أسماء بنت عميس الخثعمية عليها رضوان الله وسلامه
بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار
مقدمة.
الحمد لله الذي قضى بحكمه ما شاء. الحمد لله الذي قدر الأقدار بين عباده كما يشاء. الحمد لله الذي خلق الخلق فاصطفى منهم من يشاء، لحكمة لا يعرفها غيره سبحانه وتعالى شاء بأمره ما شاء. الحمد لله القائل في محكم التنزيل، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10-12. وأشرف الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين، وتاج كائنات الله أجمعين، المبعثون رحمة مهداة من رب العالمين للعالمين، الذي أخرج الله تعالى به عباده من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط الله المستقيم، سيدنا وإمامنا ومولانا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله قائد الغر المحجلين وعلى أهل بيته الأطهار وآله الأخيار وقرابته وأصحابه النجباء وعموم الأنبياء والمرسلين أجمعين وبعد:
فلقد شاء الله عز وجل أن يصطفى من عباده ما شاء لهم، لحكمة وعلم هي له سبحانه وتعالى، هؤلاء الذين مهما كتب الكاتبون، وأرخ المؤرخون، وسطر المسطرون، وخلد التاريخ بحقهم ما خلد، فإنهم لن يوفوهم حقهم وقدرهم أبداً، ولن يستطيعوا أن يحصوا شمائلهم وخصائصهم. ذاك أن إصطفاء الله تعالى لهم فاق ويفوق قدرات من أراد أن يكتب عنهم. ولذلك كله ترى الأقلام تعجز، والمداد يجف، والعمر ينقضي دون أن تجد البشرية حصراً شاملاً وتأريخاً كاملاً لهؤلاء العظماء، والذي أراد الله تعالى أن يكون أعلاهم، سيد السادات الذين اصطفاهم رب العالمين، الذين قال بهم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.
اسمها ونسبها عليها رضوان الله وسلامه.
هي الصحابية الجليلة، شريفة قبيلة خثعم القبيلة العربية الأصيلة، سيدتنا أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله الخثعمية عليها رضوان الله وسلامه.
وأما نسبها، فقد اختلف النسابة في أسماء الآباء والأجداد، ولكنهم إتفقوا جميعاً على أنها من قبيلة خثعم المتأصلة، ذات الجذور العربية الأصيلة، فقال بعضهم: هي من قحطان، وقال غيرهم: من عدنان، ونورد أشهر الأقوال في ذلك.
-
القول الأول: قال الحافظ المؤرخ أبو نعيم أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني في "معرفة الصحابة": هي أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم. ثم قال: وهي أسماء بنت عميس بن مغنم (وقيل: معد) بن تيم بن مالك بن قحافة بن تمام، (وقيل: بن عامر) بن ربيعة بن خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان. (وقيل: قحافة) بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن شهران بن عفرس الخثعمية.
-
القول الثاني: جاء عند الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الشهير بـ"ابن سيد الناس" في "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير": هي عند ابن إسحق وعند أبي عمر، أسماء بنت عميس بن معد بن الحرث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو جماعة خثعم بن أنمار.
-
القول الثالث: خثعم بن أنمار بن أراش بن نزار بن معد بن عدنان.
-
القول الرابع: جاء عند الشيخ المؤرخ محمد أمين بن علي البغدادي في "سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب": أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد من القحطانية. وكان له من الولد خثعم والغافق وحَزيمة «بفتح الحاء المهملة» وصهيبة والغوث وعبقر وكل بنيه ما عدا خثعم. أمهم «بجيلة» بنت صعب بن سعد العشيرة وبها عرفوا. وأنجب خثعم حلفاً وأنجب حلف شهران وربيعة وناهس وعضرس، فكل بطون خثعم ترجع إلى هؤلاء الخمسة.
-
القول الخامس: خثعم: لقب قبيلة عدنانية، وهم أخوة قبيلة (بجيلة) من ناحية أبيهم أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، فالثابت بالمراجع أن أنمار تزوج هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عك من قبيلة الأزد الشهيرة، فأنجب أقيل (أو أفتل) ولقبه خثعم، وهو أبو قبيلة خثعم. و(خثعم) أسم جمل لأقيل بن أنمار، فصار يعرف به. وتضيف المراجع أنه يقال: أن أبناء أقيل بن أنمار تخثعموا بدم بعير، فصاروا يعرفون باسم (خثعم)، وتخثعموا بلغتهم تعني تلطخوا بالدم.
