منهجية وقواعد دراسة علم الأنساب

الكاتب مركز الدراسات والبحوث بتاريخ .

علم الأنساب: قال ابن حزم الأندلسي علم النسب علم جليل رفيع، إذ به يكون التعارف، وقد جعل الله تعالى جزءاً منه تعلمه لا يسع أحداً جهله، وجعل تعالى جزءاً يسيراً منه فضلاً تعلمه، يكون من جهله ناقص الدرجة في الفضل، وكل علم هذه صفته فهو علم فاضل، لا ينكر حقه إلا جاهل أو معاند (1).

إن علم الأنساب من المواضيع الهامة في حياة الناس وهو كذلك ذو معطيات مخصوصة ومبهمة في ذات الوقت، فعلى الرغم من أهميته الكبيرة التي أكد عليها القرآن الكريم بنصوص الآيات الكريمة والواضحة والصريحة والأحاديث النبوية الشريفة عن لسان الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا إن فيه الإشكالات الكثيرة والمآخذ المتشعبة التي يتعرض إليها من يخوض غمار هذا العلم الحساس الدقيق، إن كان سائلاً أم طالباً، عالماً أو متعلماً، صادقاً أم مدعياً، لذلك وجب علينا وعلى كل من هؤلاء مراجعة أسس وقواعد تطبيقات هذا العلم على أرض الواقع قبل خوض أي منا غمار هذا العلم الهام، ويتوجب علينا كذلك شرح هذه الأسس والإشكالات ومعالجتها.

ونحن هنا بصدد تفسير ماهية علم النسب وأهميته، على الرغم ممن اجتهد وكتب فيه علماء وعباقرة عبر التاريخ، وأسسوا قوانين وضوابط لهذا العلم وأرسوا له قواعد اتفق العلماء والنسابة بتداولها فيما بينهم وقدموها للبشرية على طبق من ذهب، وأصبحت بين أيدينا نواميس لا يستطيع أحد أن يحيد عن اقتفاء هذه الأصول أو محاولة تقليدها بكل إتقان أو الخوض فيها دون دراسة مستفيضة لهذه المنهجية الهامة في هذا العلم إلا أن يأتي من يطور ويزيد فيها دون الحياد والمساس بأصولها.

المنهجية والتنظيم: هي أساس بناء قواعد قوية لا تسمح بأي ثغرات أن تخترق هذا البناء، ففي نظري تكمن أهمية المنهجية في الدراسة والبحث على أساس أنها الجسم والعمود الهيكلي في تطوير هذا العلم، فهناك قوى كثيرة مؤثرة على أصول البحث وهي مضادة لها في الاتجاه أحياناً فهي ليست محكومة بمعلومة صغيرة أو كبيرة أو بكم من معين حتى يقنع القارئ أو الدارس بحد الإشباع من أي اتجاه.

إن رأي كثير من المهتمين في هذا الباب من علماء أو ناسبين أو غيرهم أن مقياس تأهيل الشخص للخوض في البحث لا تشفع له قراءة المصادر الكثيرة مهما كثر عددها، ما لم ينهل منها بشكل صادق وصحيح ومنطقي، حتى يتمكن من أن يورد المعلومة المطلوبة في مكان حاجتها عند البحث عنها والعودة إليها، ولا أن يطالع سيل المعلومات والروايات عشوائيا دون ترابط، لأنه فعلياً كلمة (العشوائية) هي الكلمة المناقضة لكلمة (المنهجية) السليمة.

