: إن لم يقولوا في عيسى مثل قولي لم أدعهم في أرضي ساعة من نهار، فأرسل إلينا فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الأولى، قال: ما يقول صاحبكم في عيسى بن مريم؟ قال: قلنا يقول: هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذارء بتول، قال: فأرسل فقال: أدع لي فلاناً القس وفلاناً الراهب، وأتاه أناس منهم، قال فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ قالوا: أنت أعلمنا بما نقول، فقال النجاشي وأخذ شيئاً من الأرض: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء بمثل هذا، قال لهم: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم، فأمر منادياً فنادي: من آذى أحداً منهم فاغرموه أربعة دراهم، ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا، قال: فأضعفوها، قال: فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخرج إلى المدينة وظهر بها أتيناه فقلنا: إن صاحبنا قد خرج إلى المدينة وظهر بها وقتل الذين كنا حدثناك عنهم، وقد أردنا الرحيل فزودنا فحملنا وزودنا، ثم قال: أخبر صاحبك بما صنعت إليكم وهذا صاحبي معك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وقل له يستغفر لي، قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتنقني ثم قال: "ما أدرى أبفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر" ووافق ذلك فتح خيبر، ثم جلس فقام رسول النجاشي فقال: "هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا؟" فقال: نعم، فعل بنا وحملنا وزودنا وشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وقال: قل له يستغفر لي، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوضأ ثم دعا ثلاث مرات: "اللهم اغفر للنجاشي" فقال المسلمون: آمين، قال جعفر: فقلت للرسول انطلق وأخبر صاحبك بما قد رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم). خرجه الذهبي والبغوي.

وعن أم سلمة عليها رضوان الله وسلامه قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هداياً مما يستظرف من متاع مكة (قال في هامشه: زاد في مجمع الزوائد (وكان أعجب ما يأتيه منها الادم) وزيادات أخرى في مواضع) فجمعوا له أدماً كثيراً ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبدالله بن ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي بهداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قال: فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فقالوا: نعم، ثم قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا له: أيها الملك انه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلم بما عابوا عليهم، فقالت بطارقته: صدقوا فأسلمهم إليهم، فغضب النجاشي وقال: لا ها الله إذن لا أسلمهم إليهم ولا أكيد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواى حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هؤلاء في أمرهم فان كان كما يقولون سلمتهم إليهما وإن كان على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني، قال ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاهم فلما أن جاءهم الرسول اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمناه وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كائناً في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين من دين هذه الامم؟ قالت: وكان الذي يكلمه جعفر بن أبى طالب فقال له: "أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عزوجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وأمر بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به، فعبدنا الله عزوجل ولم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما نهرونا فظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك" قالت: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله عز وجل شئ؟ قال: نعم، قال: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدراً من (كهيعص) فبكى والله النجاشي حتى اخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم ثم قال: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقوا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً، قالت: فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص: لآتينه غداً أعيبهم عنده بما أستأصل به خضراءهم، فقال له عبدالله بن ربيعة وكان أتقى الرجلين: لا تفعل فان لهم أرحاماً قال: لا والله لاخبرنه انهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغد فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيماً فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم فسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم؟ قالوا: نقول والله ما قال الله عزوجل وما جاء به نبينا كائناً في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ قال له جعفر بن أبى طالب: نقول فيه الذى جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبدالله وروحه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قال: فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، ثم قال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي، ردوا عليهما هداياهم فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين رد على ملكي فآخذ الرشوة. أو ما أطاع الله الناس في فأطيعهم فيه، قال: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، قالت: فوالله ما علمنا حزناً حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك خوفاً أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي يعرف منه، قالت: وسار إليه النجاشي وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالوا: فأنت، وكان من أحدث القوم سناً فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى عبر إلى ناحية النيل التى بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكن في بلاده، قالت: فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن، إذ طلع الزبير يسعى، فلمع بثوبه وهو يقول: إلا ابشروا فقد ظفر النجاشي وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده. قالت: فوالله ما علمنا فرحناً فرحة قط مثلها. قالت: فرجع النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. خرجه ابن إسحاق.

