عون بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه
بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار
مقدمة.
الحمد لله الذي قضى بحكمه ما شاء. الحمد لله الذي قدر الأقدار بين عباده كما يشاء. الحمد لله الذي خلق الخلق فاصطفى منهم من يشاء، لحكمة لا يعرفها غيره سبحانه وتعالى شاء بأمره ما شاء. الحمد لله القائل في محكم التنزيل، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10-12. وأشرف الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين، وتاج كائنات الله أجمعين، المبعثون رحمة مهداة من رب العالمين للعالمين، الذي أخرج الله تعالى به عباده من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط الله المستقيم، سيدنا وإمامنا ومولانا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله قائد الغر المحجلين وعلى أهل بيته الأطهار وآله الأخيار وقرابته وأصحابه النجباء وعموم الأنبياء والمرسلين أجمعين وبعد:
فلقد شاء الله عز وجل أن يصطفى من عباده ما شاء لهم، لحكمة وعلم هي له سبحانه وتعالى، هؤلاء الذين مهما كتب الكاتبون، وأرخ المؤرخون، وسطر المسطرون، وخلد التاريخ بحقهم ما خلد، فإنهم لن يوفوهم حقهم وقدرهم أبداً، ولن يستطيعوا أن يحصوا شمائلهم وخصائصهم. ذاك أن إصطفاء الله تعالى لهم فاق ويفوق قدرات من أراد أن يكتب عنهم. ولذلك كله ترى الأقلام تعجز، والمداد يجف، والعمر ينقضي دون أن تجد البشرية حصراً شاملاً وتأريخاً كاملاً لهؤلاء العظماء، والذي أراد الله تعالى أن يكون منهم، سيد من السادات الذين اصطفاهم، الذين قال بهم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.
اسمه ونسبه عليه رضوان الله وسلامه.
هو الصحابي الجليل، رفيع المقام، سليل النسب الطاهر، سيدنا عون بن ذي الجناحين جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي. شقيق ساداتنا عبدالله ومحمد، أباً وأماً عليهم رضوان الله وسلامه. ولد بأرض الحبشة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ثالث الأبناء للسيدة أسماء بنت عميس الخثعمية زوج سيدنا جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه.
تحدثت عنه الكثير من أمهات الكتب ومراجع التاريخ ولكن بمواضع متفرقة، وذكرته في زمرة الصحابة الأجلاء صغار السن. كيف لا وهو وإخوانه قد تولى رعايتهم وولايتهم الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بعد استشهاد والده سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه.
مولده ونشأته عليه رضوان الله وسلامه.
ولد بأرض الحبشة يوم كان أبواه مهاجرين بها، وأختلف بينه وأخيه محمداً أيهما كان أكبر من الآخر، ولكن غالب من قال في ذلك جعلت محمداً أكبر من عون، وكان أكبرهم جميعاً عبدالله قطب الجود عليهم رضوان الله وسلامه.
نشأ بين اخوته على أصول الدين والخلق الرفيع حتى هاجر إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة وهو غض صغير، ونظنه لم يبلغ من العمر خمس سنوات على أعلى تقدير، فولادته عليه رضوان الله وسلامه، كان الثالث بين أخوته، وكان الفارق الزمني بين كل منهما سنة على أغلب ما قيل، وبذلك تكون ولادته في حدود منتصف السنة الثالثة للهجرة. وما هي إلا أحد عشر شهراً بعد هجرته إلى المدينة المنورة برفقة والديه وأخوته، حتى فقد أباه شهيداً بأرض مؤتة. فكفلته الأحضان بيت النبوة المحمدي، فتربى في كنف سيد الكائنات وصاحب الخلق العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبه تعلم أصول الدين وقواعد المعاملة وأسس الشجاعة والإخاء في الله.
ما لبث الطفل أن رأى نفسه وقد انتقل إلى كنف حبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه ورفيقه، سيدنا أبو بكر الصديق عليه رضوان الله وسلامه، ولكن الإشراف والولاية المحمدية لم تخرج عنه وعن أخوته حتى كان أمر الله بانتقال الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى.
