تحريم الصدقة على آل البيت

الكاتب مركز الدراسات والبحوث بتاريخ .

بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار

تضاربت الأقوال في بيان من تحرم عليهم الصدقة بما أمر به الله تعالى وأوصى به الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي ما جاء إلا بلسان الله وشريعته التي يرضاها، فقال جل وعلا بحقه صلى الله عليه وآله وسلم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3-4. وقال تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/7.

وقد وددنا في هذا المبحث أن نفرد ما قاله فقهاء السلف في أمر تحريم الصدقة على آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الذين فرض الله تعالى لهم خُمس الخُمس من الغنائم، بنص قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال/41، وقوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر/7. إلا أنهم حرموها منذ انتهاء الخلافة الراشدة لأسباب لا نود الخوض فيها، بل إننا لا نضع بحثنا هذا للمطالبة بها، بل على العكس تماماً، فإن ما نوصي به هو تركها لله تعالى، فما عند الله خير وأبقى، وما متاع الدنيا إلا قليل.

قال العلامة الكبير أحمد بن علي المكني بأبي بكر الرازي الجصاص الحنفي في "أحكام القرآن" (7/81) وقد أفرد باباً تحت عنوان: (باب ذوي القربى الذين تحرم عليهم الصدقة): (قال أصحابنا من تحرم عليهم الصدقة. منهم آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب جميعاً. وحكى الطحاوي عنهم، وولد عبد المطلب، ولم أجد ذلك عنهم رواية. والذي تحرم عليهم من ذلك الصدقات المفروضة، وأما التطوع فلا بأس به، وذكر الطحاوي أنه روي عن أبي حنيفة وليس بالمشهور أن فقراء بني هاشم يدخلون في آية الصدقات، ذكره في أحكام القرآن، قال: وقال أبو يوسف ومحمد: لا يدخلون، قال أبو بكر: المشهور عن أصحابنا جميعاً من قدمنا ذكره من آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب، وأن تحريم الصدقة عليهم خاص في المفروض منه دون التطوع. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أن الزكاة من بني هاشم تحل لبني هاشم ولا يحل ذلك من غيرهم لهم، وقال مالك: لا تحل الزكاة لآل محمد والتطوع يحل.

وقال الثوري: لا تحل الصدقة لبني هاشم ولم يذكر فرقاً بين النفل والفرض. وقال الشافعي: تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني عبد المطلب، ويجوز صدقة التطوع على كل أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كان لا يأخذها. والدليل على أن الصدقة المفروضة محرمة على بني هاشم حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث، إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزى الحمير على الخيل). وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من الصدقة فجعلها في فيه فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة). وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا أبي عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فقال: (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها). وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في الإبل السائمة من كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها، وشطر ماله لا يحل لآل محمد منها شيء). وروي من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) فثبت بهذه الأخبار تحريم الصدقات المفروضات عليهم.

فإن قيل روى شريك عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قدم عير المدينة فاشترى منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم متاعاً فباعه بربح أواق فضة فتصدق بها على أرامل بني عبد المطلب ثم قال: (لا أعود أن أشتري بعدها شيئاً وليس ثمنه عندي). فقد تصدق على هؤلاء وهن هاشميات، قيل له: ليس في الخبر أنهن كن هاشميات، وجائز أن لا يكن هاشميات بل زوجات بني عبد المطلب من غير بني عبد المطلب بل عربيات من غيرهم، وكن أزواجاً لبني عبد المطلب فماتوا عنهن. وأيضاً فإن ذلك كان صدقة تطوع وجائز أن يتصدق عليهم بصدقة التطوع. وأيضاً فإن حديث عكرمة الذي ذكرناه أولى، لأن حديث ابن عباس رضي الله عنه أخبر فيه بحكمه فيهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحظر متأخر للإباحة فهذا أولى. وأما بنو المطلب، فليسوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأن قرابتهم منه كقرابة بني أمية، ولا خلاف أن بني أمية ليسوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك بنو المطلب.