الشرح.
الاساقفة: جمع أسقف وهم علماؤهم ورؤساؤهم وهو اسم سرياني فيحتمل أن يكون سمى به لخضوعه وخشوعه في عبادته والاسقف في اللغة طول في انحناء.
اخضل لحيته: بلها، تقول خضل وأخضل إذا ندى وأخضلته أنا.
مشكاة: هي الكوة وقيل الحديدة التى يعلق عليها القنديل أراد أن القرآن والانجيل من أصل واحد.
خضراؤهم: أي سوادهم ودهماؤهم.
سيوم: أي آمنون بها كذا جاء مفسرا في الحديث وهى كلمة حبشية ويروى بفتح السين وقيل سيوم جمع سائم أي أنتم كالغنم السائمة لا يعارضكم أحد.
قول النجاشي ما أخذ الله منى الرشوة حين رد على ملكي إلى آخره: وذلك أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد سواه، وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر ولداً، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشة: لو أنَّا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فانه لا ولد له غير هذا الغلام، ولأخيه اثنا عشر ولداً لصلبه، فعدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه. ومكثوا على ذلك حيناً. ونشأ النجاشي مع عمه وكان لبيباً حازماً، فغلب على أمر عمه ونزل منه كل منزل، فلما رأت الحبشة مكانته منه قالت: والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين، لقد عرف أنا قتلنا أباه. فمشوا إلى عمه فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى وإما أن تخرجه من بين أظهرنا فإنا قد خفناه على أنفسنا، قال: ويلكم قتلت أباه بالامس وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم. قال: فخرجوا به إلى السوق فباعوه من رجل تاجر بستمائة درهم، فقذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان من العشي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر فأصابته صاعقة فأهلكته، ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا ليس في ولده خير. فمرج على الحبشة أمرهم. فلما ضاق عليهم ما هم فيه قال بعضهم لبعض: إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره بعتموه غدوة فإن كان لكم بالحبشة حاجة فأدركوه. قالت: فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذى باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه، فجاءهم التاجر الذى باعوه منه فقال: إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك، قالوا: لا نعطيك شيئاً، قال: والله إذاً أكلمه في ذلك، قالوا: فدونك، قال: فجاءه فجلس بين يديه فقال: أيها الملك ابتعت غلاماً من قوم بالسوق بستمائة درهم فأسلموا إلي غلامي وأخذوا دراهمي حتى إذا سرت بغلامي أدركوني فأخذوا مني غلامي ومنعوني دراهمي، قال: فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه في يده فليذهب بن حيث شاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قال: فذلك قوله: ما أخذ الله مني رشوة حين رد إلي ملكي، وما أطاع الناس في" وكان ذلك أول ما خبر من صلابته ودينه وعدله رحمه الله.

ذكر ابن اسحاق عن عائشة أم المؤمنين عليها رضوان الله وسلامه وعن أبى بردة رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشاً فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية، فأتيناه بها فقبلها ثم قالا: إن ناساً من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرض الملك فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فقالوا: اسجدوا للملك، قال جعفر: لا نسجد إلا لله، ثم ذكر نحو حديث أم سلمة. وقال: ثم قال النجاشي: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذى بشر بن عيسى بن مريم عليه السلام، ولولا ما أنا فيه من الملك لآتيته حتى أقبل نعله. خرجه في الصفوة.

وعن عمرو بن العاص قال: لما اتينا باب النجاشي ناديت: ائذن لعمر وبن العاص، فنادى جعفر من خلفي: ائذن لحزب الله، فأذن له قبلي. خرجه في الصفوة.

ذكر ما ثبت لجعفر رضى الله عنه ومن هاجر إلى الحبشة من الفضل.
عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. إما قال: في بضعة وإما قال: في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي. قال: فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبى طالب وأصحابه عنده فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثنا ههنا، وأمرنا بالإقامة فأقمنا معه، حتى قدمنا جميعاً قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لأصحاب سفينتنا جعفر وأصحابه قسم لهم معهم. قال: وكان ناس من الناس يقولون لنا: سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدمت معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي ممن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، فقال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه، فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم منكم، فغضبت وقالت: يا عمر كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطعم جائعكم، يعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء من الحبشة، وذلك في الله وفى رسوله، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسأله، والله لاأكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس بأحق منكم، وله ولأصحابه هجرة، ولكم أهل السفينة هجرتان"، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني ارسالاً ليسألوني عن هذا الحديث، ليس من الدنيا شئ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد رأيت أبا موسى يستعيد هذا الحديث مني. أخرجاه.

ذكر قدوم جعفر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
عن الشعبى قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوم جعفر وفتح خيبر قال: "ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر أو بفتح خيبر" قال: ثم التزمه وقبل ما بين عينيه. خرجه البغوي في معجمه هكذا ورفعه من طريق آخر عن جابر بن عبدالله.

وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجل، قال سفيان: حجل، مشى على رجل واحدة إعظاماً منه صلى الله عليه وآله وسلم، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه وقال: "حدثني ببعض عجائب الحبشة" قال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا سائر في بعض طرقاتها، إذا بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له فرجمها فألقاها لوجهها، وألقى المكتل عن رأسها، فاسترجعت قائمة وأتبعته النظر وهى تقول: الويل لك غداً إذا جلس الملك على كرسيه فاقتص المظلوم من الظالم، قال جابر: فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن دموعه على لحيته مثل الجمان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم". خرجه الغساني في معجمه.

 ذكر شبهه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي". خرجه الترمذي وقال حسن صحيح، وخرجه أحمد وأبو حاتم.

وعن أسامة بن زيد عن أبيه رضي الله عنهما قال: اجتمع علي وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسأله، قال أسامة: فجاءوا يستأذنونه فقال: "اخرج فانظر من هؤلاء"، فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد، ما أقول أبي، فقال: "ائذن لهم" فدخلوا فقالوا: يا رسول الله، من أحب اليك، قال: فاطمة، قالوا: نسألك عن الرجال؟ فقال: "أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت مني وشجرتي. وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني. وأما أنت يا زيد فولاي مني وإلي وأحب القوم إلي". خرجه أحمد في مسنده.

ذكر خَلقه عليه رضوان الله وسلامه.
عن جابر رضي الله عنه قال: قدم جعفر بن أبى طالب من الحبشة، قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه وقال: "يا حبيبي أنت أشبه الناس بخَلقي وخُلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها".

ذكر أنه خير الناس للمساكين.
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشبع بطني حين لا أكل الخمير ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان ولافلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، رضى الله عنه، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى أن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شئ فيشقها فنلعق ما فيها. خرجه البخاري.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كنا ندعو جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه (أبا المساكين) فكنا إذا أتيناه قرب إلينا ما حضر، فأتيناه يوماً فلم نجد عنده شيئاً فأخرج جرة من عسل فكسرها فجعلنا نلعق منها. أخرجه الترمذي، وقال حسن غريب.

وعنه قال: كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنيه (أبا المساكين). خرجه البغوي في معجمه وصاحب الصفوة والحافظ أبو الحسين العطار في الثمانية.

وعنه أنه قال: ان كنت لأسأل الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الآية من القرآن أنا أعلم بها منه ما أسأله إلا ليطعمني شيئاً وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله، ويقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا، فإذا أطعمتنا أجابني، وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنيه (بأبي المساكين). خرجه الترمذي وقال حديث غريب.

ذكر ما جاء انه يطير بجناحين مع الملائكة في الجنة.
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة" خرجه الترمذي وقال غريب. وخرجه البغوي في معجمه وزاد "بجناحين"، وخرجه أبو حاتم بزيادة ولفظه "رأيت جعفراً ملكاً يطير بجناحيه في الجنة". وخرجه أبو عمر عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه "دخلت البارحة الجنة فإذا فيها جعفر يطير مع الملائكة"، وهكذا رواه ابن غيلان.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سلم على ابن جعفر قال: (السلام عليك يا ابن ذي الجناحين). خرجه البخاري والبغوى.

وعن ابن عباس عليه رضوان الله وسلامه قال بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريباً منه إذ رد السلام فقال: "يا أسماء هذا جعفر بن أبى طالب مع جبرائيل وميكائيل فمروا فسلموا علينا فردوا عليهم، وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا" قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث أو أربع فقال له: "لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثماني وسبعين بين طعنة وضربة ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت ثم أخذته بيدى اليسرى فقطعت فعوضني الله عزوجل من يدى جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت"، قالت اسماء: هنيئاً لجعفر ما رزقه الله من الخير ولكني أخاف أن لا يصدق الناس. فأصعد المنبر فأخبر من الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس إن جعفر بن أبى طالب مر مع جبريل وميكائيل وله جناحان عوضه الله عزوجل من يديه فسلم علي" ثم أخبرهم كيف أخبره حين لقى المشركين فاستبان الناس من بعد ذلك اليوم الذى أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جعفراً لقيهم فلذلك سمى (جعفر الطيار في الجنة). خرجه ابن البخترى.

وعن اسماعيل بن أبى خلف عن رجل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قد رأيته يعنى جعفرا في الجنة له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوادم". خرجه ابن الضحاك.