فلما كان أمر الله تعالى، ولحق به خليفة رسول الله بحبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم، سيدنا أبو بكر الصديق عليه رضوان الله، انتقلت حياته ورعايته إلى من آخاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مراراً وتكراراً، إلى عمه الهزبر العظيم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه. وبه كانت نشأته وصباه وشبابه وهو ابن عشر سنين أو أقل. فنشأ معلقاً قلب بعمه الذي رأى فيه أباه الذي فقده. ورأى في أبناء عمه، الحسنين العظيمين عليهما رضوان الله وسلامه، الأخوة والسند والأصدقاء الأوفياء، فعاش بينهما وتعلم علومهما وتربى تربيتهما.
ولما كانت خلافة عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، وانتقال دار الخلافة آنذاك من المدينة إلى العراق، انتقل عوناً بن جعفر مع أمه أسماء وبقية أخوته برفقه عمه إلى العراق، وهناك ثارت الثورات في كل مكان، فكان وبقية أخوانه إلى جوار عمهم في كل وقت ومكان كما سبق وأن ذكرنا عند الحديث عن أخيه محمد بن جعفر عليهم جميعاً روضان الله وسلامه.
زواجه من السيدة أم كلثوم بنت علي، ومن غيرها من النساء.
كان له عليه رضوان الله وسلامه، من الحظ الوافر والكثير، ذاك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما ترملت ابنته السيدة أم كلثوم عليها رضوان الله وسلامه، بعد وفاة زوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب، دخل على ابنته فاستشارها بزواجها، فجعلت أمرها بيده، فأخذ بيد عوناً بن جعفر وزوجه إياها، فكان لعون منها حظاً وافراً. كيف لا وهي حفيدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبضعة الزهراء وشقيقة الحسنين وزينب النرجسة عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.
قال الطبري في "ذخائر العقبى" (1/170): (عن الزهري قال: أم كلثوم بنت علي من فاطمة تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب. وقال أبو عمر: زيد بن عمر الأكبر ورقية بنت عمر، قال الزهري: ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب فلم تلد له شيئاً حتى مات فخلف عليها بعده محمد بن جعفر فولدت له جارية ثم مات، فخلف عليها بعده عبدالله بن جعفر فلم تلد له شيئاً وماتت عنده) انتهى كلام الطبري رحمه الله.
قلت: وهذا يخالف ما قاله العسقلاني في "الإصابة" (3/58): (وذكر أبو عمر عن الواقدي أنه كان يكنى أبا القاسم وأنه تزوج أم كلثوم بنت علي بعد عمر). وقال ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (1/425): (ومحمد بن جعفر بن أبي طالب هذا هو الذي تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر بن الخطاب). وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" (2/481): (وهو الذي تزوج أم كلثوم بنت علي، بعد عمر بن الخطاب). وقال البري في "الجوهرة" (1/205) عند حديثه عن محمد بن جعفر بن أبي طالب: (وهو الذي تزوج أم كلثوم بنت علي بعد عمر رضي الله عنه). وكذا قاله غيرهم من ثقات أهل التاريخ، وقد اكتفينا بذكر من ذكرنا للإستدلال بأن السيدة أم كلثوم بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه، إنما كان زواجها الأول بسيدنا عمر بن الخطاب ثم بسيدنا محمد بن جعفر، ثم بسيدنا عون بن جعفر عليهم رضوان الله وسلامه، وكان ذلك في حياة أبيها سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه، ومن ثم كان زواجها بسيدنا عبدالله الجواد بعد إنتقال العقيلة عليها رضوان الله وسلامه كما سبق وأن أسلفنا. وهو الأصح لدينا وما نقول به.