والقول والأول والرابع هما ما أراهما أقرب للحقيقة في النسب، فقد أثبتت غالبية المراجع التاريخية الموثقة، أن نزار بن معد بن عدنان قد كان له من الأبناء ثلاث، هم: ربيعة وأنمار وإياد. والله أعلم.
وتقع ديار خثعم حالياً على طريق (الطائف / أبها) مما يلي بلاد غامد ورجال الحجر، ولا زالت آثارها باقية حتى اليوم هذا حيث يمر السائر على طريق السراة، فيمر بقاعدة خثعم ثم تميل ديارهم إلى تهامة غرباً ثم إلى مدينة بيشة جنوباً ومنها إلى مدينة خميس مشيط.
أمها وأخواتها.
أما أمها فهي هند بنت عوف بن زهير بن الحرث (وقيل: الحارث) بن حماطة بن جرش الحميرية. وقيل في نسبها: هي هند بنت عوف بن الحارث وهو حماطة ابن ربيعة بن ذي جليل بن جرش واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبدشمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن غريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير وهو العرنج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قيل عنها: "أكرم امرأة في الأرض أصهاراً". وقيل عنها: "الجرشية أكرم الناس أحماءً". وجرش من اليمن. وقيل عنها: "أكرم عجوز في الأرض أصهاراً". فأصهارها: (الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وساداتنا أبو بكر الصديق، وأسد الله وأسد رسوله سيد شهداء ولد آدم الحمزة بن عبدالمطلب، وساقي الحرمين الشريفين العباس بن عبدالمطلب، وذو الجناحين جعفر بن أبي طالب، وأبو السبطين علي بن أبي طالب، عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه وبركاته). وبناتها التسع وهن أخوات السيدة أسماء بنت عميس الخثعمية الثمان، أم آل جعفر بن أبي طالب عليهما رضوان الله وسلامه:
-
زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أم المؤمنين (أم المساكين) زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبدالله بن عمرو بن عبدمناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية العامرية، تزوجها عليه وآله الصلاة والسلام بعد زواجه بالسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب عليهما رضوان الله وسلامه، في رمضان سنة ثلاث من الهجرة بعد استشهاد زوجها (ابن عم سيدنا ومولانا رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم) سيدنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب عليه رضوان الله وسلامه في غزوة بدر. وانتقلت إلى الرفيق الأعلى في ربيع الآخر سنة أربع من الهجرة عليها رضوان الله وسلامه. ولم تمكث عنده سوى ثلاثة أشهر وقيل أربع وقيل ثمان على أصدق الروايات. وهي ثاني الزوجات اللآتي انتقلن إلى الرفيق الأعلى بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم بعد السيدة الطاهرة أم المؤمنين سيدتنا خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله وسلامه. وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت أول أمهات المؤمنين إنتقالاً إلى الرفيق الأعلى بالمدينة المنورة، وضريحها اليوم ببقيع الغرقد، وهي أول من دفن به من أمهات المؤمنين عليهن رضوان الله وسلامه أجمعين. وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية من أمها.
-
زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية وكانت آخر من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها ختمت أمهات المؤمنين عليهن رضوان الله وسلامه، تزوجها صلى الله عليه وآله وسلم بعد عمرة القضاء والتي كانت عن عمرة الحديبية في السنة السابعة للهجرة بعد أن لحقت به إلى "سرف" وأسماها ميمونة بعد أن كان اسمها (برة)، وكان عمرها ست وعشرون سنة، بعد أن وهبت نفسها له صلى الله عليه وآله وسلم وجعلت أمرها بيد شقيقتها "أم الفضل" لبابة الكبرى زوج سيدنا العباس بن عبدالمطلب عليهم رضوان الله وسلامه، فحدثته عنها، ثم جعلت لهأمرها، فنزل بها قول الله تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الأحزاب/50، وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد انتهى من عمرة وانتهت الأيام الثلاث التي نص عليها عهد الحديبية، فأوكل صلى الله عليه وآله وسلم مولاه "أبا رافع" بمكة المكرمة لتلحق به صلى الله عليه وآله وسلم في صحبته، فلحقت به في "سرف". فلما انتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى عادت السيدة الطاهرة إلى قبتها في "سرف" وبها توفيت سنة إحدى وخمسين بسرف ولها ثمانون سنة، ودفنت في موضع قبتها الذي كان فيه عرسها، وضريحها اليوم على مسافة تقرب من خمس كيلومترات، يمين الداخل إلى مكة المكرمة من جهة التنعيم محاط ضريحها بسور لا يعرفه إلا القلة، عليها رضوان الله وسلامه. وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية لأمها هند بنت عوف، وشقيقة زوجه صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت خزيمة عليهن رضوان الله وسلامه أجمعين.