ذكر ما جاء في أنه أفضل من ركب الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: (ما احتذى النعال ولا انتعل ولاركب المطايا ولاركب الكور (قال في هامشه: الكور بالضم هو رحل الناقة بأداته وهو كالسرح وآلته للفرس) بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر). خرجه الترمذي وقال حسن صحيح.

وعن عبد الله بن جعفر عليهما رضوان الله وسلامه قال: (كنت إذا سألت علياً فمنعني قلت له بحق جعفر أعطاني). خرجه أبو عمر.

ذكر استشهاده عليه رضوان الله وسلامه.
استشهد رضي الله تعالى عنه في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة.

عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: (حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة قال: (شهدت مؤتة مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه فرأيت جعفراً حين التحم القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها وقاتل القوم حتى قتل وكان أول رجل عقر في الاسلام). خرجه البغوي في معجمه وخرجه أبو عمر وقال: (عرقبها حين رأى الغلبة وقاتل حتى قتل رضى الله عنه وقطعت في تلك الوقعة يداه جميعاً ثم قتل) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء" فمن هناك قيل لجعفر ذو الجناحين.

وعن سالم بن أبى الجعد رضي الله عنه قال: (أُري النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرجاً بالدماء). خرجهما أبو عمر.

وعن أبي عمر رضي الله عنه قال: (أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال: "إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة" قال ابن عمرو: (كنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفراً فوجدناه في القتلى ووجدنا فيما أقبل من جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية).

وعنه أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل: (فعددت به خمسين من طعنة وضربة ليس شئ في دبره). اخرجهما البخاري وتابعة أبو حاتم في الأول، ويمكن أن يكون استوفى العدد في إحدى المرتين دون الأخرى من غير أن يكون بينهما تضادد. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى جعفراً وزيداً قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان). خرجه في الصفوة.

وعن عائشة عليها رضوان الله وسلامه قالت: (لما جاء نعى جعفر وزيد وعبدالله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرف الحزن في وجهه). متفق على صحته.

وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: (لما أصيب جعفر وأصحابه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد دبغت أربعين منياً، وفى رواية منيئة (قال في هامشه: يقال منأت الأديم إذا ألقيته في الدباغ، ويقال له مادام في الدباغ منيئه أيضاً) وعجنت عجيني وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ائتيني ببني جعفر" فأتيته بهم وذرفت عيناه فقلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شئ؟ قال: "نعم قتل اليوم هو وأصحابه" قالت: فقمنا واجتمع النساء، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله فقال: "لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً فانهم قد شغلوا بأمر صاحبهم". خرجه ابن اسحق والبغوى، وخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه منه "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم"، قال أبو عمر: ولما جاء نعي جعفر أتى امرأته اسماء بنت عميس فعزاها في زوجها ودخلت فاطمة وهى تبكى وتقول: "واعماه" فقال صلى الله عليه وسلم: "على مثل جعفر فلتبك البواكي".

وعن ابن المسيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل إلى جعفر وزيد بن حارثة و عبدالله بن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير، فرأيت زيداً وابن رواحة في أعناقهما صدود، ورأيت جعفراً مستقيماً ليس فيه صدود قال: فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا بوجههما وأما جعفر فإنه لم يفعل". خرجهما أبو عمر قال الزبير بن بكار كانت سن جعفر حين قتل إحدى وأربعين سنة.

وعن عبدالله بن جعفر عليهما رضوان الله وسلامه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمهل أهل جعفر ثلاثاً ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم" ثم قال: "ادعوا بني أخي فجئ بنا كأننا افرخ فدعا الحلاق فحلق رؤوسنا". خرجه البغوي.

ذكر ولده عليه رضوان الله وسلامه.
كان له من الولد ثلاثة، عبدالله وبه كان يكنى، ومحمد وعون، ولدوا كلهم بأرض الحبشة. ذكره الدار قطني وأبو عمر والبغوى وغيرهم. أمهم أسماء بنت عميس وأخوتهم لأمهم محمد بن أبي بكر، ويحيى بن علي بن أبى طالب رضي الله عنه.

وبه ينتهي كلام المحب الطبري رحمه الله تعالى.

فسلام الله عليك سيدي ورضاه ورضوانه يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث بين يدي ربي، وإني لأستغفر الله تعالى عن تقصيري في الحديث عنك يا أمير المجاهدين، يا أمير الشهداء، ولكن مثلكم لا تفرد لهم الصفحات، بل تعجز عن ذكره المراجع والكتب الطوال، ولكنني المقصر في الحديث وأنتم أهل الكرم في قبول هذه السطور من ابن لكم وحفيد محب. وسلام عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون أحياء بين يدي الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.