وأما قول الطبري في "الذخائر" (1/171): (قال ابن إسحاق: فما نشب عون أن هلك فرجع إليها علي فقال: يا بنية اجعلي أمرك بيدي ففعلت، فزوجها محمد بن جعفر وبعث إليها بأربعة آلاف ثم أدخلها عليه فمات محمد عنها. فزوجها عبدالله بن جعفر فماتت عنده ولم يصب منها ولد. هكذا رواه ابن إسحاق. وقال الزهري: ماتت عنده كما قدمناه، وكذلك ذكره الدارقطني في كتاب الأخوة والأخوات غير أنه ذكر أن محمداً تزوجها أولاً ثم عوناً ثم عبدالله. وحكى الدولابي وغيره القولين في موتها عنده أو موته عندها) انتهى كلام الطبري رحمه الله.
قلت: لا أظن الطبري قد أصاب فيما قال، في تقديم عون بن جعفر على أخيه محمد من جهة، وفي قوله (فزوجها عبدالله بن جعفر فماتت عنده). فالصحيح على ما رواه الثقات أن السيدة أم كلثوم قد تزوجت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم بمحمد بن جعفر ثم بعون بن جعفر ثم بعبدالله بن جعفر عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى وهي لدى عبدالله، وكان رحيلها مع ابنها زيد بن عمر في يوم واحد. وكذلك كان زواجها بعبدالله الجواد بعد إنتقال العقيلة عليها رضوان الله وسلامه كما أثبتنا من قبل. وكان ذلك بعد إستشهاد سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه، وبه يسقط القول بأنه من زوجها بعبدالله بن جعفر. كيف وشقيقتها العقيلة على عصمته ولم تفارقه قط إلى أن انتقلت إلى الرفيق الأعلى عليها رضوان الله وسلامه كما سبق اثباته بالأدلة الدامغة.
وما يؤكد ما ذهبنا إليه، ما أكمله من حديث في ذلك فقال في ذات الكتاب والصفحة (1/171): (قال أبو عمر: "ماتت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد وكان زيد قد أصيب في حرب بين بني عدي ليلاً فخرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياماً ثم مات هو وأمه في وقت واحد وصلى عليهما ابن عمر، قدمه الحسن بن علي فكانت فيهما سنتان فيما ذكروا، لم يورث أحدهما من الآخر. وقدم زيد على أمه مما يلي الإمام". حكاه أبو عمر وقيل صلى عليهما سعيد بن العاص، وخلفه الحسن والحسين وأبو هريرة. رواه الدولابى عن عمار بن أبى عمار" انتهى كلام الطبري رحمه الله.
قلت: وبه يتأكد ما وقع به الطبري من خطأ ناقلاً عن غيره، وذلك في إثبات انتقال السيدة أم كلثوم للرفيق الأعلى في حياة الحسنين الشريفين عليهما رضوان الله وسلامه أجمعين. فإن الثابت الذي نقله ثقات أهل التاريخ، بأنها كانت آخر من انتقل إلى الرفيق الأعلى من بيت أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه. وأنها كانت ممن حضر كربلاء وكانت من بين الأسرى الذين قادهم يزيد بن معاوية لعنة الله عليه، ومن ثم عودتها إلى المدينة المنورة وبقائها هناك بإيعاز من شقيقتها العقيلة عليها رضوان الله وسلامه يوم أن انتقلت العقيلة إلى مصر. ولذا كانت وصيتها لبعلها عبدالله بن جعفر بالزواج من أختها بعد رحيلها حفظاً لها من أطماع بني أمية ومن والاهم، ولعلمها بما يمكن أن يقدمه زوجها عبدالله بن جعفر من رعاية لها، وأنها الأحق به، وأنه الأحق بها من بعدها. عليهم رضوان الله وسلامه.
وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: "استشهد عون بن جعفر وأخوه محمد بن جعفر بتستر ولا عقب له".
قلت: قد سبق وأن فحصنا ذلك، وبينا بالأدلة أن وفاة محمد بن جعفر كانت في الفترة ما بين موقعة النهروان وما قبل استشهاد سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه. ولهذا كان تزويجه ابنته السيدة أم كلثوم لعون بن جعفر بعد أخيه محمد بن جعفر عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين. وأما عون بن جعفر فالثابت أنه انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد ذلك وقبل موقعة كربلاء سنة واحد وستين للهجرة، لأنه لم يثبت اشتراكه بها ولم يكن له ذكر في أحداثها أو الأحداث التي سبقتها. وبذلك تسقط فرضية استشهاد عون بن جعفر في النهراوان وموقعة الجمل وتستر وكربلاء وموقعة الحرة وصفين بالأدلة القاطعة التي سبق أن بينهاها عند الحديث عن أخيه محمد بن جعفر الذي سبق إنتقاله إنتقال عون بن جعفر عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.