إن محور وضع هذه النواميس والمنهجية السليمة في هذا العلم أتت في الأصل بعد مجيء الإسلام، وخاصة أن نبي الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الكرام قد خصهم الله تعالى بجانب الاهتمام والرعاية المطلقة من خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي أتت على ذكر انساب آل البيت الأطهار صلوات الله عليهم دون كثير من الأنساب الأخرى من عرب وعجم، لما في ذلك من خطر جسيم من الداخلين إلى هذا النسب دون حق أو حجة أو بينة شرعية موثوقة أو وثيقة أو شهرة، وما لذلك من عواقب ولعنة من الله تعالى ورسوله عليهم وعلى من يعاونهم في الدخول في نسب آل البيت الشريف دون وجه حق، وللحرمة المطلقة من الله تعالى ووعيده باللعنة إلى يوم الدين، لأن العمل الصالح يأتي بالمرتبة الأولى ويتبعه نسبه الهاشمي ثم غيره من الأنساب، فمن كان مؤمناً ومن أهل البيت فقد جمع الله له شرف الإيمان وشرف النسب، ومن ادعى هذا النسب الشريف وهو ليس منه فقد ارتكب أمراً إمرا وجرماً محرماً وأغضب الله تعالى الذي توعده بحديث حبيبنا المصطفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لعن الله الداخل في النسب بلا نسب والخارج منه سبب)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (لعن الله الداخل في آل محمد بلا نسب والخارج من آل محمد بلا سبب)، وأحاديث تحريم انتساب المرء إلى غير أصله أو مواليه كثيرة. ففي صحيح البخاري عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أعظم الفري أن يدّعي الرجل إلى غير أبيه أو يروي ما لم ترَ عينه، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يُقَل)، وليس ذلك فحسب بل أيضاً إن الله تعالى يحاسب جميع البشر على أعمالهم قبل أنسابهم، فلا يظنن أحدٌ من الناس أن نسبه فوق أي شيء، كلا بل عمله هو منجيه أو غامسه في نارٍ جهنم، قال البخاري: (من لم يسرع به عمله لم يسرع به نسبه).

إن التدريب والدراسة والخبرة لهما تأثير كبير على منطق الباحث وعلى تنمية أسس أفكاره حتى يتمكن من الخوض في هذا العلم دون عوائق قد تعتري طريقه، فمن غير الممكن أن يخرج أي إنسان إلى مضمار عمله دون فترة تدريب مناسبة طولها يطيل من سني خبرته، وقصرها يزيد من إرباكه ووقوعه في الخطأ، كذا هو حال علم الأنساب، فمسألة التقاط بعض المعلومات والأخبار عشوائياً أو قراءة بعض الكتب وحفظ محتواها وسردها في أي محفل دون منهجيه، هو بلا شك دليل على قلة خبرة ساردها، ولا يأمنن صاحبها أن يُسأل عن أي معلومة بسيطة لم يسعفه حظه بمعرفتها، على الرغم من أنها قد تكون من أساسيات أو من أبجديات علم النسب، كأن يُسأل عن معنى (أم ولد) مثلاً أو عن أول من أفرد النسب بالتدوين؟ (2)؛ فيحار جواباً ولا يجد منفذاً ويضع نفسه في موقف يتمنى لو أنه لم يُسأَل!.

قال الباحثون: (إن المنهجية في البحث قد تعريها منهجية الدراسة، فقواعد بسيطة قد تفند ادعاءاً عظيماً لأسرة أو بيت من البيوتات دون أن يحسبوا لها حساباً، وشواهدنا كثيرة لا يسعها مجرى المقالة).

إن طريقة البحث والمنهجية في دراسة علم الأنساب ليست من البساطة بمكان، وكما يظن البعض كالمعرفة ومحاولة الإلمام، وهي كذلك ليست بمستحيلة أو صعبة الإدراك، فالنهج السليم الذي يسلكه طالب علم النسب، وصدقية البحث وإدراك أسرار المعلومات، واستنباط أعمدة الأنساب بالطريقة الشرعية دون تحيز أو محسوبية؛ فإنه في نظري هو النجاح الحقيقي الذي ينشده كل طالب علم، فليس كما يظن البعض أن قراءة هامشية في كتب الأنساب المطبوعة والمتوفرة في كل مكان أو قراءة كل ما يتعلق بالنسب هي التي تثريه في هذا الفن الدقيق، بل إن دراسة العلوم المرتبطة بهذا العلم وهي فروع كثيرة لا يمكن الإحاطة بها جميعها أو تفسير مكنوناتها بكل جهالة وبراءة، ولكن دراسة أي جزء أو جانب منها والاندماج في مضامينها بكل شفافية وحيادية كأن تُقرأ وتهضم بشكل علمي وعملي، على قدر ارتباط الطالب لتلك العلوم، وأن يستقيها بكافة جوارحه الحسية والعقلية فهو الأسلوب المنطقي الحقيقي لتلقي علم الأنساب وتطوير الخبرة المناسبة فيه.