فإن قيل لما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس سهم ذوي القربى كما أعطى بني هاشم ولم يعط بني أمية، دل ذلك على أنهم بمنزلة بني هاشم في تحريم الصدقة؟ قيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطهم للقربة فحسب لأنه لما قال عثمان بن عفان وجبير بن مطعم: يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لقربهم منك، وأما بنو المطلب فنحن وهم في النسب شيء واحد فأعطيتهم ولم تعطنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن بني المطلب لم تفارقني في جاهلية ولا إسلام) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يعطهم بالقرابة فحسب بل بالنصرة والقرابة ولو كانت إجابتهم إياه ونصرتهم له في الجاهلية والإسلام أصلاً لتحريم الصدقة لوجب أن يخرج منها آل أبي لهب وبعض آل الحارث بن عبد المطلب من أهل بيته، لأنهم لم يجيبوه، وينبغي أن لا تحرم على من ولد في الإسلام من بني أمية لأنهم لم يخالفوه وهذا ساقط.

وأيضاً فإن سهم الخُمس إنما يستحقه خاص منهم وهو موكول إلى اجتهاد الإمام ورأيه ولم يثبت خصوص تحريم الصدقة في بعض آل النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً فليس استحقاق سهم من الخمس أصلاً لتحريم الصدقة لأن اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحقون سهماً من الخمس ولم تحرم عليهم الصدقة. فدل على أن استحقاق سهم من الخمس ليس بأصل في تحريم الصدقة.

واختلف في الصدقة على موالي بني هاشم وهل أريدوا بآية الصدقة. فقال أصحابنا والثوري: مواليهم بمنزلتهم في تحريم الصدقات المفروضات عليهم. وقال مالك بن أنس: لا بأس بأن يعطي مواليهم. والذي يدل على القول الأول حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أرقم بن أرقم الزهري على الصدقة فاستتبع أبا رافع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة حرام على محمد وآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم). وروي عن عطاء بن السائب عن أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم عن مولى لهم يقال له هرمز أو كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أبا فلان إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل الصدقة). وأيضاً لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب).

وكانت الصدقة محرمة على من قرب نسبه من النبي صلى الله عليه وسلم وهن بنو هاشم وجب أن يكون مواليهم بمثابتهم إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله لحمة كالنسب واختلف في جواز أخذ بني هاشم للعمالة من الصدقة إذا عملوا عليها. فقال أبو يوسف ومحمد من غير خلاف ذكراه عن أبي حنيفة: لا يجوز أن يعمل على الصدقة أحد من بني هاشم ولا يأخذ عمالته منها. قال محمد: وإنما يصنع ما كان يأخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خروجه إلى اليمن على أنه كان يأخذ من غير الصدقة. قال أبو بكر: يعني بقوله لا يعمل على الصدقة على معنى أنه يعملها ليأخذ عمالتها، فأما إذا عمل عليها متبرعاً على أن لا يأخذ شيئاً فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه.

وقال آخرون: لا بأس بالعمالة لهم من الصدقة، والدليل على صحة القول الأول ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا معمر قال: سمعت أبي يحدث عن جيش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقا إلى عمكما لعله يستعملكما على الصدقة، فجاءا فحدثا نبي الله صلى الله عليه وسلم بحاجتهما فقال لهما نبي الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء لأنها غسالة الأيدي إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكما أو يكفيكما). وروي عن علي أنه قال للعباس رضي الله عنهما: (سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال: (ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس).

وروى الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما على الصدقة ليصيبا منها فقال: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد) فمنعهما أخذ العمالة ومنع أبا رافع ذلك أيضاً وقال: (مولى القوم منهم). واحتج المبيحون لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً إلى اليمن على الصدقة. ورواه جابر وأبو سعيد جميعاً.