وقال الطبري في "الرياض النضرة" (1/289): (وتزوج بنات علي، بن عقيل وبنو العباس، ما خلا زينب بنت فاطمة كانت تحت عبدالله بن جعفر؛ وأم كلثوم بنت فاطمة كانت تحت عمر بن الخطاب؛ فمات عنها، فتزوجها بعده محمد بن جعفر بن أبي طالب، فمات عنها فتزوجها بعده عون بن جعفر بن أبي طالب، فماتت عنده؛ وأم حسن تزوجها جعفر بن هبيرة المخزومي؛ وفاطمة تزوجها سعد بن الأسود من بني الحارث. والله أعلم) انتهى كلام الطبري رحمه الله.
قلت: به أصاب الطبري في تسلسل زواج السيدة أم كلثوم، وأخطأ في انتقالها للرفيق الأعلى عليها رضوان الله وسلامه عند عون بن جعفر. فالصحيح الثابت أن ذلك كان وهي زوجاً لعبدالله الجواد، وصلى عليها سعيد بن العاص.
ذريته من السيدة أم كلثوم بنت علي ومن غيرها من النساء.
لقد وقفت على العديد من المصادر التي ذكرت لعون بن جعفر بن أبي طالب ذرية، ورغبت في إفراد ما ذكر له ليس من باب الإطالة بل للوقوف عليه والوصول إلى أقرب الحقيقة في ذلك. فقد قال ابن حجر في "لسان الميزان" (2/68) وعرف لعون بن جعفر عقب فقال: (عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر الهاشمي المدائني: ليس بثقة. قال أحمد وغيره أحاديثه موضوعة جرير عن رقبة، أن عبدالله بن مسور المدايني وضع أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتملها الناس. وروى معاوية بن صالح عن يحيى قال: أبو جعفر المدايني، هو عبدالله بن محمد بن مسور بن محمد بن جعفر، كذا نسبه. وقال أحمد: روى عنه عمرو بن مرة وخالد بن أبي كريمة وعبدالملك بن أبي بشر، تركت أنا حديثه). وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/24): (عبدالله بن المسور بن عون جعفر بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر المدائني. روى عنه خالد بن أبى كريمة. كان ممن يروي الموضوعات عن الاثبات، ويرسل من الأخبار ما ليس لها أصول على قلة روايته. لا يحتج بخبره وإن وافق الثقات. كان يحيى بن معين يكذبه). وقال البخاري في "الضعفاء الصغير" (1/70): (عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر الهاشمي، قال: جرير عن رقبة، كان أبو جعفر يضع الحديث). وقال الذهبي في "الميزان" (2/504): (عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، أبو جعفر الهاشمي المدائني. ليس بثقة. قال أحمد وغيره: أحاديثه موضوعة. جرير عن رقبة، أن عبدالله بن مسور المدائني وضع أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتملها الناس. وروى معاوية بن صالح، عن يحيى، قال أبو جعفر المدائني: هو عبدالله بن محمد بن مسور بن محمد بن جعفر، كذا نسبه. وقال أحمد: روى عنه عمرو بن مرة، وخالد بن أبى كريمة، وعبدالملك بن أبى بشير، تركت أنا حديثه. وكان ابن مهدى لا يحدثنا عنه. وقال النسائي والدارقطني: متروك). وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/305): (عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر الهاشمي المدائني، روى عنه خالد بن أبي كريمة). وقال الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين" (1/46): (وعبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن عبيدالله بن عمار، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، عن عوانه، قال: كان عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، من أشد الناس عقوبة، وكان معه عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب فبلغه أنه يقول: أنا ابن عون بن جعفر، فيضربه بالسياط حتى قتله. قال: وذكر أحمد بن الحرث الخراز، عن المدائني، عن رجاله: أن معاوية دعا بامرأة ابن المسور وكلهما بشيء فراجعته، فأمر بقتلها فقتلت). وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (2/431): (عبدالله بن المسور، بن عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر. نزيل المدائن. عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وعن محمد بن الحنفية. وعنه عمرو بن مرة وخالد بن أبي كريمة. ولم يكن بثقة ولا مأمون. روى جرير عن رقبة بن مصقلة ان أبا جعفر الهاشمي المدائني كان يضع الحديث. وروى جرير عن مغيرة قال: كان عبدالله بن مسور يفتعل الحديث. وروى عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: كان يكذب. وقال أبو حاتم: حدث بمراسيل لا يوجد لها أصل). وقال السمعاني في "الأنساب" (5/230): (أبو جعفر عبدالله بن المسور بن عون بن أبي جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدائني، سكن المدائن، يروي عن المدائنيين روى عنه خالد بن أبي كريمة، كان ممن يروي الموضوعات عن الاثبات، ويرسل من الأخبار ما ليس لها أصول على قلة روايته لا يحتج بخبره وإن وافق الإثبات. كان يحيى بن معين يكذبه). وقال البري في "الجوهرة" (1/205): (قال مسلم: أبو جعفر عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب روى عنه عمرو بن مروة. وقال الموصلي الحافظ: عبدالله بن المسور بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر متروك ذاهب الحديث، جريء على ما لا يحل له من المحظور. وقال عنه وهبة بن مصقلة العبدي إنه كان يضع أحاديث كلام ليست من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم). وقال ابن حزم في "الجمهرة" (1/28): (وكان من ولده عبدالله بن المسور بن عون بن عبدالله بن جعفر، قتله عبدالله بن معاوية ابن عبدالله بن جعفر بالسياط هو وامرأته، وكان مذكوراً بالكذب في الحديث. وأم محمد بنت عبدالله بن جعفر، تزوجها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان). انتهى النقل عن بعض مما وقفنا عليه.
قلت: ومع التقدير لجميع من أفردنا لهم، والإجلال لعلمهم العظيم الذي نفعوا به الأمة. بل وقد يكون أصاب بعضهم كابن حجر في نقله عن أحمد بن حنبل، وقد يكون أصاب بن حنبل في حديثه عن عبدالله المذكور. إلا أننا نفند كل ذلك بقولنا:
-
استند غالب من ذكر عدم عدالة عبدالله بن المسور بن عون بن جعفر ما قاله (جرير عن رقبة بن مصقلة) ومن هؤلاء البخاري والذهبي وابن حجر العسقلاني، بل وأخذ عنهم بقية من ذكره ومن تبعهم من العلماء ذلك القول، وبات مصدر التضعيف والترك والتكذيبواحد وليس بشهادات متعددة من مصادر مختلفة اتفقت على تضعيف وكذب وترك ما يقوله عبدالله المذكور، بخلاف ابن حجر الذي نقل عن معاوية بن صالح عن يحيى ثم نسبه فقال (عبدالله بن محمد بن مسور بن محمد بن جعفر) أي أنه ليس من ذرية عون بن جعفر بن أبي طالب الذي قال عنه بقية من أفردنا لهم. ولمسور بن محمد هذا عوداً في آخر تعقيبنا بإذن الله.
-
أجمع غالب من نقل عنه أن من روى عن عبدالله بن المسور بن عون كان عمرو بن مرة، وخالد بن أبى كريمة، وعبدالملك بن أبي بشير، وقال ذلك ابن حجر والذهبي ثم أسقط الذهبي في "تاريخ الإسلام" وعبد الملك بن أبي بشير ممن روى عن عبدالله بن المسور. أما البخاري وابن حبان فلم يذكروا أحداً روى عنه. وأما العقيلي والسمعاني فذكر خالد بن أبي كريمة فقط ممن روى عن عبدالله بن المسور. ويتبين في ذلك كم الإختلاف فيما ذكر عن عبدالله بن المسور بين من نقلنا عنهم.