ومن هذه المنهجية في دراسة هذا العلم الهام عدة أمور يجب على الدارس أن يأخذها باعتباره حتى يستقيم لديه ويتكامل استخلاصه لنتائج بحثه بكل شفافية واستقامة مستنداً على عدة عوامل محورية هامة ليستقيم واقعية النتاج.

المحور الأول من هذه العلوم هو: القرآن الكريم، إذ يجب الإلمام بوجهات نظر المشرع المقدس في مسألة النسب والانتساب وتطهير آل البيت وخصوصيتهم، إضافة لدراسة مستفيضة لتفاسير الآيات الكريمة للوقوف على تفسير أحوال الإدعاء والميراث والوصية والرضاعة والحرمات وغيرها مما لها رابط وثيق مع علم النسب.

المحور الثاني الذي يستدعي الانتباه أيضا أخذ رأي الفقهاء والمجتهدين في هذا المجال عن المسائل المتعلقة بالأنساب، لذا لابد من الاطلاع على الفتاوى الرسمية ورسائل المجتهدين والاستعانة بهم حتى لا يُهضم حق ويسود باطل.

المحور الثالث هو: التوقف مع اللغة العربية والنحو والصرف، فهي لغة القرآن ولغة التدوين، ومن هنا جاءت أهمية الإحاطة بالقواعد والنحو والصرف والمعاني الحقيقية لتفسير ما عسر من نصوص لغوية وألفاظ وتعابير، وذلك بالاستعانة بقواميس اللغة العربية.

المحور الرابع فهو: من البديهي ومن الحيثيات الموصوف بها علم الأنساب أنه علم تاريخ ورواية وسير، إذن فلابد من دراسة التاريخ الإقليمي والجغرافي للمنطقة العربية والإسلامية عموما، وتاريخ هجرات القبائل والأسر عبر التاريخ الإسلامي البعيد والحديث والإلمام بأسماء البلدان والمواقع القديمة والحديثة التي تغير بعضاً منها عبر الزمن، فالأسماء القديمة لأغلب المدن والأمصار صحفت إلى أسماء أخرى حديثة، ولابد للدارس من نظرة شاملة للحوادث التي مرت على هذه البلدان والأشخاص المؤثرين في تاريخ هذه الحقبة من أمراء وخلفاء ومعارك وحروب وما إلى ذلك والتي لها رابط مباشر أو غير مباشر أحياناً في التأثير على التدوين التاريخي لكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية في تلك المناطق.

المحور الخامس هو: علم الرواية والرواة، ففي علم الحديث الشريف يوجد رواة ومتون وأسانيد جميعها مرتبطة فيما بينها تحقق صحة الحديث عبر مصداقية رواته، لذلك فالعلم بأحوال هؤلاء الرواة وأرباب السير من أساس الأحكام الشرعية عامة، لذلك فان اعتماد المعلومة المنقولة يعتمد أساسا على روايتها، وصحتها متعلقة بكون راويها من الثقاة أم لا.