-
سلمى بنت عميس الخثعمية، زوج سيد الشهداء الهزبر الأعظم الحمزة بن عبدالمطلب عليه ضوان الله وسلامه وبركاته وأم ابنته أمامة عليها رضوان الله وسلامه (والتي زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لربيبه (ابن أم المؤمنين أم سلمة) سلمة بن (أبي سلمة) عبدالله بن عبد أسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وكان أبوه (أبو سلمة) من ذوي الهجرتين، وهو ابن عمة النبي عليه وآله الصلاة والسلام، برة بنت عبدالمطلب بن هاشم عليهم رضوان الله وسلامه، وأخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما ثوبية مولاة أبي لهب). ثم خلف على سلمى الصحابي الجليل شداد بن أسامة بن الهاد رضي الله عنه بعد استشهاد أسد الله ورسوله عليه رضوان الله وسلامه. وهي شقيقة أسماء بنت عميس الخثعمية أباً وأماً.
-
سلامة بنت عميس الخثعمية، زوج سلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الصحابي الجليل عبدالله بن كعب بن عبدالله بن كعيب بن منبه بن الحارث بن منبه بن الأوس الخثعمي، ولدت له آمنة بنت عبدالله بن كعب، فتزوجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له صالحاً الأصغر وأسماء ولبابة ابنتي عبدالله الجواد بن جعفر الطيار بن أبي طالب بن عبدالمطلب. وهي شقيقة أسماء بنت عميس الخثعمية أباً وأماً.
-
أم الفضل، لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية، أول امرأة أعلنت إسلامها بعد سيدتنا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله وسلامه وبركاته، وهي زوج ساقي الحرمين سيدنا العباس بن عبدالمطلب بن هاشم عليهم رضوان الله وسلامه وأم بنيه. وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية من أمها. وشقيقة أم المؤمنين (برة) ميمونة بنت الحارث عليها رضوان الله.
-
لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية، زوج الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، وهي أم سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد بن المغيرة رضي الله عنه وأرضاه. وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية من أمها. وشقيقة أم المؤمنين (برة) ميمونة بنت الحارث عليها رضوان الله.
-
عصماء بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية، زوج أُبيُّ بن خلف الجمحي. وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية من أمها، وشقيقة أم المؤمنين (برة) ميمونة بنت الحارث عليها رضوان الله.
-
عزة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية، زوج زياد بن عبدالله بن مالك الهلالي. وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية من أمها، وشقيقة أم المؤمنين (برة) ميمونة بنت الحارث عليها رضوان الله أجمعين.
فحق لهذه المرأة العربية، ونعني "هند بنت عوف" أن تنال لقب "أشرف نساء العرب أصهاراً"، كيف لا وبناتها التسع عند أعظم رجال الأرض، يعلوهم جميعاً سيد كائنات الله وأشرف مخلوقاته الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بابنتين من بناتها.
إسلامها وهجرتاها.
أسلمت عليها رضوان الله وسلامه قبل دخول سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم بمكة المكرمة، وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها سيدنا جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، ثم هاجرت معه وبنيها عبدالله الجواد ومحمد وعون عليهم رضوان الله وسلامه إلى المدينة المنورة يوم فتح خيبر سنة سبع للهجرة، فكان بعض الناس يقولون لمن هاجروا إلى المدينة المنورة من الحبشة: "نحن سبقناكم بالهجرة"، فأحزن هذا أسماء بنت عميس الخثعمية ومن كانوا معها، فدخلت يوماً على أم المؤمنين سيدتنا حفصة بنت الفاروق عليهما رضوان الله وسلامه زائرة، فدخل سيدنا عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: "من هذه؟" قالت: "أسماء بنت عميس"، فقال عمر: "آلحبشية هذه؟ آلبحرية هذه؟" فقالت أسماء: "نعم"، فقال عمر: "سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم"، فغضبت، وقالت: "كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في أرض البعداء، البغضاء في الحبشة، وذلك في الله، وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شراباً، حتى أذكر ما قلت لرسول الله، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله وأسأله، ووالله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك"، فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: "يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان"، تقول أسماء: "فلقد رأيت أصحاب السفينة يأتونني إرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم، مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
كانت عليها رضوان الله وسلامه شخصية إيجابية، تتحرك حباً في الله ولدينه ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وطلباً للعلم. ومما يروى عنها، أنها لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: "هل نزل فينا شيء من القرآن؟" فقيل لها: "لا"، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: "يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار"، فقال عليه وآله الصلاة والسلام: "ومم ذلك؟" فقالت: "لأنهن لا يذكرن بالخير كما يذكر الرجال"، فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب/35. وهذه رواية ذكرها الحافظ المفسر أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد البغوي في تفسيره "معالم التنزيل في تفسير القرآن" المسمى "تفسير البغوي". وقال الحافظ الفقيه المحدث المفسر أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير في "تفسيره" و العالم المحدث إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الآملي الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" المسمى "تفسير الطبري": بل نزلت في سؤال أم المؤمنين أم سلمة عليها رضوان الله وسلامه.
ترملها وأزواجها.
لم يكد ينقضي عام على مقامها عليها رضوان الله وسلامه مع زوجها جعفر في المدينة المنورة، وذلك في العام الثامن من الهجرة، حتى استشهد زوجها سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه في مؤتة، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا أسماء أين بنو جعفر؟" تقول أسماء عليها رضوان الله وسلامه: "فجئت بهم إليه، فضمهم وشممهم ثم ذرفت عيناه فبكى"، فقلت: "أي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء"، قال: "نعم، قتل اليوم"، قالت: "فقمت أصيح، فاجتمع إلي النساء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أسماء لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً"، قالت: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تقول: "واعماه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على مثل جعفر فلتبك الباكية"، ثم قال: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم".
وبعد عام من مؤتة، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر من أسماء بنت عميس الخثعمية، وذلك يوم حنين. وفي حجة الوداع خرج سيدنا أبو بكر الصديق حاجاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجت أسماء معه، حتى إذا أتى ذا الحليفة، ولدت أسماء محمداً بن أبي بكر الصديق عليهم رضوان الله وسلامه، واحتاجت أن ترسل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسأله ماذا تفعل؟، فأتى أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فأمره أن يأمرها أن تغتسل، ثم تهل بالحج، وتصنع ما يصنع الناس، إلا أنها لا تطوف بالبيت.
انتقل الصديق بعد أربع سنوات تقريباً من زواجه منها إلى الرفيق الأعلى، وأوصى لما حضره الموت أن تغسله، فغسلته. فلما انقضت عدتها تزوجت بعده أمير المؤمنين سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب عليهم رضوان الله وسلامه، فولدت له يحيى، وقيل عنه: "إنتقل قبل أبيه علي" ولا عقب له. ويقال أنها أنجبت له، يحيى وعوناً، والقول الأول أصح عند أهل العلم والنسب والله تعالى بذلك أعلم.
ومن أبنائها رضاعة، عبدالله بن النجاشي أصحمة بن أبجر ملك الحبشة العادل، أرضعته مع ابنها عبدالله الجواد بن جعفر عليه رضوان الله وسلامه. وقال المؤرخ أبوعبد الله مصعب الزبيري في "نسب قريش" (1/28): (لما هاجر جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، حملت امرأته أسماء بنت عميس؛ فولدت له هناك أسماء بنت عميس: عبدالله، ومحمداً، وعوناً. ثم ولد للنجاشي، بعدما ولدت أسماء بنت عميس ابنها عبدالله بأيام؛ فأرسل إلى جعفر: "ما سميت ابنك؟" قال: "عبدالله"؛ فسمى النجاشي ابنه عبدالله؛ وأخذته أسماء، فأرضعته حتى فطمته بلبن عبدالله بن جعفر. ونزلت بذلك عندهم منزلة؛ فكان من أسلم بالحبشة يأتي أسماء بعد، يخبر خبرهم) انتهى كلام الزبيري رحمه الله.
أقوال مغرضة يثيرها أهل الجهالة والضلال.
تأسف الروح وتقتل بألم عندما تسمع من أهل الجهالة والضلال بعض الأقوال التي ينثرونها هنا وهناك دون علم ولا دراية، ومن تلك، ذلك القول الوضيع القائل: أن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر ذات يوم إلى سيدتنا أسماء بنت عميس عليها رضوان الله وسلامه بعد أن استشهد سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه فأعجب بها وأرادها لنفسه ثم عدل عن ذلك وزوجها لسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ونقول بحق ذلك القائل، حسبنا الله ونعم الوكيل، وعليك من الله ما تستحق، وأنت تتهم وتضع بسيد الأخلاق صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يليق به. ولكن وللرد على تلك الأقوال المشينة بالأدلة الدامغة بعد تزكية الله تعالى لحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم، القائل بحقه جل وعلا: (إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) الحج/67، والقائل جل شأنه وتعالى ذكره: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4، وقوله تعالى عز وجل: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) الطور/48، نقول:
-
إن الثابت عند جميع أهل العلم أن الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان قد تزوج بسيدتنا أم المؤمنين (أم المساكين) زينب بنت خزيمة الحارث بن عبدالله بن عمرو بن عبدمناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وكان زواجه منها في رمضان سنة ثلاث من الهجرة وانتقلت إلى الرفيق الأعلى في ربيع الآخر سنة أربع من الهجرة عليها رضوان الله وسلامه. وهي أخت أسماء بنت عميس من أمها.
-
إن الثابت عند جميع أهل العلم أن الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبعد عمرة القضاء والتي كانت عن عمرة الحديبية في السنة السابعة للهجرة تزوج من سيدتنا أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية بعد أن لحقت به إلى سرف وأسماها ميمونة بعد أن كان اسمها (برة)، وكان عمرها ست وعشرون سنة، وكانت آخر من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبها ختمت أمهات المؤمنين عليهن رضوان الله وسلامه، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى سنة إحدى وخمسين بسرف ولها ثمانون سنة، ودفنت في موضع قبتها الذي كان فيه عرسها، عليها رضوان الله وسلامه.
-
أن الزوجتان الشريفتان أمهات المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة والسيدة ميمونة بنت الحارث عليهن رضوان الله وسلامه، إنما هن بنات هند بنت عوف، وهي التي سبق ذكرها، وهي أم السيدة أسماء بنت عميس الخثعمية عليها رضوان الله وسلامه.
-
كان استشهاد سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، وهذا يعني أن ترمل السيدة أسماء بنت عميس الخثعمية كان في تلك السنة، وبالتالي فإن قول هؤلاء الضالين عليهم لعائن الله لا يمكن حدوثه لا من حيث أخلاق الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حتى من حيث الفترة الزمنية، حيث أن ترملها كان في الوقت التي كانت به أختها من أمها السيدة ميمونة بنت الحارث زوجاً للحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وبقيت كذلك عنده إلى أن انتقل الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى. فهل جاز في الإسلام جمع الأختين ليجمعهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت واحد!.
وفي هذا قدر الكفاية في الرد على هؤلاء الضالين المضللين عليهم لعائن الله.
علاقتها عليها رضوان الله بالسيدة الزهراء وزوجها وبنيها عليهم رضوان الله وسلامه.
كانت السيدة أسماء بنت عميس الخثعمية عليها رضوان الله وسلامه، تحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حباً جماً وكان قلبها معلق بآل البيت جميعاً، ولذا فقد سمت اثنين من أبنائها باسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (محمد الأكبر بن جعفر) و(محمد بن أبي بكر). وكانت مذ أن هاجر إلى المدينة المنورة إلى جانب بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه، ومن ذلك ما رواه البعض عن مجاورتها للبضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه يوم زفافها بناء على وعد سابق قطعته على نفسها أمام أمها سيدتنا ومولاتنا الحبابة خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله وسلامه عندما قرب إنتقالها إلى الرفيق الأعلى. وكان ممن ذكر ذلك، النسبة المؤرخ أبو بكر ظهير الدين أحمد بن الحسين بن علي بن عبدالله البيهقي الشهير بـ"ابن فندق" في "لباب الأنساب والألقاب والأعقاب" في قصة زواج السيدة البضعة الطاهرة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما رضوان الله وسلامه، فقال: (فقالت أسماء: أنا التي أحرس ابنتك، فإن الفتاة ليلة بناها لابد لها من امرأة تكون معها قريبة منها، إن عرضت لها حاجة أفضت إليها، فقال صلى الله عليه وآله: فإني أسأل الله تعالى أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم). ولنا أن نتوقف عند ما ذكره ابن فندق رحمه الله، كوننا نرى أن في ذلك خطأ تاريخي. نبينه على النحو التالي:
-
أن الثابت أن زواج سيدتنا البضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه بسيدنا أمير المؤمنين علي عليه رضوان الله وسلامه قد كان في السنة الثانية للهجرة. بدليل أنها عليها رضوان الله وسلامه قد أعقبت خمساً من الأبناء ساداتنا (الحسن والحسين ومحسناً وزينب وأم كلثوم) عليهم جميعاً ووالديهم رضوان الله وسلامه وبركاته، وجميعهم كانوا تحت عين الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقبل إنتقاله إلى الرفيق الأعلى والذين كان بما أثبته أهل العلم في الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشر للهجرة، وذلك أن حجة الوداع كانت في السنة العاشرة للهجرة.
-
أن الثابت، هو قدوم سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه قد كان في السنة السابعة للهجرة، وهي السنة التي وقعت بها غزوة خيبر، وهذا موثق مثبت عند أهل الصحاح والتاريخ.
-
مما تقدم، فإن الأخذ بقول ابن فندق وغيره يقتضي أن يكون قدوم السيدة أسماء بنت عميس عليها رضوان الله في السنة السابعة، وأن يكون – على أقل تقدير – زواج سيدتنا البضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه وبركاته في السنة السابعة، كي يتحقق قول ابن فندق في بقاء أسماء إلى جوار سيدتنا فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه يوم زفافها، وبالتالي فإن ميلاد أبن سيدتنا فاطمة الزهراء، سيدنا الحسن السبط عليهما رضوان الله وسلامه يقتضي أن يكون في السنة الثامنة، وفي التاسعة ميلاد سيدنا الحسين وفي العاشرة ميلاد سيدنا محسن وفي الحادية عشر ميلاد سيدتنا زينب وفي الثانية عشر ميلاد سيدتنا أم كلثوم عليهم جميعاً رضوان الله وسلامه وبركاته، وهذا باطل لا أساس له ولا صحة فيه.
-
الدليل الثاني في إثبات خطأ ابن فندق رحمه الله، أن سيدتنا البضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه وبركاته قد لحقت بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم بعد أشهر قلائل من إنتقاله عليه وآله الصلاة والسلام، وهذا يقتضي عدم ميلاد سيدتنا أم كلثوم عليه رضوان الله وسلامه، والتي يجب أن يكون ميلادها في السنة الثانية عشر حسب قول ابن فندق المذكور، وهذا باطل أيضاً لا أصل له.
-
الدليل الثالث، أن الثابت، هو ما أوصت به سيدتنا البضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه لابنتها العقيلة سيدتنا زينب عليه رضوان الله وسلامه عند إنتقالها إلى الرفيق الأعلى، والثابت أن عمرها آنذاك قد كان خمس سنوات، بدليل أن إنتقال سيدتنا الزهراء عليها رضوان الله وسلامه كان في السنة الحادية عشرة للهجرة، وكان ميلاد العقيلة في السنة السادسة للهجرة. فلو أخذ بكلام ابن فندق لكان من المفترض أن يكون ميلاد العقيلة عليها رضوان الله وسلامه في السنة الحادية عشرة للهجرة، فإن كان في نصفها الأول، كان ميلادها وكان عمرها عند الإنتقال شهر أو شهران، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يصح معه أن سيدتنا الزهراء عليها رضوان الله وسلامه قد أوصتها وهي بهذا السن. وأما إن كان في النصف الثاني من تلك السنة، فتكون بالأصل لم تولد بعد، وتم إنتقال سيدتنا الزهراء عليها رضوان الله وسلامه قبل ميلاد العقيلة وشقيقتها أم كلثوم عليهما رضوان الله وسلامه، وهذا باطل بكل المقاييس.
عليه، نستخلص أن ما أورده ابن فندق وقاله غيره بشأن بقاء سيدتنا أسماء بنت عميس الخثعمية إلى جوار سيدتنا فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه يوم زفافها، لا صحة له ولا أصل له، وإنما هو خطأ لا يؤخذ به. وقد أثبتنا ذلك فيما أوردنا من أدلة وتحليلات، وبها قدر الكفاية.
ولكن الصواب، أن السيدة أسماء بنت عميس الخثعمية قد عاشت منذ هجرتها إلى إلى المدينة المنورة في خدمة سيدتنا فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى عليها رضوان الله وسلامه، وشاركت مع سيدنا علي وساداتنا الحسن والحسين وأبنها عبدالله بن جعفر عليهم رضوان الله وسلامه في تلك الليلة التي فقدت بها الأمة النور بضعة النور عليها رضوان الله وسلامه، وذلك بناء على وصية أوصتها لها، وكانت سيدتنا أسماء هي أول من أشار بنعش المرأة، وأول ما صنعته للسيدة فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه، فبات من بعدها سنة للنساء أجمعين، وهو على شكل هودج، رأت النصارى يصنعونه بالحبشة، وكانت قد قالت لأسماء: "إني أستقبح ما يصنع بالنساء، (تقصد حين موتهن) يطرح على المرأة الثوب فيصفها"، فقالت أسماء: "يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟"، فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت سيدتنا فاطمة: "ما أحسن هذا، وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد علي" عليهم رضوان الله وسلامه.
وكانت سيدتنا أسماء بنت عميس عليها رضوان الله ممن يسألن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل شأن يعن لها أو واقعة تريد حكم الدين فيها. فكان من ذلك مالاحظته من ضمور أحساد أبنائها من سيدنا جعفر عليه رضوان الهو وسلامه، وقد سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات مرة: "ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ أتصيبهم الحاجة؟" قالت: "لا، ولكن تسرع العين إليهم"، وبادرت إلى سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أفأرقيهم؟" قال: "وبماذا؟" قالت: "فعرضت عليه"، فأذن لها أن ترقيهم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين". فكان ذلك – أي كثرة وسرعة التعرض للعين والإصابة بها – مما بقي في جميع بني آل الطيار ليومنا هذا، وهو أمر معروف عند أهل العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالهِ.
ألقابها عليها رضوان الله.
أما ألقابها عليها رضوان الله، فقد كانت تلقب بالعديد من الألقاب الحسنة التي ما نلتها إعتباطاً بل حقيقة موثقة، فقيل عنها عليها رضوان الله وسلامه، هي:
-
(ذات الهجرتين): فقد هاجرت إلى الحبشة والمدينة المنورة.
-
(زوج الخليفتين): فإنها زوج سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا ومولانا علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه وبركاته.
-
(زوج الأخوين): فهي زوج الهزبر شهيد مؤتة سيدنا جعفر بن أبي طالب، وصنديد بني هاشم سيدنا علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه وبركاته.
-
(زوج الشهيدين): فكلاهما أبناء أبي طالب شهداء عند ربهم يرزقون عليهم رضوان الله وسلامه، فهذا شهيد مؤتة، وهذا شهيد على يد ابن ملجم لعنة الله عليه.
-
(أم المحمدين): محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر الصديق عليهم رضوان الله وسلامه.
-
(أخت أمهات المؤمنين): وهما أم المؤمنين زينب بنت خزيمة (أم المساكين)، وأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، آخر من تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعليهم رضوان الله وسلامه.
-
(خالة بني سيد الشهداء): فهي أخت سلمى بنت عميس الخثعمية زوجة سيد الشهداء الهزبر حمزة بن عبدالمطلب عليهم رضوان الله وسلامه.
-
(خالة بني العباس): فهي أخت أم الفضل لبابة الكبرى زوجة ساقي الحرمين العباس بن عبدالمطلب عليهم رضوان الله وسلامه من أمها.
-
(خالة سيف الله المسلول): فهي أخت لبابة الصغرى أم سيف الله المسلول خالد بن الوليد، عليه رضوان الله.
فأي نسب وأي مكانة شرف الله به هذه المرأة العريقة العظيمة أم آل جعفر الطيار بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، دون ما شرف به عظيمات أهل البيت النبوي الشريف عليهن رضوان الله وسلامه وبركاته ورحماته.
وفاتها عليها رضوان الله.
لقد ظلت عليها رضوان الله على مستوى المسئولية التي وضعت لأجلها، زوجة لأمير الشهداء، ولأول الخلفاء الراشدين، ولآخرهم عليهم رضوان الهح وسلامه، وكانت على قدر هذه المسئولية لما كانت تمر عليها من الأحداث الجسام، حتى جاء على مسمعها مقتل ولدها محمد بن أبي بكر، فتلوّت من الحزن والألم عليه، وعكفت في مصلاها، وحبست دمعها وحزنها، حتى شخب ثدياها (سال منهما) دماً. وتمر الأيام، وتتوالى الأحداث، حتى تأتيها الفاجعة الأخيرة في حياتها، وينعى إليها زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، فأوجعتها المصيبة وكانت لها في مقتلها، فقد فقدت من قبله أخوه سيدنا جعفر بن أبي طالب شهيداً في مؤتة، وهاهي تفقد الآخر شهيداً بيد الغدر عليهم رضوان الله وسلامه. بل وكان فقدها فقد الأمة، بإنتقال الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى أعظم المصائب في حياتها وحياة الأمة، ومن بعده فقدها للبضعة الطاهرة التي ما كانت تغادرها عليها رضوان الله وسلامه، وفقدها زوجها خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا أبو بكر الصديق عليه رضوان الله، وكل تلك تحملتها بثبات وإحتساب، وراحت تكتم أحزانها، وتطوي آلامها إلى أن أسلمت روحها الطاهرة لبارئها عز وجل، وتوفيت نحو أربعين للهجرة والله أعلم، بعد أسابيع قليلة من إستشهاد سيدنا أمير المؤمنين علي عليه رضوان الله وسلامه، على ما ترويه مراجع التاريخ. فعليها رضوان الله وسلامه وبركاته يوم ولدت ويوم إنتقلت ويوم تبعث بين يدي مولاها جل وعلا.
ولقد وقفت على موضع ضريحها عليها رضوان الله فلم أجد مرجعاً ثقة مما قرأت يمكن معه تأكيد موضع مرقدها، ولذا توقفت عن ذلك. إلا أني لا أعتقد قط خروج مرقدها عن المدينة المنورة، وهي صاحبة الهجرتين، وحبيبة آل البيت. فلا أظن قط أن تكون قد فضلت الخروج من المدينة المنورة والابتعاد عنها وهي تعلم مكانتها عند الله تعالى، ولا الابتعاد عن بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وآل بيته في الحجرات وبقيع الغرقد، ولا أن تفارق زوجها أمير المؤمنين بعد رحيله لتنتقل إلى دمشق الموقع الذي خرجت منه الجيوش التي لاقت زوجها من قبل وقاتلته عليه رضوان الله وسلامه. ولذا فإني أرى أن الصواب هو عودتها إلى المدينة المنورة بعد استشهاد سيدنا أمير المؤمنين علي عليه رضوان اله وسلامه وبها كان ضريحها في بقيع الغرقد بالمدينة المنورة والله تعالى بذلك أعلم.
وبذات الوقت وجدت أن الكثير من أهل الطائفة الشيعية قد ذكروا أن ضريحها يقع إلى جوار ضريح سيدنا بلال بن رباح رضوان الله عليه، مؤذن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ضمن الأضرحة الموجودة في دمشق، والتي ذكر منها ضريح سيدنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وسيداتنا زينب بن علي وأم المؤمنين أم سلمة، وأم حبيبة زواج المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وعليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وهو الأمر الذي أنفيه كما نفته المراجع الثقات بكل الأدلة والشواهد، وأنفي معه وجود ضريح السيدة أسماء بنت عميس الخثعمية في دمشق، والله تعالى أعلم.
روايتها عليها رضوان الله للحديث الشريف.
روى الحديث الشريف عنها عليها رضوان الله وسلامه ساداتنا عمر بن الخطاب، وعبدالله بن عباس، وابنها عبدالله الجواد بن جعفر، وابن أختها عبدالله بن شداد بن الهاد، وعبيد بن رفاعة، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبدالرحمن، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وأبو زيد المدني، وعبد الله بن باباه، وقيس بن أبي حازم، والشعبي، وفاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.
وأسند عنها الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وقال الإمام أبي محمد علي بن حزم الأندلسي في "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد": "لها ستون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعدها الرقم ست وخمسون في ترتيب الصحابة من حيث الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وروى عنها: عبدالله بن عباس، وزيد الخثعمي (في الترمذي)، وسعيد بن المسيب (في النسائي)، وابنها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (عند أبو داود وابن ماجة)، وابن أختها عبدالله بن شداد بن الهاد عبيد بن رفاعة (في الترمذي والنسائي)، وعتبة بن عبدالله (في الترمذي)، وعروة بن الزبير (عند أبو داود)، وابن ابنها القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (في النسائي)، أبو بردة بن أبي موسى الأشعري (في النسائي)، وأبو يزيد المديني (في خصائص علي)، ومولى لمعمر التيمي (عند ابن ماجة)، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب (في النسائي)، وفاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (في النسائي)، وبنت ابنها أم عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب (عند ابن ماجة) وغيرهم الكثير الذين صعب حصرهم. فعليها وعليهم رضوان الله وسلامه إلى يوم يبعثون.
والحمد لله رب العالمين.