عبدالله الجواد بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه

بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار

مقدمة.
الحمد لله الذي قضى بحكمه ما شاء. الحمد لله الذي قدر الأقدار بين عباده كما يشاء. الحمد لله الذي خلق الخلق فاصطفى منهم من يشاء،  لحكمة لا يعرفها غيره سبحانه وتعالى شاء بأمره ما شاء. الحمد لله القائل في محكم التنزيل، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10-12. وأشرف الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين، وتاج كائنات الله أجمعين، المبعثون رحمة مهداة من رب العالمين للعالمين، الذي أخرج الله تعالى به عباده من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط الله المستقيم، سيدنا وإمامنا ومولانا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله قائد الغر المحجلين وعلى أهل بيته الأطهار وآله الأخيار وقرابته وأصحابه النجباء وعموم الأنبياء والمرسلين أجمعين وبعد:

فلقد شاء الله عز وجل أن يصطفى من عباده ما شاء لهم، لحكمة وعلم هي له سبحانه وتعالى، هؤلاء الذين مهما كتب الكاتبون، وأرخ المؤرخون، وسطر المسطرون، وخلد التاريخ بحقهم ما خلد، فإنهم لن يوفوهم حقهم وقدرهم أبداً، ولن يستطيعوا أن يحصوا شمائلهم وخصائصهم. ذاك أن إصطفاء الله تعالى لهم فاق ويفوق قدرات من أراد أن يكتب عنهم. ولذلك كله ترى الأقلام تعجز، والمداد يجف، والعمر ينقضي دون أن تجد البشرية حصراً شاملاً وتأريخاً كاملاً لهؤلاء العظماء، والذي أراد الله تعالى أن يكون منهم، سيد من السادات الذين اصطفاهم، الذين قال بهم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.

هو قطب الجود، وبحر السخاء، الذي أعجز كرمه أهل التأليف والتأريخ، سيدنا عبدالله الجواد بن جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، زوج حفيدة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ابن عم ساداتنا السبطين الجليلين الحسن والحسين ابني سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. زوج ابنة الزهراء البضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه، السيدة العالمة النرجسة عقيلة بني هاشم زينب الكبرى. عليهم رضوان الله تعالى وسلامه أجمعين.

هو من تربى في بيت النبوة وتحت كنف سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد استشهاد أبيه عليه رضوان الله وسلامه. هو من تربى في بيت عمه الأجل سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فنشأ بين السبطين العظيمين الحسن والحسين سبطي سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد استشهاد أبيه عليه رضوان الله وسلامه. هو من خصه وأخويه الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء والكفالة. هو من لم يفارق عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لحظة ولا يوماً قط في سرائه وضرائه، سلمه وحروبه. عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين

لقد توقفت كثيراً وأنا أكتب سطوري المتواضعة هذه، وسألت نفسي ملياً، كيف أكتب عن عظيم بهذه العظمة وأنا لا أملك القدرة على ذلك شيئاً؟ كيف أكتب عن شخصية جليلة كهذه وأنا لا أملك من العلم إلا ما لعمني ربي وما علمي إلا ذرة قطرة من علوم علمها ربي لأهل العلم؟ ولذلك كله، أعترف أمام القارئ والقارئة بأنني مهما كتبت، فلن أوفي سيدي وجدي وأبي وقرة عيني ومولاي عبدالله الجواد بن جعفر الطيار عليه رضوان الله تعالى وسلامه ولا بقدار قطرة من محيطات ما خصه الله تعالى به. مستغفراً الله تعالى عما بدر ويبدر مني من تقصير ومستسمحاً رسوله الهادي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وساداتي، الأجل عبدالله الجواد والأجل جعفر الطيار عليه رضوان الله تعالى عن ذلك، واضعاً ذلك كله بين يدي الله جل وعلا ومحتسباً الأجر منه جل جلاله. فإن وفقت في عملي فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله العلي العظيم من ذنبي وأتوب إليه. والله أسأله التوفيق والنجاح.

اسمه ونسبه عليه رضوان الله وسلامه.
هو قطب السخاء وبحر الجود الجود أبو جعفر عبدالله بن ذي الجناحين جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي عليهم رضوان الله وسلامه، وقد أفردنا نسبه كاملاً عند الحديث عن أبيه سيدنا ذو الجناحين جعفر الطيار عليه رضوان الله وسلامه ويمكن لمن شاء العودة له. وقال ابن حجر في الإصابة عند ذكره: "عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم الهاشمي أبو محمد وأبو جعفر وهي أشهر، وحكى المرزباني أنه كان يكنى أبا هاشم".

وأما أمه فهي الصحابية الجليلة الوقور سيدتنا أسماء بنت عميس الخثعمية والتي سبق الإفراد عنها في ذكرها ومكانتها عليها رضوان الله في بحث آخر يمكن لمن شاء من العودة له.

وأما جده لأبيه، فهو السيد الجليل المبجل سيد سادات مكة وقريش والعرب، وعلم أعلام الدفاع عن الرسالة الإسلامية المحمدية أبو طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.

وأما جدته لأبيه فهي السيدة الهاشمية الوقور فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، أول هاشمية تزوجت بهاشمي وأنجبت له ولحقت بكوكبة الإسلام حادية عشرة المسلمين، وكانت بدرية. قال عنها الزبير بن العوام رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو النساء إلى البيعة حين أنزلت هذه الآية: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلمت وحسن إسلامها ووصت إلى الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقبل وصيتها وصلى عليها ونزل بلحدها وأثنى عليها ثناءً عظيماً ثم قال: (إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها. إني إنما ألبستها قميصي لتكسي من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها).

وأما جده الأعلى لأبيه فهو أمين الكعبة وصاحب السقاية والرفادة والسيادة، حامي البيت الحرام، عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، سيد سادات قريش والعرب.

وأما شقيقاه فهما محمد وعون. وأخوته من أمه محمد بن سيدنا أبي بكر الصديـق  ويحيى وعوناً ابنا سيدنا علي بن أبي طالب، وقيل بل يحيى بن علي، على أكثر الروايات، عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه.

وأما زوجه، فمن حظي بمثل ما حظي به سيدنا عبدالله الجواد؟. فهي عقيلة بني هاشم، وزهرة آل البيت سيدتنا زينب النرجسة بنت سيدنا علي الكرار بن أبي طالب، وبنت السيدة الزهراء، وشقيقة الحسنين العظيمين، وأختهما أم كلثوم عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه وبركاته وتسليماته، حفيدة سيد الأولين والآخرين، سيدنا ومولانا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. والتي أعقبت له عليها رضوان الله وسلامه من الأبناء (علي وعباس وعون ومحمد وأم كلثوم)، ولم يكن قد تزوج بأخرى أثناء حياتها قط، ذاك أنها هدية الله تعالى له التي جعلها له عمه الذي تربى في حجره، ونهل من علمه إلى جوار الحسنين الشريفين، ومن كان دائماً بمنزلة أبيه، سيدنا أمير المؤمنين أبو السبطين علي الكرار بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه. وكانت تعلو مكانتها مكانة جميع النساء.

ثم تزوج عليه رضوان الله وسلامه بشقيقتها سيدتنا أم كلثوم عليها رضوان الله وسلامه بعد أن مات عنها أخيه محمد بن جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، وكانت قبله عند أخيه عون بن جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، ومن قبله عند أمير المؤمنين سيدنا عمر الفاروق عليهم أجمعين رضوان الله وسلامه، ولم تعقب له. وسيلي ذكر زوجاته وأبنائه عليه رضوان الله وسلامه.

ولادته وشبابه عليه رضوان الله وسلامه.
كان أول مولود ولد للمسلمين بأرض الحبشة وكانت ولادته سنة واحد للهجرة. قال ابن حجر العسقلاني في " الإصابة في معرفة الصحابة " (2/111): " وقال مصعب: ولد للنجاشي ولد فسماه عبدالله فأرضعته أسماء حتى فطمته. ولما توجه جعفر في السفينة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمل امرأته أسماء وأولاده منها: عبدالله ومحمداً وعوناً حتى قدموا المدينة".

وقال عنه المقريزي في "إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع" (6/294): (أبو جعفر، ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة ، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه إلى المدينة، فكان جواداً كأبيه، وكان يسمى البحر، ولم يكن في الإسلام أسخى منه، ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفظ عنه أخباراً كثيرة جداً، توفى بالمدينة سنة ثمانين عن تسعين سنة، وقيل: مات سنة أربع أو خمس وثمانين (قال في هامشه: قال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين، وقال المدائني: توفى سنة أربع أو خمس وثمانين، وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين (سير الأعلام)، وصلى عليه أبان بن عثمان أمير المدينة، وكان مع عظم جوده ظريفاً حليماً عفيفاً. خرّج أحاديثه الجماعة (ثم قال في هامشه: له ترجمة في: "طبقات خليفة" ترجمة رقم (833)، (1484)، "التاريخ الكبير" (5/7)، "التاريخ الصغير" (1/197)، "الجرح والتعديل" (1/197)، "المستدرك" (3/566)، "جمهرة أنساب العرب" (68)، "الاستيعاب" (3/880، 882) ترجمة رقم (1488)، "تهذيب الأسماء واللغات" (1/263)، "البداية والنهاية" (2/333) (3/32) (5/314)، "الإصابة" (40، 43) ترجمة رقم (4594)، "تهذيب التهذيب" (5/149) ترجمة رقم (294)، "المطالب العالية" (4/105) باب منقبة عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، حديث رقم (4077)، (4078)، (4079)، "خلاصة تذهيب الكمال" (2/46 ) ترجمة رقم (3425)، "شذرات الذهب" (1/87)، "سير أعلام النبلاء" (3/456، 462) ترجمة رقم (93) (6/293)) انتهى كلام المقريزي رحمه الله.

وقال الطبري رحمه الله في "ذخائر العقبى" (1/219): (يكنى أبا جعفر. هو أول مولود ولد في الاسلام في أرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينة وحفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه). انتهى كلام الطبري رحمه الله.