المحور السادس هو: دراسة علم التراجم والرجال، لأنه لا غنى لمن أراد تعلم علم الأنساب عن الاطلاع كتب السير والتراجم، لأنه اقرب العلوم من علم الأنساب، نظراً لما نرى أن معظم النسابين العالمين لهم باع في علم التراجم والرجال، والعكس من ذلك فإن من علماء الرجال من لهم دراية ومعرفة بأنساب الناس، وهذا نابع تقارب وتماس بين هذين العِلمَين، إلا إن لكل أمريء ما يجيده ويبرع فيه دون غيره.

لذلك أرى كما يرى الحذاق في هذا المضمار أنه لا يمكن الخوض في غمار علم دون معرفة من حذق وبرع فيه وأحاط بمكنوناته من الأولين والآخرين، لذا لابد من دراسة شاملة لتراجم النسابين وكل من كتب في هذا الفن مبسوطاً (3) وتشجيراً (4)، للوقوف على مصنفاتهم وما أحصوه من أنساب، وهذا ما تسعفنا به كتب الطبقات وهي كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها وليست هي موضوعنا.

المحور السابع هو: متن علم الأنساب الذي يتمثل بمجموعة من كبريات كتب الأنساب المعتبرة، والمتفق على كونها مناهج صالحة بسمعة أصحابها ونزاهتهم عن الغلو والمجاملة والتحريف، ومن أهم خواص هذه الكتب أنها تجمع بين قواعد علم النسب وبين التدوين والتراجم والسير، ويمكن اعتبارها مجتمعة بأنها قواميس متعددة المعلومات ومرتبطة فبما بينها في علم الأنساب ويكمل كل منها الآخر لتعدد ما تحويه من المعلومات الغنية في طبقات وأعمدة الأنساب.

ذكر أحد الباحثين السيد علي بن حسين الغريفي نقلاً عن والده السيد حسين بن علي بن محمد رضا الغريفي النسابة، قال: (إن المدونات الخطية والمصنفات التي صنفت في القرنين الماضيين وهي من المدونات المتأخرة هي المنجد في إثبات صحة الانتساب، وتعتبر حلقة الوصل بين النسب المدون قديما في كتب المتن وبين ادعاء الشخص للنسب، ورغم عدم الإحاطة بأنساب أل محمد صلوات الله عليهم وعلى أجدادهم لكثرة عددهم وتشعبهم وتراميهم في البلدان، إلا أن هذه المدونات هي المحدد الأهم لإجابة الإدعاء وهي القول الفصل في رأي النسابة، لذلك فإنها تأخذ النصيب الأوفر في الدراسة الكمية للأنساب من خلال رفد طالب علم الأنساب بمسميات نهايات الفروع المتأخرة؛ أو ما يصطلح عليها بالألقاب المتأخرة (5)).

قال: ولا ننسى أن بالإضافة إلى تطوير علمية الشخص بهذه المناهج الدراسية فلابد له من تطوير قدرتين أساسيتين يحتاجهما من أراد الولوج إلى علم الأنساب:

القدرة الأولى هي: قدرة الحفظ، ويتم تطويرها بحفظ بعض السور الطوال من القرآن الكريم.

والقدرة الثانية: هي ملكة الخط العربي؛ وهذه تُطور بالتمرين وبالاستعانة بكراسات الخط العربي وطرق الخط وأنواعه.

قال: (ويختلف التدرج في تلك المناهج قياساً بالإبكار في طلب هذا العلم، والقدرة على الاستيعاب وغير ذلك من المؤثرات).

قال: (ولعل من المؤثرات الغائبة عن عيون البعض هو طريقة تناول هذه المناهج، فليس كل ما يقرأ يقال، وليس كل المصادر تقرأ مثل بعضها، فلبعضها طرق عجيبة، فمنها ما يقرأ من الغلاف إلى الغلاف، ومنها ما يُحفظ، ومنها ما يستلزم أن ينقل كتابه لآتقان سبيل سرده، ومنها ما يقرأ للإطلاع لا غير، ومنها ما يستعان به عند الحاجة فقط، الخ..من عجائب طرائق الدراسة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الطرق ليست ثابتة أو واجبة، بل هي مجرد طرق مبتكرة، يبتكرها الشخص ويطورها كيفما رأى الفائدة تأتي (6)).

المحور الثامن هو: انتقاء المعلومة ومصداقيتها من خلال كتب الأنساب والمراجع، فهناك كثير من كتب الأنساب أُلِّفَت عبر الزمن القديم ثم الحديث، وللأسف ليست جميعها فيها الفائدة العلمية الصادقة الصريحة والخالية من الدسائس والأنساب الباطلة، فمن كثرتها وكثرة الدسائس فيها يحتار المرء من فصل الغث عن السمين، ولكن الحق بيّن والباطل بيّن، فالعالم أو الدارس أو الناسب إن كان غير متحيزاً لطرف كان، ويأخذ من المعلومات الصادقة والصريحة ويفرّق بين النسب الصريح ويأخذه والنسب المدسوس فيتركه، أصبح في منأى من الخدعة والانتقاد.

المحور التاسع هو: يجب على الدارس أو الناسب أو الباحث أو أيٍ كان بذكر سند المعلومات التي يكتب عنها ويذكر المراجع التي رجع إليها واستقى منها معلوماته، ويعزو بالفضل لصاحبها بعد أن يكون قد تحقق منها من عدة مراجع ومصادر من كتب الأنساب أو التراجم ونحو ذلك، حتى لا يقع في المحظور من ذكر نسب باطل أو انتساب شخص لغير مواليه دون وجه حق فيُلام على ذلك.

المحور العاشر هو: التريث والتحقق عند الكتابة والتدوين، وذلك عند إضافة أنساب جديدة إلى جذور صحيحة في كتب الأنساب، فدراسة وتحقق أعمدة الأنساب وذرياتها لا يأخذ كما هو أو كما يتلقى منها مشافهةً فحسب، بل يجب على الباحث أو الناسب من الرجوع للمراجع الموثوقة للوقوف على من أعقب ومن انقرض ومن وما إلى ذلك، ثم يتحقق من النسب الجديد أو المطلوب إلحاقه في نسبٍ ما بعدة طرق مما ذكرنا سابقاً، بالإضافة إلى ما سنذكره في المحور التالي.

المحور الحادي عشر في دعم المعلومة لاعتمادها عند الكتابة، وهو من شقين:

الأول: شهرة النسب في التاريخ، وهو أحد المطالب الهامة جداً في إثبات وترسيخ أي نسب أو عمود النسب المطلوب تحقيقه وتوثيقه، فالشهرة المستفاضة في التاريخ جزء هام في إثبات النسب، وأن تكون الشهرة ضاربة في عمق التاريخ بالانتساب للبيت الهاشمي وليس لحرفة أو اسم جد أو غير ذلك وغير معروف الانتماء، كأن تذكر كتب التراجم أو السير أو الأنساب وما إلى ذلك وتتعرض لشخوص ومشاهير ورجالات من عمود النسب المطلوب، وليس هذا فحسب؛ بل أن الشهرة إن كانت لعالم أو شيخ أو مفتي أو رئيس قوم وما إلى ذلك يجب أن يرد ذِكر له بالشهرة بالانتساب لآل البيت في كتب الأنساب المضبوطة، كأن يكون حسينياً أو حسنياً أو جعفرياً أو عقيلياً أو عباسياً أو طالبياً وما إلى ذلك، وإلا فإن الشهرة تكون محدودة بحرفة أو مشيخة طريقة أو بمهنة أو باسم جد أو غير ذلك، وهذا وارد كثيراً في التاريخ، فتجد أن أحد أحفاد ذلك العالم أو الشيخ قد رفع نسبه إلى آل البيت زوراً وبهتاناً وأصبح فرضاً على الأمة قبوله، على الرغم مما ورد في التراجم وكتب الأنساب من شهرة أخرى عن هذا الجد من أصول ليست من آل البيت كأن ينتسب لمدينة أو بلدة أو مهنة ونحو ذلك وكان قد سبق أن أثبته علماء ونسّابون موثوقون في أثباتهم بواقع مخالف لما يدعي هو أو أولاد أو أحفاد أو من ذريات هذا الشخص والتي أصبحت فيما بعد عائلات وأسر كثيرة اقتنعت وأقنعت الآخرين بصحة انتسابهم وهم غير ذلك.