-
أما ابن حزم فلم يصب في كثير مما قاله في الجمهرة بحق أنساب آل جعفر الطيار، ولسنا هنا لتمحيص ما قال، سوى ما قاله بطلاق عقيلة بني هاشم من عبدالله بن جعفر ثم زواجه من أختها أم كلثوم عليهم رضوان اله وسلامه أجمعين. وقد أثبتنا بطلان ذلك من قبل عند حديثنا في مختصر سيرة سيدتنا عقيلة بني هاشم وسيدنا عبدالهب الجواد عليهم رضوان اله وسلامه، أو بقوله بزواج أم محمد بنت عبدالله بن جعفر من يزيد بن معاوية، والثابت بكل ما نقله الثقات أن عبدالله بن جعفر لم يكن له زوجاً قط طوال حياة العقيلة عليهم رضوان الله وسلامه، ولم يكن له منها من الإناث سوى السيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر وهي التي أثبتنا بما أثبته أهل التاريخ زواجها من القاسم بن محمد بن جعفر بوكالة خالها سيدنا الحسين بن علي عليهم رضوان الله وسلامه. بل والثابت أيضاً أن زواج سيدنا عبدالله بن جعفر من غير العقيلة كان بعد إنتقالها عليها رضوان الله وسلامه الذي كان في سنة اثنان وستين للهجرة. ولا ندري كيف أن عبدالله بن جعفر قد أعقب من غيرها بعد إنتقالها ابنة أسماها أم محمد ليزوجها ليزيد بن معاوية والذي مات سنة أربع وستين؟ مما ينفي ذلك قول ابن حزم بالكلية.
-
أجمع ثقات أهل التاريخ كما سبق وأن بينا، أن السيدة أم كلثوم تزوجت بسيدنا عمر بن الخطاب فسيدنا محمد بن جعفر فسيدنا عون بن جعفر ثم كان الختام بسيدنا عبدالله بن جعفر عليهم رضوان الهد وسلامه أجمعين، ويجد المتأمل أنه لم يذكر أحد من التاريخ قط، أن السيدة أم كلثوم قد أعقبت للأخوة الثلاث أياً من الذكور أو الإناث، بخلاف الفاروق عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه. ولذا فإننا إن قلنا بوجود ابن لعون بن جعفر وهو المسور بن عون كما قال من أفردنا لهم بخلاف ما قاله ابن حجر عن معاوية بن صالح عن يحيى، فإن ذلك يستلزم أن ننظر في نشأت ذلك الفتى، فإن كان ما قالوه صحيحاً ونسبوه لعون بن جعفر، فإنه لم تثبت رواية واحدة، ولم يقل أحد من أهل التاريخ قط، أن سيدنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وهو شقيق عون بن جعفر ومن تزوج بالسيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعدها، قد إنتقلت إليه عليها رضوان الله وسلامه ومعها مسور بن عون، بل إن الثابت أنها انتقلت إلى بيت سيدنا عبدالله الجواد ومعها انتقل ابنها زيد بن عمر بن الخطاب (وفي بعض الروايات: ورقية بنت عمر بن الخطاب) وقد أصيب في حرب بين بني عدي ليلاً فخرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياماً ثم توفى هو وأمه السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ععليهم رضوان الهم وسلامه في وقت واحد. فأين انتقال ذلك الفتى (مسور بن عون بن جعفر)؟ وأين نشأ، وأين تربى؟ في الوقت الذي لم يبقَ من جهة أبيه سوى عمه عبدالله الجواد، ومن طرف أمه (هذا لو كانت أمه هي السيدة أم كلثوم بنت علي) أحد قط؟ فإن قيل أن مسور بن عون هذا قد كان لأم أخرى، سواء كانت قبل أو بعد الزواج من السيدة أم كلثوم بنت علي، قلنا لم تأت رواية واحدة في التاريخ أن عون بن جعفر قد كان له زوجاً أخرى بخلاف السيدة أم كلثوم بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه. بل والثابت أنه تزوجها بعد وفاة أخيه محمد، والذي أثبتنا أنها كانت في الفترة ما بين موقعة النهروان وقبل إنتقال واستشهاد أبيها سيدنا علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه. فمن أين أتى هذا الغلام (مسور بن عون) ومن كانت أمه؟ هذا إن كان عوناً بالحق قد أعقب ابناً اسماه مسور.