وقال الصالحي الشامي في "سبل الهدى" عند حديثه عن بعض مناقب سيدنا جعفر الطيار عليه رضوان الله وسلامه (11/106): (أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس، وولدت هناك بنيه عبدالله، وهذا أول مولود ولد في الاسلام بالحبشة، والعقب له دون أخويه، ومحمداً، وعوناً، فلم يزل هنالك حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بخيبر، فحصلت له الهجرتان رضي الله تعالى عنه، وتقدم ذكر هجرته إلى الحبشة، وما وقع له مع النجاشي وأخوتهم لأمهم: محمد بن أبي بكر، ويحيى بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. فأما محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "يشبه عمنا أبو طالب"، وزوجه علي بابنته أم كلثوم بعد عمر، وكانت كنيته أبو القاسم استشهد بتستر رضي الله تعالى عنه. وأما عون فاستشهد بتستر لا عقب له أيضاً. روى ابن الجوزي عن عمرو بن العاص) انتهى كلام الصالحي رحمه الله.

وفي السنة الثامنة للهجرة استشهد والده سيدنا جعفر الطيار بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه في معركة مؤتة، وكان عمره آنذاك ثماني سنوات، فكفله وأخوته سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولاهم رعايته الخاصة لمكانة أبيهم عنده صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك كان سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه. أما هو عليه رضوان الله وسلامه، فكان الإبن البار لحبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولعمه الهزبر أمير المؤمنين علي وأكثر الناس موالاة للسبطين عليهم رضوان الله وسلامه.

ويروي عليه رضوان الله وسلامه، أنه صلى الله عليه وآله وسلم أتاهم بعد استشهاد والده فقال: "ائتوني ببني أخي". ثم وضعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فخذه ودعا لهم، وقال: "أنا وليهم في الدنيا والآخرة"، وقال: "أما محمد فيشبه عمي أبي طالب، وأما عبدالله فشبه خَلقي وخُلقي". ثم أخذ بيدي وقال: "اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته". فجاءت أمنا فذكرت يتمنا فقال: "العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟".

وروى ابن فندق البيهقي في "لباب الأنساب والألقاب والأعقاب" (1/24): (روى عبدالله بن جعفر رضي الله عنه: (إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله دخل علينا بعد قتل أبي، وهو يمسح رأسي ورأس أخي وعيناه تذرفان بالدموع على لحيته، ثم قال: "اللهم إن جعفراً قد قدم على أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته". فقال عبدالله: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله يدي حتى رقى بي إلى المنبر، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف فيه، وقال: "إن المرء كبير بأخيه وابن عمه؛ ألا إن جعفراً قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة". ثم نزل من المنبر فدخل بيته، وأدخلني معه، وأمر بطعام فصنع لأهلي وبعثه إلى أخي، وأجلسني وأخي في داره، وأمر خادمته سلمى حتى طحنت الشعير، ثم نسفته وخلطته بزيت، وجعلت عليه فلفلاً، فتغذيت أنا وأخي معه، وما أكلت في مدة عمري طعاماً أطيب من ذلك. فأقمنا في بيته ثلاثة أيام ندور معه. فرآني بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أشتري شاة، فقال: "اللهم بارك له في صفقته"، فقال عبدالله: فما بعت شاة ولا اشتريت إلا بورك لي فيه). وروى عثمان بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله مر بعبدالله بن جعفر وهو يصنع شيئاً من الطين كما يلعب الصبيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما تصنع بهذا يا عبدالله؟" فقال: أبيعه يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تصنع بثمنه؟" فقال عبدالله: أشتري به رطباً وآكله، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: "اللهم بارك له في صفقة يمينه"، فكان ما اشترى شيئاً إلا ربح فيه). انتهى كلام ابن فندق رحمه الله.

وروى إسماعيل بن عباس عليهما رضوان الله وسلامه قال: (إن عبدالله بن جعفر وعبدالله بن الزبير بايعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام تبسم وبسط يده وبايعهما). وقال عليه رضوان الله وسلامه: (لقد رأيتني وقثم وعبيدالله ابني عباس، ونحن صبيان إذ مر بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ارفعوا هذا إلي" فحملني أمامه، وقال لقثم: "ارفعوا هذا إلي" فحمله وراءه، وكان عبيدالله أحب إلى عباس، فما استحيا من عمه أن حمل قثم وتركه، ومسح على رأسي ثلاثاً كلما مسح قال: "اللهم اخلف جعفراً في ولده". وكان له من العمر عند انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى عشر سنين.

قال عنه ابن حبان في الثقات (3/207): " (كنيته أبو جعفر، كان يصفر لحيته، وهو الذي يقال له قطب السخاء. مات سنة ثمانين سنة سيل الجحاف الذي ذهب بالحاج من مكة. وكانت أسماء بنت عميس بن كعب بن ربيعة الخثعمي ولدته بأرض الحبشة، وكان يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بن عشر سنين، وإنما سميت في تلك السنة سيل الجحاف لأن في تلك السنة أغار الجحاف على بني ثعلب فقيل سيل الجحاف) انتهى كلام ابن حبان رحمه الله. وقال عنه الحافظ ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/488): (يكنى أبا جعفر، وأمه أسماء بنت عميس، مات سنة ثمانين بالمدينة، وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء). انتهى كلام ابن أبي عاصم رحمه الله. وقال عنه ابن حجر في "الإصابة" (2/111): (أبو محمد وأبو جعفر وهي أشهر، وحكى المرزباني أنه كان يكنى أبا هاشم. أمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث لأمها. ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها. وهو أول من ولد بها من المسلمين. وحفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وروى عنه وعن أبويه وعمه علي وأبو بكر وعثمان وعمار بن ياسر. روى عنه بنوه: إسماعيل وإسحاق ومعاوية وأبو جعفر الباقر والقاسم بن محمد وعروة والشعبي وآخرون) انتهى كلام ابن حجر رحمه الله.

وكذا تحدثت عنه مئات الثقات من كتب التاريخ، فاكتفينا بما أوردنا إلا أنه كان عليه رضوان الله تعالى وسلامه يستحق الأضعاف، ولا تفي حقه ما أوردناه ولكنا خشينا الإطالة على القارئ والقارئة.

خصاله وفضائله عليه رضوان الله وسلامه.
كان عليه رضوان الله وسلامه سريع الجواب، حاضر البديهة فصيحاً وافر الحشمة كثير العبادة يديم قراءة القرآن، سيداً عالماً عفيفاً حليماً جواداً كريماً حتى قيل عنه، قطب السخاء وبحر الجود، لا يصله شيء من صلات إلا وزعها حتى لا يبقى منها شيء لنفسه، وكان يعفو عن الديون ويساعد في النوائب والملمات. قال عنه معاوية بن أبي سفيان يوم أن عوتب على كثرة عطائه له: "هذا هدية ملك الدنيا إلى من هو أولى منه بالإمامة"، وقال غير واحد عنه: "إن أجواد العرب في الإسلام عشرة، وإنه لم يكن منهم أسخى منه".

وكان عليه رضوان الله وسلامه آخر من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه من بني هاشم. وكان ممن مارس التجارة منذ صغره، فمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وصبه وسلم يوماً وهو يلعب فقال: "اللهم بارك له في تجارته".

زوجاته وأبناؤه عليه رضوان الله وسلامه.
تزوج عليه رضوان الله وسلامه بالعديد من الزوجات، إلا أنه لم يكن له زوجة ثانية قط تشارك زوجه سيدتنا عقيلة بني هاشم زينب النرجسة بنت سيدنا علي عليهما رضوان الله وسلامه وإن ذكر البعض خلاف ذلك، وقد أظهرنا بطلان تلك الأقوال. وكان عقبه من العقيلة في ابنها علي المسمى بعلي الزينبي نسبة لها، وذلك حتى يومنا هذا، باستثناء القليل من آل الطيار كانوا من غيرها نوضح ذلك في حينه. وأما نسائه:

أول الزوجات وأعظمهن، وأحبهن لقلبه عليه رضوان الله وسلامه، السيدة العقيلة زهرة آل البيت سيدتنا ومولاتنا زينب بنت علي بن أبي طالب عليها رضوان الله وسلامه وبركاته. تزوجها بكراً وبارك له ذلك والدها أمير المؤمنين عليهم أجمعين رضوان الله وسلامه. وبقيت طيلة حياتها مع زوجها دون أن يكون له غيرها من النساء نصيب فيه. ولما قاربت الرحيل أرسلت إليه بأن يتزوج بأختها السيدة أم كلثوم عليهم رضوان الله وسلامه، بعد انتقالها إلى الرفيق الأعلى. وقد عقب من العقيلة أربع أبناء وابنة واحدة على أصح الروايات وهم: (علي الزينبي وعباس ومحمد الأكبر وعون الأكبر وأم كلثوم).

لغط وافتراء يمس قطب السخاء عبدالله بن جعفر الطيار وزوجه العقيلة زينب الكبرى بنت علي عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه.