الثاني: توفر الوثائق والمخطوطات التي تدعم صحة هذا النسب، إضافة لتوثيقات وأختام علماء ونسابين عدول مشهورين بالصدق والإنصاف وبشهادات الناس المحيطة بهم التي تعرف وتعلم عن هذه الأسرة أو العائلة أو القبيلة وشرعية أصول انتسابها وإلى أي الجذور تنتمي.

المحور الثاني عشر هو: الإلمام الكامل بطريقة ضبط الأنساب وكتابة أعمدتها أو تشجيرها باحترافية، ومراعاة تشابه الأسماء في الأجداد والآباء والأبناء، فكثيراً ما نجد أشخاصاً تَسَمُوا باسمين أو ذُكِروا بالاسم واللقب والكنية وغير ذلك وقد يتشابه أحدها مع الابن أو الحفيد فيختلط الأمر على الناسب فيسرد عموداً من الأنساب بأخطاء جسيمة وتداخلات يضيع بسببها صحة النسب ويعمل عليه الناقدون والمحققون من تقريظٍ أو بطلان وما إلى ذلك من الانتقادات الضارة بحق النسب الصحيح، أو يدخل في النسب دخلاء ومزورين فيصيروا فجأة منسوبين للآل وهم غير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما صفات النساب: نستخلص صفات النساب مما سبق بالأمور الهامة الآتية: أن يكون مؤمناً تقياً صادقاً راسخ العلم في هذا الموضوع علم الأنساب والتراجم والسير، وأن يكون عفيفاً وقوي النفس لئلا يُرهبه بعض أهل الشوكة السلطة او ذوي البطش والإرهاب، وأن يكون متصفاً بالتأني والتروي مبتعداً عن التسرع والإهمال، وعليه أن يتثبت من النسب بشتى الطرق قبل أن يعطي رأيه بدون أي انحياز، أن يتحلى بالإيمان والتقوى التي تجعل المؤمن لا يرتشي على الأنساب كما يحدث مع الأسف مع بعض المؤرخين والنسابة، وأن يتصف بالصدق والأمانة ويجب عليه أن لا يكذب في النسب فينفي الثابت ويثبت اللصيق، وأن يكون مجتنباً للرذائل والفواحش وخوارم المروءة متخلقاً بأخلاق أصحاب هذا الفن الرفيع وذلك ليكون مهيباً في نفوس الخاصة والعامة حتى إذا أثبت أو نفى لا يُعترض عليه ويكون في موضع الثقاة. بالإضافة أن يكون ذا فهم صائب، وحفظ جيد، وواسع الاطلاع ويملك مكتبة جيدة في هذا الفن، إضافة إلى معرفة بالشرع وأحكامه لاسيما فيما يتعلق بأهل البيت النبوي الشريف من أحكام الوراثة وحق الخمس ومن تجب له الزكاة ومن ولا تجب، ومن الصفات المستحسنة في الناسب أن يكون جيد الخط قدر الإمكان لأن التشجير لا يليق به إلا الخط الحسن.

طرق إثبات النسب:
أولاً: يكون إثبات وتثبيت النسب عند النسابة والعلماء بواسطة أدلة شرعية وكلمات مباشرة يطلق عليها: (ثابت النسب) او (ثبوت النسب)، ففي حديث براوية أبو داود وأحمد والبيهقي كما رواه البخاري وابن ماجه وغيرهم عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (الولدُ للفراش، وللعَاهِرِ الحَجَرُ)، وقد شرح هذا الحديث الحافظ ابن حجر حيث يقول: (أي للزاني الخيبة والحرمان، والعَهَر بفتحتين الزنا) (7) إذن يثبت النسب أولاً في الفراش.

ثانياً: أن يعترف الأب أمام الجمهور العام والخاص بأن الولد الفلانيَّ هو ابنه وذلك يسمى إقرار بولادته، وفي الحاضر يكون الاعتراف بشهادة الميلاد والوثائق الشخصية والعائلية التي يُذكر فيها تفاصيل الأسرة كاملة.

ثالثاً: شهادة رجلين مسلمين عاقلين مشهود لهم بالخبرة والتزكية، وهذه هي التي يطلق عليها البينة الشرعية حسب رأي القضاء والشرع الإسلامي الحنيف.
 
رابعاً: الشهرة، ومعنى الشهرة أن تتداول الأخبار من جماعة يمتنع اتفاقهم على الكذب عادة بأن فلانًا هو ابن فلان، وأحيانا يكون الدليل في الكتب والمراجع وهو ما يسمى بالشهرة المستفاضة في التاريخ.

فيقول أبو حنيفة: (يثبت بالشهرة النسب والموت والنكاح)، وينقل ابن قدامة الحنبلي إجماع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب والولادة وقال: (قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا من أهل العلم منع ذلك) (8).

خامساً: أن يرى خط أحد النسابين المعتبرين ويعرف خطه ويتحققه، ويكون موثوقاً به فإذا شهد خط النسابة مشى وعمل به بعد التحقق من المصادر والوثائق الأخرى.

سادساً: أن يأتي المنتسب بالإضافة لما سبق مع البينة التاريخية بأسماء آبائه وأجداده وهي شهادة المشهورين من العلماء فإن وجدوه صحيحاً وقعوا عليه وشهدوا بصحته.

بقلم: النسابة الجعفري الأردني الشريف محمد نعمان بن نهاد بن عفيف هاشم الزينبي الجعفري الطيار.

-------

الهوامش:
(1) كتاب جمهرة انساب العرب ج1 ص 1.
(2) ذكرت سابقاً أن أول من أفرد النسب بالتدوين هو أبو المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي المتوفى سنة206 هـ، ولكن ورد أن ذلك غير صحيح وأن أول من سبق الكلبي هو العالم مؤرج بن عمرو السدوسي المتوفي سنة 195هـ وهو من علماء الكوفة وكان ثقة في اللغة والنحو وان ابن الكلبي غير ثقة في اللغة والنحو وفيه غمز وكتابه المخطوط الأصلي محفوظ في زاوية الناصري بتامكرود جنوب المغرب، وتوجد نسخة منها في مكتبة السادة الأعرجية من نشرة الدكتور صلاح الدين المنجد وعمرها خمسون عاماً.
(3) المبسوط: هو ما يكتب في بواطن الكتب والمؤلفات على شكل التراجم من سرد لأنساب وأعمدة أنساب حيث تكون قراءة تسلسل أعمدة النسب من اليمين إلى اليسار أي يقدم فيه الأب على الابن، و يُقرأ من الابن إلى الأب إلى الجد وهكذا بحيث يُبتدأ فيه بالبطن الأعلى ثم ينزل به ابناً فابناً إلى البطن الأسفل.
(4) التشجير: هي عكس المبسوط حيث تكون قراءة تسلسل النسب من اليسار إلى اليمين أي يُقدَّم فيه الابن على الأب بدءاً من الجد ثم الأب ثم الابن وهكذا بحيث يُبتدأ فيه بالبطن الأسفل ثم يرتقي أباً فأباً إلى البطن الأعلى.
(5) كتاب فلسفة الأنساب للسيد علي بن السيد حسين الغريفي النسابة.
(6) كشكول السيد حسين النسابة الغريفي.
(7) ابن حجر في فتح الباري ج 12/ص29.
(8) المغني والشرح الكبير ج 1ص21.