-
أما إن قيل بقول ابن حجر، وأنه مسور بن محمد بن جعفر، فقد أثبتنا من قبل أنه لم يكن لمحمد هذا سوى القاسم بن محمد بن جعفر والذي زوجه سيدنا الحسين بن علي عليهم رضوان الله وسلامه من السيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر. كذلك ينطبق ذات التحليل والقول الذي قلنا آنفاً على أمر انتقاله، وأنه لم يثبت قط أن السيدة أم كلثوم بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه قد انتقلت لبيت عون بن جعفر ولا لبيت عبدالله بن جعفر ومعها مسور هذا.
بقي في الختام أن نذكر أن تشابه الأسماء بين السيدة أم كلثوم بنت علي والسيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر، كذلك التشابه في الأسماء بين ما ذكره البعض حول وجود مسور بن عون بن جعفر، أو حتى مسور بن محمد بن جعفر، وبين عون بن عبدالله بن جعفر وهو الثابت في عقب عبدالله الجواد، والذي كان من عقبه المسور ثم أعقب المسور غلاماً أسماه عبدالله، وهو الذي وثقه ابن حبان في "ثقاته". وكذلك لو أخذنا بقول ابن فندق في "لباب الأنساب" عند ذكر أعقاب عون بن جعفر والذي قال: (مسور وطلحة ابنا عون بن جعفر، درجا)، فسيؤدي هذا أيضاَ إلى اسقاط فرضية أن لعون بن جعفر بن أبي طالب حفيد باسم عبدالله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، لانقضاء عقب (مسور وطلحة)، ويبقى الثابت لدينا عبدالله بن مسور بن عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فقط.
مما تقدم، فإن ما يثبت لدينا أنه:
-
لم يكن لمحمد بن جعفر بن أبي طالب من الأعقاب سوى القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب زوج السيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.
-
لم يكن لعون بن جعفر بن أبي طالب أي أعقاب لا من السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ولا من غيرها، فالثابت أنه لم يتزوج غيرها قط، عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.
-
لم يكن للسيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من الأزواج سوى سيدنا عمر بن الخطاب فمحمد بن جعفر بن أبي طالب فعون بن جعفر بن أبي طالب فعبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، ولم تعقب سوى لعمر، وهو زيد بن عمر بن الخطاب.
-
أن عبدالله بن مسور، إنما هو عبدالله بن مسور بن عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الموثق عقبه عند أهل التاريخ والأنساب، وروايته عند ابن حبان وغيره.
وفي هذا قدر الكفاية من التفصيل والبيان والإثبات، وبيان انقضاء أعقاب ابني سيدنا جعفر الطيار، محمد بن جعفر بن أبي طالب، وعون بن جعفر بن أبي طالب، وأن أعقاب ذي الجناحين سيدنا جعفر بن أبي طالب قد كانت في ابنه عبدالله الجواد بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه. والله أعلم.
وفاته عليه رضوان الله وسلامه.
خلت مراجع التاريخ الصحيحة من ذكر سنة ومكان وفاته عليه رضوان الله وسلامه، إلا أن البعض منها قد أشار إلى أن وفاته كانت ما بين استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه وموقعة كربلاء، فهو لم يكن ضمن المشاركين في كربلاء، وكانت السيدة الوقور أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، ممن كن ضمن من ساقهن عبيدالله بن زياد قاتله الله إلى يزيد بن معاوية، ولم أقف على موضع ضريحه، وتحديد عمره يوم وفاته، إلا أن الثابت إنتقاله في الفترة ما بعد سنة أربعين للهجرة، وهي سنة استشهاد سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، وموقعة كربلاء سنة واحد وستين للهجرة.
فسلام عليه يوم ولادته ويوم انتقاله ويوم يبعث بين يدي الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين.