السيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر الطيار عليهم رضوان الله وسلامه
بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار
هي السيدة الوقور أم كلثوم بنت عبدالله الجواد بن ذي الجناحين جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي عليهم رضوان الله وسلامه. أمها السيدة العقيلة زينب النرجسة بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه. زوجها خالها الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بوصاية ووكالة من أبيها عبدالله الجواد في حياته عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وذلك لابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه.
وقصت ذلك ما رواه أهل السير ومنهم ما جاء في في "المغانم المطابة في معالم طابة"، وفي "عمدة الأخبار" وغيرها: أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى مروان بن الحكم واليه في المدينة: "أما بعد، فإن أمير المؤمنين قد أحب أن يرد الألفة، ويسل السخيمة، ويصل الرحم، فإذا وصل إليك كتابي، فاخطب إلى عبدالله بن جعفر ابنته أم كلثوم، على يزيد ابن أمير المؤمنين، وأرغب له في الصداق". فوجه مروان إلى عبدالله بن جعفر، فقرأ عليه كتاب معاوية، وعرفه ما في الألفة من إصلاح ذات البين. فقال عبدالله: "إن خالها الحسين بينبع، وليس ممن يفتأت عليه، وإني لن أقطع أمراً دونه وأني لست أولى به منها وهو خال والخال والد، فأنظرني إلى أن يقدم"، وكانت أمها زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين علي عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين. فقال له مروان: "ما انتظارك إياه بشيء فلو حزمت؟ فأبى عبدالله، فتركه. فلم يلبثوا إلا خمس ليال حتى قدم الحسين من سفره، فأتاه عبدالله بن جعفر فقال: "كان من الحديث ما تسمع وأنت خالها ووالدها، وليس لي معك أمر فأمرها بيدك، فأشهد عليه الحسين بذلك جماعة. ثم خرج الحسين فدخل على أم كلثوم فقال: يا بنت أختي إنه قد كان من أمر أبيك أمر، وقد ولاني أمرك وإني لا آلوك حسن النظر إن شاء الله، وإنه ليس يخرج منا غريبة فأمرك بيدي؟" قالت: "نعم بأبي وأمي". فقال الحسين: "اللهم إنك تعلم أني لم أرد إلا الخير، فقيِض لهذه الجارية رضاك من بني هاشم" ثم قال لها: "إن ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب أحق بك، ولعلك ترغبين في كثرة الصداق، وقد نحلتك البغيبغات (ومفردها بغيبغة) وهي قرية بالمدينة، وقيل هي عين كثيرة النخل غزيرة الماء. ثم خرج حتى لقي القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب فأخذ بيده فأتى المسجد وقد اجتمعت القوم للإملاك من بني هاشم وبني أمية وأشراف قريش وهيئوا من أمرهم ما يصلحهم. فتكلم مروان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن يزيد بن أمير المؤمنين يريد القرابة لطفاً وألحق عظماً، ويريد أن يتلافى ما كان بصلاح هذين الحيين، مع ما يحب من أثره عليهم، ومع المعاد الذي لا غناء به عنه، مع رضا أمير المؤمنين. وقد كان من عبدالله بن جعفر في ابنته ما قد حسن فيه رأيه وولى أمرها الحسين بن علي، وليس عند الحسين خلاف لأمير المؤمنين إن شاء الله تعالى". فتكلم الحسين، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الإسلام يرفع الخسيسة ويتم النقيصة ويذهب الملامة، فلا لوم على امرئ مسلم إلا في أمر مأثم، وإن القرابة التي أعظم الله حقها وأمر برعايتها وسأل الأجر في المودة عليها، والحافظة في كتاب الله تعالى قرابتنا أهل البيت، وقد بدا لي أن أزوج هذه الجارية من هو أقرب إليها نسباً وألطف سبباً، وهو هذا الغلام (يعني القاسم بن محمد بن جعفر)، ولم أرد صرفها عن كثرة مال نازعتها نفسها ولا أبوها إليه، ولا أجعل لامرئ في أمرها متكلماً، وقد جعلت مهرها كذا وكذا منها في ذلك سعة إن شاء الله" ثم أصدقها البغيبغات (وفي رواية أنه ذكر دين ابن عمه عبدالله بن جعفر (وكان دينه خمسين ألف دينار وبه أراد معاوية أن يزوج ابنه يزيد من أم كلثوم بنت عبدالله وأن يقضى عنه دينه) فقال: ولعبدالله ألف ألف، ولابنته ألف ألف وهذه البغيبغات). فغضب مروان وقال: "أغدراً يا بني هاشم؟!" ثم أقبل على عبدالله بن جعفر فقال: "ما هذه بأيادي أمير المؤمنين عندك وما غبتَ عما تسمع" فقال عبدالله: "قد أخبرتك الخبر حيث أرسلت إلي وأعلمتك أني لا أقطع أمراً دونه". فقال الحسين بن علي: "على رسلك، أقبل علي. فأولى الغدر منكم وفيكم، انتظر رويداً حتى أقول: نشدتكم الله أيها النفر ثم أنت يا مسورَ بن مَخْرمة أتعلم أن حسن بن علي خطب عائشة بنت عثمان حتى إذا كنا بمثل هذا المجلس من الاشفاء على الفراغ، وقد ولوك يا مروان أمرها قلت: "إنه قد بدا لي أنا أزوجها عبدالله بن الزبير؟" هل كان ذلك يا أبا عبدالرحمن؟" (يعني المسور؟) قال: "اللهم نعم" فقال مروان: "قد كان ذلك، أنا أجيبك، وإن كنت لم تسألني" فقال الحسين: "وأنتم موضع الغدر".
ويروي الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (57/245) وابن إسحاق في "السيرة" (1/89) وغيره من أهل السير بروايات عدة تلك الواقعة، والقول لابن عساكر، قال: أخبرنا أبو العز بن كادش إذنا أنا أبو محمد بن الحسين أنا أبو الفرج المعافى بن زكريا القاضي (قال في هامشه: الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي (1/406) وما بعدها) نا محمد بن القاسم الأنباري أخبرني أبي عن أبي الفضل العباس بن ميمون، حدثني سليمان بن داود المقرئ الشاذكوني، أخبرني محمد بن عمر (قال في هامشه: تحرفت بالاصل إلى "عمرو") بن واقد السلمي عن عبدالله بن جعفر (قال في هامشه: الزيادة للإيضاح عن الجليس الصالح) المديني عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة قالت: سمعت أبي يقول: كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن يزوج ابنه يزيد بن معاوية زينب بنت عبدالله بن جعفر وأمها أم كلثوم بنت علي وأم أم كلثوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قلت: – والقول للمؤلف – لم يكن لسيدنا عبدالله بن جعفر من السيدة أم كلثوم بنت علي عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه عقب، وإنما ما أثبته أهل التاريخ أن معاوية أرسل إلى مروان عامله أن يزوج ابنه يزيد من أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر، وأمها السيدة زينب بنت علي وأمها السيدة فاطمة الزهراء عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وهو الثابت عندي وعند ثقات أهل التاريخ) ويقضي عن عبدالله بن جعفر دينه وكان دينه خمسين ألف دينار ويعطيه عشرة (قال في هامشه: وفي الجليس الصالح، عشرين ألف دينار) آلاف دينار ويصدقها أربعمائة دينار ويكرمها بعشرة آلاف دينار فبعث مروان بن الحكم (قال في هامشه: بالأصل: مروان بن معاوية بن الحكم. قال المؤلف: الثابت في السير أنه مروان بن الحكم وليس مروان بن معاوية. وهو ما يؤكده ابن الأثير في "الكامل" (2/112) ويرويه غيره، إذ قال: ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين. في هذه السنة غزا المسلمون اللان وغزوا الروم أيضاً فهزموهم هزيمةً منكرة وقتلوا جماعة من بطارقتهم. وفيها ولد الحجاج بن يوسف في قول. وفيها ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة، وولى خالد بن العاص بن هشام مكة، فاستقضى مروان عبدالله بن الحارث بن نوفل) انتهى قول ابن الأثير وغيره.) إلى عبدالله بن جعفر فأجابه واستثنى عليه برضا الحسين بن علي وقال: "لن أقطع أمرا دونه مع أني لست أولى به منها وهو خال والخال والد" قال: وكان الحسين بينبع (قال في هامشه: ينبع حصن به نخيل وماء وزرع وبها وقوف لعلي بن أبي طالب يتولاها ولده. راجع معجم البلدان) فقال له مروان ما انتظارك إياه بشئ، فلو حزمت فأبى، فتركه. فلم يلبثوا إلا خمس ليالي حتى قدم الحسين، فأتاه عبدالله بن جعفر فقال: "كان من الحديث ما تسمع وأنت خالها ووالدها وليس لي معك أمر فأمرها بيدك" فأشهد عليه الحسين بذلك جماعة، ثم خرج الحسين فدخل على زينب (قال المؤلف: هي أم كلثوم كما سبق وأن أسلفنا) فقال: "يا بنت أختي، إنه قد كان من أمر أبيك أمر وقد ولاني أمرك وإني لا آلوك حسن النظر إن شاء الله، وإنه ليس يخرج منا غريبة، فأمرك بيدي" قالت: نعم بأبي وأمي. فقال الحسين: "اللهم إنك تعلم أني لم أرد إلا الخير فقيض (قال في هامشه: بالاصل: فتقض) لهذه الجارية رضاك من بني هاشم" ثم خرج حتى لقي القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب فأخذه بيده، فأتى المسجد وقد اجتمعت بنو هاشم وبنو أمية وأشراف قريش، وهيأوا من أمرهم ما يصلحهم، فتكلم مروان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن يزيد بن أمير المؤمنين يريد القرابة لطفاً وألحق عظماً ويريد أن يتلافى ما كان بصلاح هذين الحيين مع ما يحب من أثره عليهم، ومع المعاد الذي لا غناء به عنه مع رضا أمير المؤمنين، وقد كان من عبدالله بن جعفر في ابنته ما قد حسن فيه رأيه، وولى أمرها الحسين بن علي، وليس عند الحسين خلاف لأمير المؤمنين إن شاء الله تعالى. فتكلم الحسين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الإسلام يرفع الخسيسة، ويتم النقيصة، ويذهب الملامة، فلا لوم على امرئ مسلم إلا في أمر مأثم، وإن القرابة التي أعظم الله حقها، وأمر برعايتها، وسأل الأجر في المودة عليها، والحافظة في كتاب الله تعالى، قرابتنا أهل البيت، وقد بدا لي أن أزوج هذه الجارية من هو أقرب إليها نسباً، وألطف سبباً وهو هذا الغلام (يعني: القاسم بن محمد بن جعفر (قال في هامشه: جاء في المعارف أن القاسم بن محمد بن جعفر تزوج بأم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر وأمها زينب بنت علي بن أبي طالب) ولم أرد صرفها عن كثرة مال نازعتها نفسها ولا أبوها إليه، ولا أجعل لامرئ في أمرها متكلماً، وقد جَعَلْتُ مهرها كذا وكذا، منها في ذلك سعة إن شاء الله) فغضب مروان وقال: أغدراً يا بني هاشم. ثم أقبل على عبدالله بن جعفر فقال: ما هذه بأيادي أمير المؤمنين عندك، وما غبت عما تسمع، فقال عبدالله: (قد أخبرتك الخبر حيث أرسلت إلي، وأعلمتك أني لا أقطع أمراً دونه). فقال الحسين بن علي: (على رسلك أقبل عليَّ، فأولى الغدر منكم وفيكم، انتظر رويداً حتى أقول: نشدتكم الله أيها النفر، ثم أنت يا مسور بن مخرمة أتعلم أن حسن بن علي خطب عائشة بنت عثمان، حتى إذا كنا بمثل هذا المجلس من الإشفاء على الفراغ، وقد ولوك يا مروان أمرها قلت: إنه قد بدا لي أنا أزوجها عبدالله بن الزبير، هل كان ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ يعني المسور، قال: اللهم نعم، فقال مروان: قد كان ذلك، أنا أجيبك وإن كنت لم تسألني، فقال الحسين: (وأنتم موضع الغدر ). انتهى قول ابن الأثير رحمه الله، وقد رواه الثقات بروايات عدة.
وقد أنجبت السيدة أم كلثوم بنت عبدالله الجواد بن جعفر الطيار عليهم رضوان الله وسلامه لابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، فاطمة بنت القاسم عليهم رضوان الله وسلامه، فتزوج فاطمة طلحة بن عمر بن عبيدالله بن معمر بن عثمان التميمي فأنجبت له إبراهيم بن طلحة، وعقبه يد مع بني ثعلب الداودي الحجازي بن داود بن موسى الطيار وهم بالصعيد الأعلى بمصر على ما قاله بعض أهل العلم. وتزوجت فاطمة بنت القاسم حمزة بن عبدالله بن الزبير فأنجبت له يحيى وأبا بكر. وقيل تزوجت السيدة أم كلثوم من الحجاج بن يوسف ولم يدخل بها ثم تزوجها علي بن حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبدالله بن العباس بن عبد المطلب عليهم رضوان الله وسلامه.