  • بقي أن نذكر في ختام هذه العجالة أمراً أراه من أعظم الأمور التي طعن التاريخ بها خاصرة العلاقة الأسرية لسيدنا عبدالله بن جعفر وزوجه سيدتنا العقيلة زينب بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه.
  • فلقد ذكر ابن حزم في جمهرة أنساب العرب وقال عند حديثه عن السيدة أم كلثوم بنت علي (ثم خلف عليها بعده (يعني محمد بن جعفر) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، بعد طلاقه لأختها زينب)، وكذلك قال غير ذلك صاحب ذخائر العقبى، ونحن نقول بخطأ ذلك وبطلانه جملة وتفصيلاً، ونبين قولنا بالأدلة الدامغة التي تؤكد قولنا:
  • لو تأملنا في متانة العلاقة التي ربطت بين أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب وابن أخيه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الذي تربى في حجره بعد فقد أبيه، لأيقنا شديد اليقين بأنه لمن المستحيل أن يفرط عبدالله بن جعفر بابنة عمه العقيلة زينب بنت علي مهما بلغ الأمر مداه.
  • لو تأمل الصادقون في متانة العلاقة التي ربطت بين سيدنا عبدالله جعفر وساداتنا الحسنين الشريفين عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه لوجد أنها العلاقة التي لا تنفك قط ولا يمكن معها أن يطلق عبدالله بن جعفر شقيقة الحسنين ورفيقة دربهما، بل ومن كانت أم أبيها وإخوانها بعد سيدتنا الزهراء عليهم رضوان الله وسلامه.
  • وثق التاريخ بكل كتبه الثقات أن تزويج السيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر الطيار كان على يد خالها سيدنا الحسين بن علي عليهم رضوان الله وسلامه، ويصور ذلك حجم العلاقة بين عبدالله والحسين عليهم رضوان الله وسلامه التي تخط كل الحدود وجعلت من عبدالله أن يقيم الحسين ولياً على ابنته وفلذة كبده يزوجها من يشاء، فكيف تتناسب تلك العلاقة مع طلاق عبدالله للعقيلة زينب بنت علي وهي الأم لأم كلثوم بنت عبدالله عليهم رضوان الله وسلامه.
  • لو أخذ بكلام ابن حزم، فإن زواج سيدنا عبدالله بن جعفر بسيدتنا أم كلثوم بنت علي كان بعد أن فقدت زوجها الثالث محمد بن جعفر، مما يعني معه أن طلاقه للعقيلة سيدتنا زينب بنت علي كان في أواخر حياة العقيلة زينب عليهم رضوان الله وسلامه وبعد أن بقيت معه وعلى ذمته طوال حياته فكيف يطلقها بعد أن كبرت كي يتزوج بأختها!.
  • ذكر ابن حزم وصاحب ذخائر العقبى، أن زواج سيدنا عبدالله بن جعفر كان بسيدتنا أم كلثوم بعد فقدها زوجها محمد بن جعفر، في الوقت الذي تؤكد المصادر الثقات بأنها قد تزوجت بعون بن جعفر بعد محمد بن جعفر، وأن مَنْ زوجها عوناً كان أبوها أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، وليس العكس الذي يقوله ابن حزم، (عوناً ثم محمداً).
  • ذكر صاحب ذخائر العقبى قال: (قال ابن إسحق: "فما نشب عون أن هلك فرجع إليها علي فقال: "يا بنية، اجعلي أمرك بيدي" ففعلت فزوجها محمد بن جعفر، وبعث إليها بأربعة آلاف ثم أدخلها عليه فمات محمد عنها، فزوجها عبدالله بن جعفر فماتت عنده ولم يصب منها ولد". ثم قال صاحب الذخائر: "هكذا رواه ابن إسحق". وقال الزهري: "ماتت عنده" كما قدمناه،). مما يعني أن زواج عبدالله بن جعفر بالسيدة أم كلثوم بنت علي كان في حياة أبيها، بعد أن فقدت زوجها محمد بن جعفر، فلا أدري كيف وافق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يطلق عبدالله بن جعفر ابنته زينب وهي المسماة عنده (بأم أبيها) كي يزوجه بأختها أم كلثوم!. وهذه لا تكون قط في حر من العوام كي تكون بأمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه.
  • لو قيل أن سيدنا عبدالله بن جعفر قد تزوج بأم كلثوم بعد استشهاد سيدنا الحسين عليهم رضوان الله وسلامه، فهل يمكن لسيدنا عبدالله بن جعفر أن يطلق العقيلة زينب بعد أن فقدت أباها وأمها وأخواها الحسنين ليتخلى عنها في هذه الظروف الحرجة وهي ابنة عمه بالأصل وقد استبعدت من المدينة المنورة إلى غيرها، وفقدت أبوها وأمها وجدها وأخواها الحسنين الشريفين عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين!. وهل يمكن أن يفعل ذلك رجل تحمل عروقه دماء تسري بها المروءة والأصالة!.
  • كانت العقيلة سيدتنا زينب بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه محط أنظار العالم بأسره، وأمنية لكل العالم قاصيه ودانيه ليحظى بشرف الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليكون زوجاً لعقيلة بني هاشم وزهرة آل البيت وابنة الزهراء البضعة الطاهرة عليهم رضوان الله وسلامه، فكيف يفرط هو بها رجل كسيدنا عبدالله بن جعفر! وكيف يفرط بها ابن عمها! وكيف يفرط بها من كان ينظر أي غنيمة يمكن له أن يغنمها تبت لأمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، بصلة لا لشيء سوى أنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخاه في كل موضع.
  • ما وقفت قط على مرجع يعد من ثقات المراجع يذكر ما ذكره ابن حزم، ولم أجد طلاق العقيلة التي يقول بها سواه من ثقات النسابة وأهل الصدق في ذلك.

بذلك وبغيره، نؤكد أن ما ذهب إليه ابن حزم، وغيره لا أساس له من الصحة ويسقط هذا الإدعاء في دهاليز الهرطقة والمعلومات المدلسة في التاريخ الإسلامي وتاريخ عظماء الأمة، وقد بينا حقيقة العلاقة بين ذوي الأخوين ساداتنا جعفر وعلي عليهم رضوان الله وسلامه في جزء آخر من أبحاثنا.

الطاهرة الشريفة بنت البضعة المطهرة سيدتنا فاطمة الزهراء، السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه. تزوجها بعد أخيه عون بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه على أصح الروايات، وذلك بوصية من أختها العقيلة السيدة زينب بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه، قبل انتقالها إلى الرفيق الأعلى وأثناء انتقالها إلى مصر برفقة بعض الهاشميات. ولم تعقب له. وانتقلت إلى الرفيق الأعلى عنده.

ليلى بنت مسعود بن خالد بن ثابت بن ربعي بن سلمى بن جندل النهشلية التميمية وكانت قبله عند عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، قبل استشهاده، فخلف عليها من بعده، وعقبت له صالحاً وأم أبيها وأم محمد. وقال مصعب الزبيري في "نسب قريش" (1/16): (ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم؛ وإخوة عبيدالله (يعني: عبيدالله بن سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، شهيد كربلاء) لأمه: صالح، وأم أبيها، وأم محمد، بنو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب خلف عليها عبدالله بن جعفر بعد علي بن أبي طالب، جمع بين زوجته وابنته. ويحيى بن علي، لا عقب له، ولا لعبيدالله بن علي؛ وأم يحيى: أسماء بنت عميس، وإخوته لأمه: عبدالله، ومحمد، وعون بنو جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر الصديق؛ توفى (ويعني: يحيى بن سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه) في حياة علي، ولم يدع ولداً) انتهى كلام الزبيري رحمه الله. وقال العاصمي في "سمط النجوم العوالي" (2/31): (عبداللّه بن علي قتله المختار، وأبو بكر بن علي (بن أبي طالب) قتل بالطف مع الحسين، أمهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي، وهي التي تزوجها عبدالله بن جعفر خلف عليها بعد عمه على جمع بين زوجة علي وابنته؛ فولدت له صالحاً وأم أبيها وأم محمد بني عبدالله ابن جعفر؛ فهم أخوة أبي بكر وعبداللّه ابني علي لأمهما. ذكره الدارقطني) انتهى كلام العاصمي رحمه الله. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (8/324) عند حديثه عن قثم بن لؤلؤة مولى العباس بن عبدالمطلب: (روى عن أمه وعن علي بن أبي طالب وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب. ذكره البخاري في التاريخ فقال: روى عنه مغيرة بن مقسم الضبي، ويزيد بن عبدالرحمن، والوليد بن جميع، وذكره ابن أبي حاتم كذلك ولم يذكر فيه جرحاً ولا عدالة، وجرى ذكره في سند أثر علقه البخاري في أوائل النكاح فقال: جمع عبدالله بن جعفر بين أبنة علي وامرأة علي. وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من طريق مغيرة بن مقسم عن قثم هذا. قال: جمع عبدالله بن جعفر بين امرأة علي ليلى بنت مسعود النهشلية وبين أم كلثوم بنت علي من فاطمة. وتقدم في ترجمة عبدالرحمن بن مهران مثل هذا الأثر لكن قال: زينب بنت علي. وجمع الزهري بين هذا الاختلاف فقال: أخبرني غير واحد أن عبدالله بن جعفر جمع بين بنت علي وامرأة علي فماتت بنت علي فتزوج بنتاً له أخرى. أخرجه البيهقي من طريقه) انتهى كلام ابن حجر رحمه الله. وقال ابن قتيبة الدينوري في "المعارف" (1/46) عند ذكر أعقاب سيدنا عبدالله بن جعفر عليه رضوان الله وسلامه: (وصالحاً وموسى وهارون ويحيى وأم أبيها أمهم ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي، خلف عليها بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه) انتهى كلام ابن قتيبة رحمه الله. وقال البلاذري في "أنساب الأشراف" (1/271): (حدثني محمد زياد الأعرابي قال: ولد عبدالله بن جعفر: محمداً وبه كان يكنى، وأمه محشية من بني أسد. وعلياً، وعون الأكبر، وجعفر الأصغر، وعباساً، وأم كلثوم؛ أمهم زينب بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومحمداً، وعبيدالله، وأبا بكر، قتل مع الحسين عليهم السلام، وأمهم الخوصاء من ربيعة، وصالحاً، وموسى، وهارون، ويحيى، وأم أبيها، أمهم ليلى بنت مسعود النهشلية، خلف عيها بعد علي عليه السلام، ومعاوية، وإسحاق، وإسماعيل، والقاسم لأمهات شتى، والحسن، وعون الأصغر، قتل يوم الحرة، ويقال: بل قتل الأكبر، وأمهما جمانة بنت المسيب الفزارية). انتهى كلام البلاذري رحمه الله. وقال البري في "الجوهرة" (1/198): (وولد علي بن عبدالله بن عباس محمداً: أمه العالية بنت عبيدالله بن عباس، وأمها عائشة بنت عبدالله بن عبدالمدان الحارثي، وداود وعيسى لأم ولد، وسليمان وصالحا لأم ولد تسمى سُعدى، وإسماعيل وعبدالصمد لأم ولد، وعبدالله، وعبدالله، وعبدالله ثلاثة. وأحد هؤلاء العبادلة، أمه أم أبيها بنت عبدالله بن جعفر وأمها ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي) انتهى كلام البري رحمه الله.

نظرة تأملية في زواج الجواد بالسيدة ليلى بنت مسعود.
وأما ما قاله ابن سعد في "الطبقات" وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، فإني أرى أنهما لم يصيبا فيما قالا، وذلك قولهم في أن سيدنا عبدالله بن جعفر كان قد جمع بين ليلى بنت مسعود، والسيدة العقيلة زينب بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه، فهذا قول ينافي ما وثقته جل الثقات من أن سيدنا عبدالله بن جعفر عليه رضوان الله لم يجمع مع العقيلة زوجة أخرى قط إلى أن انتقلت إلى الرفيق الأعلى. وإنما الجمع قد كان بين ليلى بنت مسعود والسيدة أم كلثوم بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه قد كان لأسباب كثيرة منها:

  • أن السيدة أم كلثوم كانت آخر من بقي من العترة الطاهرة، وكان ابن عمها أحق الناس بها في وقت تسابقت به الأمة أن يغنموا هذا الشرف، وكان كذلك بوصية من العقيلة عليها رضوان الله وسلامه.
  • أن التسابق في حفظ الأعراض من بنات وزوجات بعد الإنتقال للرفيق الأعلى بقدر الإمكان، كانت سمة من سمات الأخوين العظيمين جعفر وعلي وفي أبنائهما عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه، لاسيما في دخول زمن الخلافة الأموية، وما كان بين بني هاشم وبين بني أمية من مواقف وحوادث وثقها التاريخ في سطوره. كذلك إيماناً من الأبناء أن بيوتهم هي الأوْلى بحفظ تلك الأعراض من بيوت الغير الذين كانوا يتسابقون إلى ذلك ليتحقق لهم شرف النسب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ذلك جلي في زواج السيدة أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بالقاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله، وكان في عهد الخلافة الأموية، وكذلك زواج السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعبدالله بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، وكان في عهد الخلافة الأموية أيضاً. فلا عجب في زواج الجواد أيضاً من أرملة عمه، ليلى بنت مسعود والتي كان من أبنائها من استشهد بين يدي سيدنا الحسين عليه رضوان الله وسلامه في كربلاء.
  • أن أمر الزواج برمته لم يكن في ذلك الوقت لأهداف ولا بأهداف الرغبات الجنسية التي يُنظر إليها في عصرنا الحالي، وإنما كانت تبنى على أهداف أسمى وأعظم، فتارة لحفظ الأبناء وتربيتهم أحسن التربية بعد فقدهم الآباء، وتارة لحفظ الأعراض إن تكالبت الأمة للظفر بها، وهذا ما كان على الدوام من هؤلاء العظماء، ونراه واضح وجلي في زواج سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه بالسيدة أسماء بنت عميس أرملة أخيه جعفر عليه رضوان الله وسلامه، وكذلك بزواج سيدنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بالسيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من ابنة عمه، وهو ذات السبب في زواج سيدنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بالسيدة ليلى بنت مسعود، بل بجميع ما شابه ذلك من زيجات.
  • قد يعترض البعض على قولنا ويستدل بزواج سيدنا أبو بكر الصديق عليه رضوان الله وسلامه بالسيدة أسماء بنت عميس عليها رضوان الله بعد ترملها من سيدنا جعفر عليه رضوان الله، ونقول: أن ذلك كان لعدة أسباب، أولها: أن ترملها عليها رضوان الله كان في السنة الثامنة وكانت سيدتنا البضعة الطاهرة آنذاك تعيش مع زوجها سيدنا علي بن أبي طالب عليهما رضوان الله وسلامه، وكان من أعظم الأمور قسوة ورفضاً أن يكون لها ضرة مهما كان مقام الضرة أو قدرها. وأما السبب الثاني: فإن أي زوج للسيدة أسماء كان سيحقق للزوج الجديد مقاماً جديداً ألا وهو أن يصبح سلفاً للحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أي زوج أخت أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث عليها رضوان الله وسلامه زوج الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. ولذا نرى الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد اختار لهذا المقام حبيبه ورفيقه وصاحبه الأقرب، سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فزوجه إياها حفاظاً على زوج ابن عمه جعفر وحفاظاً على أبناء ابن عمه الذين انتقلوا بعد استشهاد أبيهم إلى بيت النبوة ليتولى رعايتهم الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تارة وعمهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه تارة أخرى وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر الصديق ثارة ثالثة. وأما السبب الثالث: فبعد إنتقال الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وإنتقال الزهراء عليها رضوان الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى، كان زواج سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه بالسيدة أسماء بعد إنتقال سيدنا أبو بكر الصديق للرفيق الأعلى، فهي بذلك لن تكون ضرة للسيدة فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه من جهة، ولضم الأم لأبنائها في بيت واحد من جهة ثانية، ذاك أن أبناء سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه كانوا قد تربوا بعد فقدهم أبيهم عليه رضوان الله وسلامه، في بيت الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن بعده في بيت عمهم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، فكان من الأولى أن تضم أمهم إليهم بعد أن ترملت من جديد من الصديق، وللحفاظ على زوج أخيه بعد أن بدأت الأعين تتجه نحوها لتظفر بها علها بذلك أن تنال شرف الإنتساب لبيت النبوة، ليس بها بشكل مباشر بل بأخوة أبنائها، أبناء سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه من جهة ثالثة.

جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة الفزاري. كانت قبله زوجاً لحذيفة بن اليمان رضوان الله عليه، ثم غدت لعبدالله بن جعفر. روت الحديث الشريف عن حذيفة وغيره، وروى عنها ابن أخيها حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجبة الفزاري. وعقبت لعبدالله، حسيناً الأكبر وعوناً الأصغر. قال عنهما الزبيري في نسب قريش: "قتلا بالطف مع الحسين في كربلاء"، وهذا ليس من الحقيقة في شيء، فإن الذي استشهد مع سيدنا الحسين عليه رضوان الله وسلامه هما عون الأكبر ومحمداً ابنا سيدنا عبدالله بن جعفر، وأمهما السيدة العقيلة زينب بنت سيدنا علي عليهم رضوان الله وسلامه، ولم يكن للجواد زوجاً غيرها طوال حياتها، ولم تعقب له سوى محمداً وعوناً وعباساً وعلي الزينبي وأم كثلوم. وأما زواجه منها – وأعني جمانة بنت المسيب – فكان بعد إنتقال العقيلة عليها رضوان الله وسلامه. وأما أبوها فهو المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رباح بن عوف بن هلال بن شمخ بن فزارة، قال عنه ابن حجر في "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه": (أحد الأشراف).

وقال عنه ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (1/196): (فخرجوا فعسكروا بالنخيلة وذلك مستهل ربيع الآخر سنة خمس وستين وولوا أمرهم سليمان بن صرد وسموه أمير التوابين ثم ساروا إلى عبيدالله بن زياد فلقوا مقدمته في أربعة آلاف عليها شرحبيل ابن ذي الكلاع فاقتتلوا فقتل سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة بموضع يقال له عين الوردة. وقيل: إنهم خرجوا إلى الشام في الطلب بدم الحسين رضي الله عنه فسموا التوابين وكانوا أربعة آلاف فقتل سليمان بن صرد رماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فقتله وحمل رأسه ورأس المسيب بن نجبة إلى مروان بن الحكم أدهم بن محيريز الباهلي وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاثة وتسعين سنة) انتهى كلام ابن عبدالبر رحمه لله.

وقال عنه المرزباني في "معجم الشعراء" (1/94): (المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رباح بن عوف بن هلال بن شمخ بن فزارة. من قدماء التابعين وكبارهم وهو من أصحاب علي عليه السلام) انتهى كلام المرزباني رحمه الله. وقال عنه ابن حجر في "الإصابة" (3/146): (المسيب بن نجبة، بفتح النون والجيم بعدها موحدة بن ربيعة بن رباح بن عوف بن هلال بن شمخ بن فرارة الفزاري. له إدراك وقد شهد القادسية وفتوح العراق فيما ذكر بن سعد وله رواية عن حذيفة وعلي. روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعبيد المكتب وأبو إدريس المرهبي. وذكره العسكري فقال: روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً وليست له صحبة. قلت: وروايته عن علي في الترمذي. وقال بن سعد: كان مع علي في مشاهده وقتل يوم عين الوردة مع النواس. وقال بن أبي حاتم عن أبيه: قتل مع سليمان بن صرد في طلب دم الحسين سنة خمس وستين) انتهى كلام ابن حجر رحمه الله.

وقال ابن حبان في "ثقاته" (5/437): (المسيب بن نجبة الفزاري من أهل الكوفة يروى عن حذيفة بن اليمان. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، قتله عبيد الله بن زياد يوم المختار بن أبي عبيد في شهر رمضان سنة سبع وستين) انتهى كلام ابن حبان رحمه الله. وقال صاحب تهذيب التهذيب: وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة المسيب بن نجبة بن وبيعة بن رباح بن عوف ابن هلال بن سمح فزارة شهد القادسية ومشاهد علي وقتل يوم عين الوردة مع التوابين. وقال العسكري: روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً وليست له صحبة. وقال الزركلي في الأعلام : تابعي، كان رأس قومه، شهد القادسية وفتوح العراق. ولقد أشار ابن الأثير في الكامل أن عوناً (ويعني: عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه) هذا هو ابن جمانة بنت المسيب وليس بابن العقيلة زينب بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه، ووجدت في ذلك لغط كبير، فلقد كان لعبد الله بن جعفر اثنان من الأبناء باسم عون، عون الأكبر وكان ابن العقيلة زينب بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه، وعوناً الأصغر وهو ابن جمانة بنت المسيب. ذكر ذلك غير مصدر منها أنساب قريش، والأصبهاني في مقاتل الطالبيين وابن شرف النووي في تهذيب الأسماء واللغات.

الخوصاء بنت خصفة بن ثقيف بن ربيعة ابن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل. ذكر الزبيري في نسب قريش أنها أنجبت لعبد الله بن جعفر، أبا بكر ومحمداً الأصغر وعبد الله. ومحمد هذا هو محمد الأصغر، وليس محمد الأكبر ابن العقيلة زينب النرجسة عليها رضوان الله وسلامه، شهيد كربلاء.

منة بنت عبدالله بن كعب بن عبدالله بن كعيب بن منبه بن الحارث بن منبه بن الأوس الخثعمي. أمها سلامة بنت عميس الخثعمية، خالتها وشقيقة أمها هي السيدة أسماء بنت عميس زوج سيدنا جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، وأبوها صحابي جليل، وهو سلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تزوجها عبدالله الجواد فولدت له صالحاً الأصغر وأسماء ولبابة.

أم عمرو النابغة بنت خداش، من بني عبس بن بغيض، وقد عقبت له، جعفراً، وبه كان يكنى كما ذكره غالب أهل التاريخ.

وقد تزوج عليه رضوان الله وسلامه بأخريات، أنجبن له، ومن بنيه حسيناً الأصغر وإسحاق ومعاوية وإسماعيل وغيرهم وهم من أمهات شتى. وبذلك يكون عقبه عليه رضوان الله وسلامه: (أبو بكر وإسحاق وإسماعيل وجعفراً وحسين الأكبر وحسيناً الأصغر وصالحاً الأكبر وصالحاً الأصغر وعباساً وعبدالله وعلياً (الزينبي) وعوناً الأصغر وعوناً الأكبر ومحمد الأكبر ومحمداً الأصغر ومعاوية وموسى وهارون ويحيى وأسماء وأم أبيها وأم كلثوم وأم محمد ولبابة) وغيرهم. والعقب من ولده في (علي الزينبي ومعاوية وإسحاق العريضي وإسماعيل الزاهد) بني عبدالله بن جعفر؛ وليس لسائر ولده عقب؛ وقد انقرض ولد جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه إلا من هؤلاء. والعقب الأعظم من ابنه عبدالله بن جعفر، ومن ولد أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر. عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين. والله أعلم. وقال البعض، بل لم يبق للسيدة أم كلثوم بنت عبدالله الجواد بن جعفر عليهم رضوان الله وسلامه،وإنما غالب العقب من بني عبدالله الجواد في علي الزينبي وأعقاب أخرى من ابني الجواد، معاوية وإسحاق وإسماعيل، والله أعلم.

وأما عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، فقد انقسم عقبه إلى قسمين. القسم الأول: وهم أعقابه الذين كانوا من ابنه علي المسمى بـ"علي الزينبي" وأمه هي السيدة العقيلة زينب بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه، وهؤلاء يطلق عليهم (الزينبيون) ويسمى الفرد منهم بـ(الزينبي الجعفري الطيار الهاشمي القرشي) وجدهم لأمهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وجدتهم البضعة الطاهرة السيدة العظيمة فاطمة الزهراء عليهم رضوان الله وسلامه، وبها عليها رضوان الله وسلامه يجتمعون بسيد الكائنات سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم جداً لهم ويتصلون به إتصال الحفيد بالجد، وفيهم الكثرة والعدد.

وأما القسم الثاني، فيطلق عليهم آل الطيار وليسوا بزينبيين وهم من أعقاب معاوية وإسحاق وإسماعيل، قلة انتشروا ببخارى وسمرقند وبعض البلاد العربية كمصر والسودان وغيرها ولا تزال أعقابهم قليلة هناك وذلك على ما قاله بعض النسابة وأهل التاريخ، ولهم شرف الإنتساب، ولكن لا يلتقون بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرة عليهم رضوان الله وسلامه بدم ونسب مباشر، ولكنهم أشراف هاشميون من بني عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي، ويطلق عليهم (آل الطيار)، ويسمى الفرد منهم بـ(الجعفري الطيار الهاشمي القرشي).

معاركه مع عمه أمير المؤمنين وبنيه ومواقفه فيها عليهم رضوان الله وسلامه.
اشترك الجواد عليه رضوان الله وسلامه وأخويه عون بن جعفر ومحمد بن جعفر اللذان كانا تحت إمرته في صفين مع عمهم علي بن أبي طالب عليهم جميعاً سلام الله ورضاه ورضوانه في موقعة صفين، وكان أميره على قريش وأسد وكنانة، وكان له فيها وفي غيرها كالنهروان ذكر مشهور.

أما في موقعة الجمل، فكان عليه رضوان الله وسلامه إلى جوار عمه بكل صلابة وقوة، ما تركه وما تخلى عنه أينما كان وأينما حل. وقد حدث العصامي في "سمط النجوم العوالي" وغيره عن ذلك، ونورد قول العاصمي المكي في "سمط النجوم العوالي" (1/487) إذ قال: (ثم أقبلت الرايات والمواكب يتلو بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح، ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفي الرايات، في أوله راية عظيمة، في أوله فارس كأنه قد كسر، وجبر نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، حوله أمم كأنما على رءوسهم الطير، عن يمينه شاب حسن الوجه، وبين يديه شاب مثلهما، قلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هذا علي بن أبي طالب، وأما من عن يمينه فالحسن وعن شماله الحسين، وهذا محمد ابن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء أولاد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشايخ من أهل بدر الذين شهدوها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار) انتهى كلام العاصمي رحمه الله.

وتمر الأيام، ويكون موعد لقاء أمير المؤمنين أبو السبطين علي عليه رضوان الله وسلامه، بالله تعالى، والالتحاق بحبيبه وأخيه صلى الله عليه وآله وسلم، ويطعن عدو الله وعدو رسوله، عبدالرحمن بن ملجم (لا أذاقه الله رحمه، ولعنة الله عليه وعلى روحه أبد الآبدين) أمير المؤمنين عليه رضوان الله وسلامه، وفي ذلك قال التاريخ ما قال. ومنه ما روي عنه عليه رضوان الله وسلامه، أنه كان يوم استشهاد عمه أمير المؤمنين علي عليه رضوان الله وسلامه، فقام والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية فصلوا عليه وإمامهم الحسن عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وكبر عليه تسع تكبيرات. فلما فرغوا قام عبدالله بن جعفر شاهراً سيفه تجاه عبدالرحمن بن ملجم (لا أذاقه الله رحمه، ولعنة الله عليه وعلى روحه أبد الآبدين) قاتل عمه، والذي كان (قاتله الله) قد وعد قطام بنت الشجنة (عليها وعلى روحها لعائن الله وغضبه) بقتل أمير المؤمنين، بعد أن قام عليه رضوان الله وسلامه يوم النهروان بقتل أبوها وأخوها، وكانت فائقة الجمال مشهورة به سلبت بجمالها عقل ابن ملجم، فأنجز ما وعدها به (لا أذاقهما الله رحمه، ولعنة الله عليهما وعلى روحهما أبد الآبدين)، فلما وصل عبدالله بن جعفر إليه، قطع يدي ابن ملجم ورجليه وكحلت عيناه، ثم قطع وأبناء عمه، لسانه ثم قتلوه ثم حرقوه في قوصرة. لا شمله الله برحمته، ولا أذاقه نعيم جنانه. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، وذكره غيره من أهل التاريخ والسير.

في كربلاء الحزينة.
لم يكن بلاؤه وموقفه مع ابن عمه الحسين السبط العظيم عليهم رضوان الله وسلامه، أقل مما عهد به، فلقد كان ممن كتب إلى سيدنا الحسين عليه رضوان الله وسلامه، يثنيه عن السفر إلى العراق ليس تخلياً عن أخيه وابن عمه الحسين عليه رضوان الله وسلامه، وإنما لما علمه عن أهلها من غدر كان بأبيه عليه رضوان الله وسلامه ولن يزول عنهم. ولكن لأمر الله تعالى، وبأمر الله جل جلاله كانت مسيرة سيدنا الحسين السبط عليه رضوان الله وسلامه، فلم يلحق سيدنا عبدالله بن جعفر به ليس للتخلي عنه – كما سبق وأن أشرنا – أو كما يشيعه أصحاب الضلال والجهل، ولكن بسبب كف بصره خلال تلك السنوات على ما يرويه ثقات التاريخ. ويؤكد ذلك إرساله اثنين من أبنائه وهما محمداً وعوناً إلى كربلاء برفقة أمهما السيدة زينب النرجسة عقيلة بني هاشم عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، فاستشهدا ابنيه هناك، فقَتَل عبدالله بن قطنة التيهاني التميمي (لا أذاقه الله رحمه، ولعنة الله عليه وعلى روحه أبد الآبدين) ابنه عون بن عبدالله بن جعفر (وقيل: هو عبدالله بن قطبة الطائي)، وقَتَل عامر بن نهشل التميمي (لا أذاقه الله رحمه، ولعنة الله عليه وعلى روحه أبد الآبدين) ابنه محمد بن عبدالله بن جعفر، وهما إلى جوار خالهما الحسين وكفنتهما أمها العقيلة الجليلة زينب عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.

قال الإمام الطبري في "تاريخه" (4/357) وابن الأثير في "الكامل" (2/182) والقول للطبري رحمه الله: (قال هشام: عن أبي مخنف عن سليمان ابن أبي راشد عن عبدالرحمن بن عبيد أبي الكنود قال: لما بلغ عبدالله بن جعفر ابن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه، قال: ولا أظن مولاه ذلك إلا أبا اللسلاس. فقال: هذا مالقينا ودخل علينا من الحسين، قال: فحذفه عبدالله بن جعفر بنعله ثم قال: "يا ابن اللخناء. أللحسين تقول هذا! والله لو شهدته لأحببت أنا لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنما لما يسخى بنفسي عنهما ويهون علي المصاب بهما إنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه" ثم أقبل على جلسائه فقال: "الحمد لله عز وجل علي بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسيناً يدي فقد آساه ولدي" قال: ولما أتى أهل المدينة المنورة مقتل الحسين رضوان الله عليه وسلامه، خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه وسلامه ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوى بثوبها وهى تقول:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

انتهى كلام الطبري رحمه الله.

متانة العلاقة بين أقطاب السخاء عبدالله والحسين عليهما رضوان الله وسلامه.
لو تأمل القارئ والقارئة لما قاله سيدنا عبدالله الجواد عليه رضوان الله في رده على مولاه (أبو اللسلاس) لأدرك بكل جلاء تلك العلاقة التي ربطت بين الحبيبين الجواد والسبط عليهما رضوان الله وسلامه، والتي وصلت لحدود الإفتاء بالروح، فإن لم تكن، فالإفتداء بفلذات الأكباد. كيف لا وقد كانت تربيتهما وسيدنا الحسن السبط عليهم رضوان الله وسلامه في بيت واحد بعد استشهاد سيدنا ذو الجناحين عليه رضوان الله وسلامه؟ كيف لا والعلاقة بين الأخوين العظيمين ساداتنا علي وجعفر عليهما رضوان الله وسلامه لا تخفى على كل ذي بصيرة؟ إلا أن الكثير من أصحاب النفوس الضعيفة البعيدة عن دين الله وإحقاق الحقوق تأبى إلا أن تدس السم في العسل وتطعن في تلك العلاقة بين ابناء العظيمين علي وجعفر عليهما رضوان الله وسلامه بشكل متواصل، فترى ضعاف النفوس من المؤرخين يقولون ما يقولون من أكاذيب في هذا الشأن، وما تلك إلا للنيل من أهل البيت النبوي العظيم وتفريقهم وتشتيتهم، وهذا ما انتهجه أهل الفتن منذ فجر التاريخ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولمزيد من التأكيد على متانة العلاقة بين أبناء وذرية جناحي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساداتنا علي وجعفر عليهما رضوان الله وسلامه، نسرد للقراء الأفاضل بعضاً يسيراً مما نقله ثقات التاريخ في ذلك كي يزول اللغط وتتضح الحقائق ويعي الجميع جلال تلك العلاقة المتينة، ونجعل أولها في مصير فلذات الأكباد كما سبق وأن روينا ذلك الإفتداء العظيم بالروح وفلذات الكبد.

فقد روى أهل السير ومنهم ما جاء في في "المغانم المطابة في معالم طابة"، وفي "عمدة الأخبار" وغيرها، ويرى فيها إلى أي الحدود كان تعلق قلب سيدنا عبدالله الجواد بأخويه وابني عمه الحسنين الشريفين، وتعلقهما بابن عمها عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه، أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى مروان بن الحكم واليه في المدينة: "أما بعد، فإن أمير المؤمنين قد أحب أن يرد الألفة، ويسل السخيمة، ويصل الرحم، فإذا وصل إليك كتابي، فاخطب إلى عبدالله بن جعفر ابنته أم كلثوم، على يزيد ابن أمير المؤمنين، وأرغب له في الصداق". فوجه مروان إلى عبدالله بن جعفر، فقرأ عليه كتاب معاوية، وعرفه ما في الألفة من إصلاح ذات البين. فقال عبدالله: "إن خالها الحسين بينبع، وليس ممن يفتأت عليه، وإني لن أقطع أمراً دونه وأني لست أولى به منها وهو خال والخال والد، فأنظرني إلى أن يقدم"، وكانت أمها زينب النرجسة بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين. فقال له مروان: "ما انتظارك إياه بشيء فلو حزمت؟ فأبى عبدالله، فتركه. فلم يلبثوا إلا خمس ليال حتى قدم الحسين من سفره، فأتاه عبدالله بن جعفر فقال: "كان من الحديث ما تسمع وأنت خالها ووالدها، وليس لي معك أمر فأمرها بيدك، فأشهد عليه الحسين بذلك جماعة. ثم خرج الحسين فدخل على أم كلثوم فقال: يا بنت أختي إنه قد كان من أمر أبيك أمر، وقد ولاني أمرك وإني لا آلوك حسن النظر إن شاء الله، وإنه ليس يخرج منا غريبة فأمرك بيدي؟" قالت: "نعم بأبي وأمي". فقال الحسين: "اللهم إنك تعلم أني لم أرد إلا الخير، فقيِض لهذه الجارية رضاك من بني هاشم" ثم قال لها: "إن ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب أحق بك، ولعلك ترغبين في كثرة الصداق، وقد نحلتك البغيبغات (ومفردها بغيبغة) وهي قرية بالمدينة، وقيل هي عين كثيرة النخل غزيرة الماء. ثم خرج حتى لقي القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب فأخذ بيده فأتى المسجد وقد اجتمعت القوم للإملاك من بني هاشم وبني أمية وأشراف قريش وهيئوا من أمرهم ما يصلحهم. فتكلم مروان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن يزيد بن أمير المؤمنين يريد القرابة لطفاً وألحق عظماً، ويريد أن يتلافى ما كان بصلاح هذين الحيين، مع ما يحب من أثره عليهم، ومع المعاد الذي لا غناء به عنه، مع رضا أمير المؤمنين. وقد كان من عبدالله بن جعفر في ابنته ما قد حسن فيه رأيه وولى أمرها الحسين بن علي، وليس عند الحسين خلاف لأمير المؤمنين إن شاء الله تعالى". فتكلم الحسين، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الإسلام يرفع الخسيسة ويتم النقيصة ويذهب الملامة، فلا لوم على امرئ مسلم إلا في أمر مأثم، وإن القرابة التي أعظم الله حقها وأمر برعايتها وسأل الأجر في المودة عليها، والحافظة في كتاب الله تعالى قرابتنا أهل البيت، وقد بدا لي أن أزوج هذه الجارية من هو أقرب إليها نسباً وألطف سبباً، وهو هذا الغلام (يعني القاسم بن محمد بن جعفر)، ولم أرد صرفها عن كثرة مال نازعتها نفسها ولا أبوها إليه، ولا أجعل لامرئ في أمرها متكلماً، وقد جعلت مهرها كذا وكذا منها في ذلك سعة إن شاء الله" ثم أصدقها البغيبغات (وفي رواية أنه ذكر دين ابن عمه عبدالله بن جعفر (وكان دينه خمسين ألف دينار وبه أراد معاوية أن يزوج ابنه يزيد من أم كلثوم بنت عبدالله وأن يقضى عنه دينه) فقال: ولعبدالله ألف ألف، ولابنته ألف ألف وهذه البغيبغات). فغضب مروان وقال: "أغدراً يا بني هاشم؟!" ثم أقبل على عبدالله بن جعفر فقال: "ما هذه بأيادي أمير المؤمنين عندك وما غبتَ عما تسمع" فقال عبدالله: "قد أخبرتك الخبر حيث أرسلت إلي وأعلمتك أني لا أقطع أمراً دونه". فقال الحسين بن علي: "على رسلك، أقبل علي. فأولى الغدر منكم وفيكم، انتظر رويداً حتى أقول: نشدتكم الله أيها النفر ثم أنت يا مسورَ بن مَخْرمة أتعلم أن حسن بن علي خطب عائشة بنت عثمان حتى إذا كنا بمثل هذا المجلس من الاشفاء على الفراغ، وقد ولوك يا مروان أمرها قلت: "إنه قد بدا لي أنا أزوجها عبدالله بن الزبير؟" هل كان ذلك يا أبا عبدالرحمن؟" (يعني المسور؟) قال: "اللهم نعم" فقال مروان: "قد كان ذلك، أنا أجيبك، وإن كنت لم تسألني" فقال الحسين: "وأنتم موضع الغدر".

ويروي الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (57/245) وابن إسحاق في "السيرة" (1/89) وغيره من أهل السير بروايات عدة تلك الواقعة، والقول لابن عساكر، قال: أخبرنا أبو العز بن كادش إذنا أنا أبو محمد بن الحسين أنا أبو الفرج المعافى بن زكريا القاضي (قال في هامشه: الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي (1/406) وما بعدها) نا محمد بن القاسم الأنباري أخبرني أبي عن أبي الفضل العباس بن ميمون، حدثني سليمان بن داود المقرئ الشاذكوني، أخبرني محمد بن عمر (قال في هامشه: تحرفت بالاصل إلى "عمرو") بن واقد السلمي عن عبدالله بن جعفر (قال في هامشه: الزيادة للإيضاح عن الجليس الصالح) المديني عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة قالت: سمعت أبي يقول: كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن يزوج ابنه يزيد بن معاوية زينب بنت عبدالله بن جعفر وأمها أم كلثوم بنت علي وأم أم كلثوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قلت: – والقول للمؤلف – لم يكن لسيدنا عبدالله بن جعفر من السيدة أم كلثوم بنت علي عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه عقب، وإنما ما أثبته أهل التاريخ أن معاوية أرسل إلى مروان عامله أن يزوج ابنه يزيد من أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر، وأمها السيدة زينب بنت علي وأمها السيدة فاطمة الزهراء عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وهو الثابت عندي وعند ثقات أهل التاريخ) ويقضي عن عبدالله بن جعفر دينه وكان دينه خمسين ألف دينار ويعطيه عشرة (قال في هامشه: وفي الجليس الصالح، عشرين ألف دينار) آلاف دينار ويصدقها أربعمائة دينار ويكرمها بعشرة آلاف دينار فبعث مروان بن الحكم (قال في هامشه: بالأصل: مروان بن معاوية بن الحكم. قال المؤلف: الثابت في السير أنه مروان بن الحكم وليس مروان بن معاوية. وهو ما يؤكده ابن الأثير في "الكامل" (2/112) ويرويه غيره، إذ قال: ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين. في هذه السنة غزا المسلمون اللان وغزوا الروم أيضاً فهزموهم هزيمةً منكرة وقتلوا جماعة من بطارقتهم. وفيها ولد الحجاج بن يوسف في قول. وفيها ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة، وولى خالد بن العاص بن هشام مكة، فاستقضى مروان عبدالله بن الحارث بن نوفل) انتهى قول ابن الأثير وغيره.) إلى عبدالله بن جعفر فأجابه واستثنى عليه برضا الحسين بن علي وقال: "لن أقطع أمرا دونه مع أني لست أولى به منها وهو خال والخال والد" قال: وكان الحسين بينبع (قال في هامشه: ينبع حصن به نخيل وماء وزرع وبها وقوف لعلي بن أبي طالب يتولاها ولده. راجع معجم البلدان) فقال له مروان ما انتظارك إياه بشئ، فلو حزمت فأبى، فتركه. فلم يلبثوا إلا خمس ليالي حتى قدم الحسين، فأتاه عبدالله بن جعفر فقال: "كان من الحديث ما تسمع وأنت خالها ووالدها وليس لي معك أمر فأمرها بيدك" فأشهد عليه الحسين بذلك جماعة، ثم خرج الحسين فدخل على زينب (قال المؤلف: هي أم كلثوم كما سبق وأن أسلفنا) فقال: "يا بنت أختي، إنه قد كان من أمر أبيك أمر وقد ولاني أمرك وإني لا آلوك حسن النظر إن شاء الله، وإنه ليس يخرج منا غريبة، فأمرك بيدي" قالت: نعم بأبي وأمي. فقال الحسين: "اللهم إنك تعلم أني لم أرد إلا الخير فقيض (قال في هامشه: بالاصل: فتقض) لهذه الجارية رضاك من بني هاشم" ثم خرج حتى لقي القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب فأخذه بيده، فأتى المسجد وقد اجتمعت بنو هاشم وبنو أمية وأشراف قريش، وهيأوا من أمرهم ما يصلحهم، فتكلم مروان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن يزيد بن أمير المؤمنين يريد القرابة لطفاً وألحق عظماً ويريد أن يتلافى ما كان بصلاح هذين الحيين مع ما يحب من أثره عليهم، ومع المعاد الذي لا غناء به عنه مع رضا أمير المؤمنين، وقد كان من عبدالله بن جعفر في ابنته ما قد حسن فيه رأيه، وولى أمرها الحسين بن علي، وليس عند الحسين خلاف لأمير المؤمنين إن شاء الله تعالى. فتكلم الحسين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الإسلام يرفع الخسيسة، ويتم النقيصة، ويذهب الملامة، فلا لوم على امرئ مسلم إلا في أمر مأثم، وإن القرابة التي أعظم الله حقها، وأمر برعايتها، وسأل الأجر في المودة عليها، والحافظة في كتاب الله تعالى، قرابتنا أهل البيت، وقد بدا لي أن أزوج هذه الجارية من هو أقرب إليها نسباً، وألطف سبباً وهو هذا الغلام (يعني: القاسم بن محمد بن جعفر (قال في هامشه: جاء في المعارف أن القاسم بن محمد بن جعفر تزوج بأم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر وأمها زينب بنت علي بن أبي طالب) ولم أرد صرفها عن كثرة مال نازعتها نفسها ولا أبوها إليه، ولا أجعل لامرئ في أمرها متكلماً، وقد جَعَلْتُ مهرها كذا وكذا، منها في ذلك سعة إن شاء الله) فغضب مروان وقال: أغدراً يا بني هاشم. ثم أقبل على عبدالله بن جعفر فقال: ما هذه بأيادي أمير المؤمنين عندك، وما غبت عما تسمع، فقال عبدالله: (قد أخبرتك الخبر حيث أرسلت إلي، وأعلمتك أني لا أقطع أمراً دونه). فقال الحسين بن علي: (على رسلك أقبل عليَّ، فأولى الغدر منكم وفيكم، انتظر رويداً حتى أقول: نشدتكم الله أيها النفر، ثم أنت يا مسور بن مخرمة أتعلم أن حسن بن علي خطب عائشة بنت عثمان، حتى إذا كنا بمثل هذا المجلس من الإشفاء على الفراغ، وقد ولوك يا مروان أمرها قلت: إنه قد بدا لي أنا أزوجها عبدالله بن الزبير، هل كان ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ يعني المسور، قال: اللهم نعم، فقال مروان: قد كان ذلك، أنا أجيبك وإن كنت لم تسألني، فقال الحسين: (وأنتم موضع الغدر ). انتهى قول ابن الأثير رحمه الله، وقد رواه الثقات بروايات عدة. وفيه ما يرى القارئ والقارئة عظم وحجم ومتانة العلاقة بين العظيمين عليهما رضوان الله وسلامه، حتى بلغت تلك العلاقة الإفتداء بفلذات الأكباد وتزويج البنات بوكالة بعضهم لبعض، لما يكنه ويعلمه ويعظمه سيدنا عبدالله الجواد في سيدنا الحسين عليهما رضوان الله وسلامه وبه وله.

مقتطفات من جوده عليه رضوان الله وسلامه.
وأما في جوده عليه رضوان الله وسلامه، فإن السطور لتعجز عنها، ولكننا نأخذ منها البعض القليل للاستشهاد لا للحصر.

فقد روى ابن الجوزي في "المنتظم" (2/377) والبلاذري في "أنساب الأشراف" (1/268) والقول لابن الجوزي قال: (روى مصعب الزبيري، عن محمد بن عبدالله بن أبي ملكية، عن أبيه، عن جده، قال: دخل عبدالرحمن بن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس فعلق فتاة فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه، فكان جوابه:

يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أو وقعا

فانتهى الخبر إلى عبدالله بن جعفر، فلم تكن له همة غيره، فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألفاً، وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتحليها، ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: مالي لا أرى ابن أبي عمار زارنا، فأخبر الشيخ فأتاه، فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد، فقال: له ابن جعفر: ما فعل حب فلانة، فقال: له سيط به لحمي ودمي وعصبي ومخي وعظامي، فقال: تعرفها إن رأيتها؟ قال: وأعرف غيرها، قال: فإني قد اشتريتها، والله ما نظرت إليها، وأمر بها فخرجت فزفت بالحلي والحلل، فقال: أهذه هي؟ فقال: نعم بأبي وأمي، قال: فخذ بيدها فقد جعلها الله لك، أرضيت؟ قال: أي والله بأبي وأمي وفوق الرضا، فقال له ابن جعفر: ولكني والله لا أرضى أن أعطيكما صفراً، احمل معه يا غلام مائة ألف درهم كيلا يهتم بمؤونتها، قال: فراح بها وبالمال) انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.

وقال ابن عبدربه في "العقد الفريد" (1/85): ومن جوده أيضاً (ويعني عبدالله بن جعفر)، أنه أعطى امرأة سألته مالاً عظيماً. فقيل له: إنها لا تعرفك، وكان يرضيها اليسير. قال: "إن كان يرضيها اليسير فإني لا أرضى بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي) انتهى كلام ابن عبدربه رحمه الله.

وفي موضع آخر من "العقد الفريد" قال ابن عبدربه (1/92): (روى الرياشي عن الأصمعي، قال: مدح نصيب بن رباح (وكان عبداً أسوداً  قال عنه الذهبي في سير الأعلام، وكذا قال غيره: أبو محجن الأسود الشاعر مولى عمر بن عبدالعزيز) عبدالله بن جعفر، فأمر له بمال كثير، وكسوة شريفة، ورواحل موقرة براً وتمراً. فقيل له: أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود؟ قال: أما لئن كان عبداً إن شعره في لحر، ولئن كان أسود إن ثناءه لأبيض، وإنما أخذ مالاً يفنى، وثياباً تبلى، ورواحل تنضى، وأعطى مديحاً يروى، وثناء يبقى) انتهى كلام ابن عبدربه رحمه الله.

وكذا قال في "العقد الفريد" (1/449): (روى الشيباني قال: نزل عبدالله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة وقد دجنت عندها، فذبحتها وجاءتها بها إليه، فقالت: يا أبا جعفر، هذه دجاجة لي كنت أدجنها وأعلفها من قوتي، وألمسها في آناء الليل، فكأنما ألمس بنتي زلت عن كبدي، فنذرت لله أن أدفنها في أكرم بقعة تكون، فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك، فأردت أن أدفنها فيه. فضحك عبدالله بن جعفر وأمر لها بخمسمائة درهم) انتهى كلام ابن عبدربه. وروى ذات القصة برواية أخرى، فقال ابن الجوزي في "المنتظم" (2/283) والزمخشري في "ربيع الأبرار" (2/12) وأبو حيان التوحيدي في "البصائر والذخائر" (1/42) وابن حمدون في "التذكرة الحمدونية" (2/49) والقول لابن الجوزي: (عن إسحاق بن عبدالله بن جعفر، قال: جاءت امرأة إلى عبدالله بن جعفر، فقالت له: يا سيدي، وهبت لي بعض جاراتي بيضة فحضنتها تحت ثديي حتى خرجت فروجة، فغذوتها بأطيب الطعام حتى بلغت وقد ذبحتها وشويتها وكفنتاه برقاقتين وجعلت لله علي أن أدفنها في أكرم بقعة في الأرض ولا أعلم والله بقعة أكرم من بطنك. فكلها. فقال: يا بديح، خذها منها وامض فانظر إلى الدار التي هي فيها، فإن كانت لها فاشتر لها ما حولها من الدور، وإن لم تكن لها فاشترها واشتر لها ما حولها. فذهب ثم رجع فقال: قد اشتريت الدار لها وما حواليها، فقال: احمل لها على ثلاثين بعير حنطة وشعيراً وأرزاً وزبيباً وتمراً ودراهم ودنانير) انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.

وقال العصامي في "سمط النجوم" (2/158): (وفي ربيع الأبرار، تنسب إلى الفرزدق مكرمة يُرجَى له بها الجنة، وهي أنه لما حج هشام بن عبدالملك في أيام أبيه، مدحه الفرزدق، فلما طاف بالبيت، جهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر على ذلك؛ لكثرة الزحام، فنصب له كرسي، وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين بن الحسين بن علي عليهم رضوان الله وسلامه، وكان من أجمل الناس وجهاً، وأطيبهم أرجاً، وبين عينيه سجدة، فلما انتهى إلى الحجر تنحى عنه الناس هيبة وإجلالاً حتى استلم الحجر. فغاظ ذلك هشاماً، فقال له رجل من أهل الشام: "من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبَةَ؟ا" فقال هشام: "لا أعرفه" مخافة أن يرغَبَ فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً، فقال: "أنا أعرفه"، فقال الشامي له: "من هو، يا أبا فراس؟". فقال الفرزدق قصيدته والتي منها:

هذا الذي تعرف البطاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم

فغضب هشام، وقال للفرزدق: "أرافضي أنت يا فرزدق؟". فقال: "إن كان حب آل البيت رفضاً فنعم"، فحرمه هشام جائزته، فتحمل عليه الفرزدق بأهل بيته، فأبى أن يعطيه شيئاً. فقال له عبدالله بن جعفر بن أبي طالب: "كم كنت تؤمل أن يعطيك هشام؟" فقال الفرزدق: "ألف دينار في كل سنة"، فقال عبدالله: "فكم تؤمل أن تعيش؟" قال: "أربعين سنة" فقال عبدالله: "يا غلام، علي بالوكيل" فدعاه، فقال له: "أعط الفرزدق أربعين ألف دينار" فقبضها منه) انتهى كلام العصامي رحمه الله.

وقال المقريزي في "إمتاع الأسماع" (1/320) وابن حجر في "الإصابة" (2/112)، والقول للمقريزي: (أخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي بسند حسن إلى محمد بن سيرين، أن دهقاناً من أهل السواد كلم ابن جعفر (يعني عبدالله بن جعفر) في أن يكلم علياً عليه رضوان الله وسلامه في حاجة ، فكلمه فيها، فقضاها (يعني سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه)، فبعث إليه الدهقان أربعين ألفاً، فقالوا: أرسل بها الدهقان فردها، وقال عبدالله بن جعفر: (إنا لا نبيع معروفاً). وأخرج الدارقطني في الأفراد، من طريق هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: جلب رجل سكراً من الشام إلى المدينة فكسر عليه، فقيل له: لو أتيت عبدالله بن جعفر لقبله منك وأعطاك الثمن، فأتى عبدالله بن جعفر، فأخبره بذلك، فابتهج بذلك، فأمر بإحضار السكر ونثره بين يديه، وقال لأهل المدينة: انهبوا (يعني: خذوا منه ما شئتم)، فلما رأى البائع الناس ينهبون، قال: جعلت فداك أنهب معهم، فقال: خذ ما شئت، فجعل البائع يهيل في عرارته، فلما فرغوا من ذلك قال له عبدالله بن جعفر: كم ثمن شكرك، فقال له: أربعة آلاف درهم، فأمر له بذلك مع زيادة. قال في هامشه: الإصابة (4/40، 44)، أسماء الصحابة الرواة (109) ترجمة (103). انتهى كلام المقريزي رحمه الله. وفي رواية أخرى عند ابن فندق في "لباب الأنساب " (1/24) قال: (طلب دهقان من عبدالله بن جعفر، وقال: اقض حاجة لي بما أوليتني، فأهدى إلى الدهقان ثلاثين ألفاً من الدراهم، فردها عليه عبدالله بن جعفر وقال: نحن أهل بيت لا يتبع شفاعتنا بالدنيا وما فيها. فقال الدهقان: إنك يابن جعفر نعم الفتى لطارق الليل إذا الليل أتى) انتهى كلام ابن فندق رحمه الله.

وعند ابن حجر في "الإصابة" (2/112) قال: (أخرج الطبري والبيهقي في الشعب من طريق ابن إسحاق المالكي قال: وجه يزيد بن معاوية إلى عبدالله بن معاوية إلى عبدالله بن جعفر مالاً جليلاً هدية، ففرقه في أهل المدينة ولم يدخل منزله منه شيئاً وفي ذلك يقول عبيدالله بن قيس الرقيات:

وما كنت إلا كالأغر ابن جعفر ... رأى المال لا يبقى فأبقى له ذكراً

وقال ابن فندق في "لباب الأنساب" (1/24): وكان أهل المدينة يستدين بعضهم من بعض، إلى أن يأتيهم عطاء عبدالله بن جعفر. وكان يقال له: انظر لولدك (أي: كثرتهم)، فقال عبدالله بن جعفر: (إني علمت أن منع الموجود من سوء الظن بالمعبود)، يعني: إنما كان كثرة عياله بجود الله عليه إذ جاد على عباد الله) انتهى كلام ابن فندق رحمه الله.

ثم استرسل ابن فندق فقال: (قيل: أسخياء بني هاشم الحسن والحسين رضي الله عنهما وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن العباس. كان الحسن بن علي رضي الله عنهما أسخى أهل العصر، لا يعطي إلا الجزيل، فمن كان من أولاد الحسن بن علي رضي الله عنهما كان سخياً لا يعطي إلا الجزيل. والحسين بن علي رضي الله عنهما يعطي الجزيل والقليل، فمن كان من أولاد الحسين بن علي رضي الله عنهما كان سخياً يعطي الجزيل والقليل. وكان عبدالله بن جعفر يعطي إذا سئل ويبتدىء إذا لم يسأل، ومن أفطر معه رمضان كان عليه قوته وقوت عياله إلى السنة. وعبدالله بن العباس لا يمسي ولا يصبح إلا وعنده أرباب الحوائج. وقيل: ضاقت يد عبدالله بن جعفر، فصلى الجمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها، فإن انقضت مدة عادتي فاقبضني إليك وتوفني مسلماً وألحقني بالصالحين). فمات في الجمعة الأخرى، وتوفي وهو ابن ثمانين سنة مات عام العجاف) انتهى كلام ابن فندق رحمه الله.

روايته عليه رضوان الله وسلامه للحديث الشريف.
حفظ عليه رضوان الله وسلامه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة وروى العديد من الأحاديث الشريفة عن أبويه وعمه سيدنا علي وساداتنا أبو بكر وعثمان وعمار بن ياسر رضوان الله عليهم، وروى عنه بنوه إسماعيل وإسحاق ومعاوية، وأبو جعفر الباقر، والقاسم بن محمد، والشعبي، والحسن بن سعد بن معبد الكوفي، وخالد بن سارة (قيل ابن عبيد بن سارة) المخزومي المكي، وعبدالله بن محمد بن عقيل، وعبدالرحمن ابن أبي رافع، وعبيد بن أبي كلاب، وعقبة (وقيل اسمه عتبة) بن محمد بن الحارث، والقاسم بن الحسن الثقفي، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ومحمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبدالرحمن الفهمي، ومورق العجلي، وأحمد بن عبدالأعلى الشيباني وآخرين رضي الله عنهم أجمعين، ومما رواه عليه رضوان الله وسلامه قوله: "أردفني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس". وكذلك ما رواه ابن عساكر عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصبحه وسلم قوله: "يا عبدالله هنيئاً لك مريئاً. خلقت من طيني، وأبوك يطير مع الملائكة في السماء".

وفاته ومرقده عليه رضوان الله وسلامه.
انتقل رضوان الله عليه وسلامه إلى الرفيق الأعلى في المدينة المنورة سنة ثمانين للهجرة وعمره ثمانون عاماً. وقال ابن الأثير في "الكامل" (2/307) في حديثه عن سنة ثمانين للهجرة، وكذا قاله غيره من أهل السير: (وفيها مات عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وقيل سنة أربع، وقيل سنة خمس، وقيل سنة ست وثمانين، وقيل سنة تسعين) انتهى كلام ابن الأثير رحمه الله. ووري جسده الشريف البقيع وكان والي المدينة آنذاك أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما، فلما حضر غسله كفنه وحمله مع الناس وقد ازدحم على حمله ثم لم يفارقه حتى دفنه ودموعه تسيل وهو يقول عنه: كنت والله خيراً لا شر فيك، وكنت والله شريفاً واصلاً براً، عليه رضوان الله وسلامه.

وقال ابن حبان في "الثقات" (3/207): (مات سنة ثمانين سنة سيل الجحاف وهو سيل كان ببطن مكة جحف الحاج وذهب بالإبل وعليها الحمولة). وقال الواقدي: "مات سنة تسعين وكان له يوم مات تسعون سنة كذا رأيته في ذيل الذيل لأبي جعفر الطبري". وقال ابن حجر في الإصابة: "قال المدائني: مات عبدالله بن جعفر سنة أربع أو خمس وثمانين وهو ابن ثمانين. قلت: وهو غلط أيضاً. وقال خليفة: مات سنة اثنتين، وقيل سنة أربع وثمانين. وقال ابن البرقي ومصعب: في سنة سبع وثمانين، فهذا يمكن أن يصح معه قول الواقدي إنه مات وله تسعون سنة فيكون مولده قبل الهجرة بثلاث".

قال ابن فندق في "لباب الأنساب" (1/25): (حضر جنازته عمرو بن عثمان بن عفان، وأبان بن عثمان، وعمر بن سعيد بن العاص الأسدي، عليهم رضوان الله تعالى فقالوا جميعاً: (يا عبدالله غم قريش هلك، وقد بطن الأثرى بعدك مثلك).

قال ابن قيس الرقيات في مرثيته (يعني عبدالله الجواد عليه رضوان الله وسلامه):

مات قلبي تشفه الأوجاع ... من هموم يحبها الأضلاع
إذا أتانا بما كرهنا أبو السا ... ئل كانت بنفسه الأوجاع
قال ما قال ثم راح سريعاً ... أدرك نفسه المسايا السراع
يا ابن الأسماء لا أبالك ... تبغي غيرها لك نفاع
بيته من بيوت عبد مناف ... مواطناً به المكان النفاع
منتهى الجود والفتوة والمجد ... إذا قصر اللئام الرضاع

انتهى كلام ابن فندق رحمه الله.

فسلام الله عليك سيدي ورضاه ورضوانه يوم ولدت ويوم انتقلت ويوم تبعث بين يدي ربي، وإني لأستغفر الله تعالى عن تقصيري في الحديث عنك يا قطب الجود، يا بحر السخاء، ولكن مثلكم لا تفرد لهم الصفحات، بل تعجز عن ذكره المراجع والكتب الطوال، ولكنني المقصر في الحديث وأنتم أهل الكرم في قبول هذه السطور من ابن لكم وحفيد محب. وسلام عليكم يوم ولدتم ويوم انتقلتم ويوم تبعثون أحياء بين يدي الله تعالى وإلى جوار سيدنا ومولانا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وآله.

والحمد لله رب العالمين.