ومعلوم أنه قد كانت ولايته على الصدقات وغيرها ولا حجة في هذا لهم لأنه لم يذكر أن علياً رضي الله عنه أخذ عمالته منها وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/103. ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ من الصدقة عمالة. وقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خرج إلى اليمن فولي القضاء والحرب بها فجائز أن يكون أخذ رزقه من مال الفيء لا من جهة الصدقة. فإن قيل فقد يجوز أن يأخذ الغني عمالته منها وإن لم تحل له الصدقة فكذلك بنو هاشم. قيل له: لأن الغني من أهل هذه الصدقة لو افتقر أخذ منها والهاشمي لا يأخذ منها بحال، فإن قيل إن العامل لا يأخذ عمالته صدقة وإنما يأخذ أجرة لعمله كما روي أن بريرة كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم مما يتصدق به عليها ويقول صلى الله عليه وسلم: (هي لها صدقة ولنا هدية). قيل له: الفصل بينهما أن الصدقة كانت تحصل في ملك بريرة ثم تهديها للنبي صلى الله عليه وسلم فكان بين ملك المتصدق وبين ملك النبي صلى الله عليه وسلم واسطة ملك آخر وليس بين ملك المأخوذ منه وبين ملك العامل واسطة لأنها لا تحصل في ملك الفقراء حتى يأخذها العامل.) انتهى كلام الجصاص رحمه الله.

وقال أبو الطيب الحسيني البخاري القِنَّوجي في "حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة" (1/330) باب ما ورد في حرمة الصدقة على أهل البيت: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كخ كخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) أو (أنا لا تحل لنا الصدقة) أخرجه الشيخان. والحديث يشمل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ونساءهم وذريتهم جميعاً. وفي حديث أبي رافع يرفعه (أن الصدقة لا تحل لنا وأن موالي القوم من أنفسهم) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه وابن حبان وابن خزيمة وصححاه. قال ابن قدامة: لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة. وكذا حكى الإجماع ابن رسلان في شرح السنن وقد وقع الاختلاف في الآل الذين تحرم عليهم الصدقة على أقوال أظهرها أنهم بنو هاشم وحكم مواليهم حكمهم في ذلك وكذلك لا تجوز من بني هاشم لبني هاشم. انتهى كلام القنوجي رحمه الله.

وختام القول في هذا المبحث، ننقله من موسوعة الفقه الإسلامي الصادرة من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في وزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية (1/13 وما بعدها) والتي جاء فيها:

كلمة آل: اسم ثلاثي، عينه ألف ممدودة، ومن اللغويين من ذهب إلى أن أصلها الواو كما هو الحال فى مثل قال وصال. ومنهم من قال: إن أصلها الهاء وسهلت. ولكلمة آل معان كثيرة أوردتها كتب اللغة، فالآل هو الشخص. وهو ما تراه أول النهار وآخره مما يشبه السراب وليس هو السراب. والآل ما أشرف من البعير. والخشب. وعمد الخيمة. واسم جبل وأطراف الجل ونواحيه. وليس فى هذه المعاني ما يناسب المعنى الذي تكلم فيه الفقهاء.

وآل الرجل أهله وعياله وآله أيضاً أتباعه وأولياؤه. وهذه هي المعاني المناسبة لما تكلم فيه الفقهاء. والفقهاء تكلموا فى آل الرجل، أي رجل كان، فى الوقف وفى الوصية. وتكلموا فى آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تحريم الصدقة عليهم، وفي استحقاقهم للخمس، وفي الصلاة عليهم في التشهد، وفي غيره، وفي حجية إجماعهم، وفي الكفاءة والسيادة والشرف، وفي غير ذلك.

الآل والوقف عليهم والوصية لهم:
قال فقهاء مذهب أبى حنيفة (جاء في هامش الموسوعة: أحكام الوقوف والصدقات للخصاف (ص 36، 41) بدائع الصنائع للكساني (7/351) وما بعدها): أنه لو وقف على أهل بيته، أو وقف على آله، كان الحكم واحداً في الحالين، وهو أن يدخل في وقفه كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له في الإسلام، وهو أبوه الذى أدرك الإسلام وإن لم يسلم، ويدخل فيه أبو الواقف وولده، في كل من آله وأهل بيته، ويدخل فيه الذكور والإناث من ولده لصلبه ومن ولد الذكور من أولاده، أما أولاد الإناث فلا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين، لأنهم ليسوا من آله ولا من أهل بيته وإن كانوا من ذريته ومن قرابته. وقالوا أيضاً: إن الوصية للآل أو لأهل البيت يدخل فيها كل من اجتمع مع من أضيف له الآل أو البيت بآبائه إلى أقصى أب له في الإسلام، فلو أوصى لآله أو لأهل بيته وكان علوياً دخل في وصيته كل من ينتسب بآبائه إلى علي، وأن كان عباسياً دخل فيها كل من ينتسب إلى العباس، ذكراً كان أو أنثى، إذا كان ينتسب بنفسه أو بواسطة الأباء، إلا أولاد النساء فإنهم لا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين. ومن أوصى لآله أو أهل بيته دخل في وصيته أبوه وجده الصحيح إذا كانا غير وارثين.

ولو أوصى إلى أهل فلان كانت الوصية لزوج فلان خاصة في قول أبى حنيفة، وعند صاحبيه تكون الوصية لكل من يعولهم فلان ممن تضمهم نفقته من الأحرار، فتدخل فيها زوجه واليتيم الذى في حجره، والولد إذا كان يعوله، أما إذا كان كبيراً قد اعتزل عنه، أو كان بنتاً قد تزوجت، فليس من أهله، فلا يدخل في الوصية للأهل المماليك، ولا وارث الموصي إذا كانت وصيته أهله، ولا يدخل في الوصية لأهل فلان فلان نفسه، هذا هو فرق ما بين الوصية لأهل فلان وبين الوصية لآله أو لأهل بيته.

وقال فقهاء مذهب مالك (جاء في هامش الموسوعة: مختصر خليل والشرح الكبير للدردير (4/94، 432): أنه لو وقف على آله أو وقف على أهله، كان وقفه هذا على عصبته وعلى كل امرأة لو رجلت – أي فرضت رجلاً – كان كانت عصبة، فلا يدخل أولاد النساء من قرابة الأب، كما لا يدخل فيه أحد من قرابة الأم. والراجح عندهم أن الوقف على الأقارب يشمل الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم، وقيل إنه لا يشمل الأقارب من النساء من الجهتين، غير أنهم لم يفرقوا بين العصبة وغير العصبة منهم. فالآل والأهل معناهما وأحد عندهم في الوقف. كما أنه يختلف عن معني القرابة. وقالوا: أنه لو أوصى لأقاربه، أو لأهله، أو لذي رحمه، ولم يكن له أقارب من جهة أبيه أو كان له أقارب من جهته يرثونه لم يدخلوا في وصيته واختص بها قرابته من جهة الأم. وإن كان له أقارب من جهة الأب وكانوا لا يرثونه اختصوا بالوصية ولا يشاركهم فيها قرابته من جهة الأم. ولو أوصى للأقارب فلان، أو لأهل فلان، أو لذي رحم فلان وكان له أقارب من الجهتين اختص بالوصية أقارب فلان من جهة الأب وارثين كانوا أو غير وارثين لفلان، وأن لم يكن لفلان أقارب من جهة أبيه استحق الوصية أقاربه من جهة أمه وقد صرحوا بأن كلاً من الألفاظ الثلاثة يشمل القرابتين معاً في الوصية، وأن قرابة الأب تحجب قرابة الأم إذا اجتمعت القرابتان وكانت قرابة الأب تستحق الوصية، ولا تحجبها إذ كانت غير مستحقة للوصية. والموازنة بين ما قيل في الوقف وفى الوصية تظهر مدى اختلاف المعاني في البابين.

وقال فقهاء مذهب أحمد (جاء في هامش الموسوعة: المغنى لابن قدامة (6/549، 553، 554،) الفروع لابن مفلح (6/886، 888) كشاف القناع (2/467) أنه لو وقف على آله، أو على أهل بيته، أو على أهله، أو على قرابته من أو على قومه، أو على نسبائه، أو وقف على آل فلان، أو على أهل بيت فلان، أو على أهل فلان، أو ...إلخ، كان الوقف على الذكر والأنثى من أولاد الواقف أو من أولاد فلان، ومن أولاد أبيه، ومن أولاد جده، ومن أولاد جد أبيه، أربعة آباء. ويستوي في ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير والغنى والفقير، من قبل أبيه. ولا يدخل في هذا الوقف من يخالفه في الدين، ولا أمه، ولا من تكون قرابته له من قبل أمه إلا أن يكون في كلامه ما يدل على أنه أراد ذلك. وقيل إن وقفه على آله و على آل فلان، أو على أهله أو أهل فلان أو ...إلخ يكون كما لو وقف على ذوي رحمه وهم ولده وقرابته من الجهتين.

ونقل صالح عن أحمد أنه لو وقف على آله، أو ...إلخ، اختص بهذا الوقف من بصلة الواقف من قرابة أبيه وقرابة أمه وإن جاوز أربعة آباء. واختار ابن الجوزي الفرق بين الوقف على أهل البيت أو على القوم وبين الوقف على القرابة وقال: إن هذا الأخير يختص به قرابة الأب أما الآخر فيكون لقرابة الأبوين. وقال ابن تيمية: أنه لو وقف على أهله أو على أهل بيته دخل في هذا الوقف أزواجه، وأنه لو وقف على آله ففي دخول أزواجه في هذا الوقف روايتان، وأختار هو الرواية التي تقول بدخولهن في هذا الوقف. وقالوا: إنه لو وقف على آله أو على أهل بيته دخل هو في هذا الوقف أما لو وقف على أهله فإنه لا يدخل فيه.

وقالوا: أنه لو أوصى لآله كان كمن أوصى لقرابته فتكون الوصية لقرابته من قبل أبيه، وذلك لأنه جاء في بعض الروايات لحديث زيد بن أرقم أنه قبل أبيه: (من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: "أهله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة: آل على وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل). وفى الوصية لأهل بيته والوصف لقرابته روايات كالتي ذكرت في الوقف، غير أني لم أقف على أنها ذكرت في الوصية للآل.

آل محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الصدقة عليهم:
رويت أحاديث كثيرة – قالوا: إنها متواترة المعنى – في تحريم الصدقة على آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومما جاء فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة). (إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد، وإن مولى القوم من أنفسهم). (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس). وقد اتفق الفقهاء على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حرمت عليه الصدقة المفروضة وصدقة التطوع، ولكنهم اختلفوا فيمن هم آله الذين حرمت عليهم الصدقة وفى الصدقة التي حرمت عليهم.

ذهب الحنفية إلى أن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين حر مت عليهم الصدقة هم بنو هاشم بن عبد مناف، إلا من ورد النص بنفي قرابتهم. وهاشم لا ولد له إلا من أبنه عبد المطلب. فمن يعتبرون آل محمد وقرابته في هذا الباب هم آل علي وآل العباس وآل عقيل وآل جعفر وآل الحارث رضي الله عنهم من أولاد عبد المطلب، أما آل أبي لهب بن عبد المطلب فليسوا من آل محمد هنا، ولا تحرم عليهم الصدقة وإن كانوا مسلمين، وذلك لأن تحريم الصدقة على بني هاشم إنما كان تكريماً من الله تعالى لهم ولذريتهم لقاء نصرتهم له عليه الصلاة والسلام في الجاهلية وفي الإسلام، أما أبو لهب فكان أحرص الناس على آذاه عليه الصلاة والسلام، حتى أنه عليه الصلاة والسلام قد برئ من قرابته، فقال: (لا قرابة بيني وبين أبى لهب، لقد آثر علينا الأفخرين، فلم يستحق لا هو ولا ذريته هذه الكرامة).

قلت (والقول لصاحب هذا البحث): وقفت على هذا الحديث فوجدته عند ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (6/150) بلفظ: (لا قرابة بيني وبين أبي لهب فإنّه آثر علينا الأفجرين) ثم قال: رواه الحنفية في كتاب الزكاة، ولا يعرف لهذا الحديث سند، وبعد فلا دلالة فيه، لأنّ ذلك خاص بأبي لهب فلا يشمل أبناءه في الإسلام. وكذا وقفت عليه عند ابن عابدين في "حاشية رد المحتار" (2/383) وقال بعد أن أورد الحديث بلفظه: وهذا صريح في انقطاع نسبته عن هاشم، وبه ظهر أن في اقتصار المصنف على بني هاشم كفاية، فإن من أسلم من أولاد أبي لهب غير داخل لعدم قرابته، وهذا حسن جداً لم أر من نحا نحوه فتدبره. وعند ابن نجيم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/82) قال: قوله (وبني هاشم ومواليهم) أي لا يجوز الدفع لهم لحديث البخاري (نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة) ولحديث أبي داود (مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة) قد أطلق في بني هاشم فشمل من كان ناصراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يكن ناصراً له منهم كولد أبي لهب فيدخل من أسلم منهم في حرمة الصدقة لكونه هاشمياً، فإن تحريم الصدقة حكم يختص بالقرابة من بني هاشم لا بالنصرة كذا في غاية البيان، وقيده المصنف في الكافي تبعاً لما في الهداية وشروحها بآل علي وعباس وجعفر وعقيل وحارث بن عبد المطلب ومشى عليه الشارح الزيلعي والمحقق في فتح القدير وصرحا بإخراج أبي لهب وأولاده في هذا الحكم؛ لأن حرمة الصدقة لبني هاشم كرامة من الله تعالى لهم ولذريتهم حيث نصروه عليه الصلاة والسلام في جاهليتهم وإسلامهم، وأبو لهب كان حريصاً على أذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يستحقها بنوه. واختاره المصنف في المستصفى وروى حديثاً (لا قرابة بيني وبين أبي لهب) ونص في البدائع على أن الكرخي قيد بني هاشم بالخمسة من بني هاشم فكان المذهب التقييد؛ لأن الإمام الكرخي ممن هو أعلم بمذهب أصحابنا، وقيد ببني هاشم؛ لأن بني المطلب تحل لهم الصدقة وليسوا كبني هاشم، وإن استووا في القرابة؛ لأن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ولعبد مناف أربعة بنين هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس والخمسة المذكورون من بني هاشم؛ لأن العباس والحارث عمان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعفر وعقيل أخوان لعلي بن أبي طالب، وهو عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لأبي طالب أربعة من الأولاد، ولد له طالب فمات، ولم يعقب وكان بينه وبين عقيل عشر سنين وبين عقيل وجعفر عشر سنين وبين جعفر وعلي عشر سنين، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف كذا في غاية البيان وجمهرة النسب عليهم رضوان الله. وقال المصنف في الكافي: وهذا في الواجبات كالزكاة والنذر والعشر والكفارة أما التطوع والوقف فيجوز الصرف إليهم؛ لأن المؤدي في الواجب يطهر نفسه بإسقاط الفرض فيتدنس المؤدى كالماء المستعمل، وفي النفل تبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء) انتهى نقل الباحث وقوله وتعليقه.

وآل محمد في هذا الباب لا يتناول آل المطلب وآل عبد شمس وآل نوفل أبناء عبد مناف وليسوا ممن حرمت عليهم الصدقة. وما ذهب إليه الحنفية في هذا هو المشهور من مذهب مالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الزيدية ومذهب الإمامية.

وقال الشافعي وابن حزم: إن آل محمد هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وهو مقابل المشهور من مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. والحجة في ذلك ما ورد في الصحاح عن جبير بن مطعم (من ولد نوفل) أنه جاء هو وعثمان بن عفان من ولد عبد شمس يكلمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قسم من الخمس بين بيتي هاشم وبني المطلب فقال جبير: يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً وقرابتنا وقرابتهم واحدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد). فقالوا: إذن لا يفرق بين حكمهم في شيء أصلاً لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام. وخرج بنو نوفل وبنو عبد شمس وسائر قريش عدا هذين البطنين.

وقال أصبغ بن الفرج المالكي: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم جميع قريش وهم بنو قصي. وعن غيره من المالكية أنهم بنو غالب. وقال فقهاء الحنفية: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم الذين ينتسبون إلى هاشم بأنفسهم أو بواسطة آبائهم دون من ينتسبون إليه بواسطة النساء. فأولاد البنات من آل محمد ليسوا من آل محمد ولا تحرم عليهم الصدقة، وبهذا قال جمهور الفقهاء ولا يعرف من خالف في هذا إلا السيد المرتضى من فقهاء أهل البيت فقد قال: إن أولاد البنات من آل محمد – وإن كان آباؤهم من قوم آخرين – تحرم عليهم الصدقة ويكونون ممن يستحقون في الخمس. وقد وافقه على ذلك جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية ذكرهم صاحب جواهر الكلام وقال: إن بعض فضلاء الأعاجم قد ألف رسالة في الانتصار لهذا المذهب. ولكن عدم دخولهم هو الأشهر الذي عليه عامة الإمامية.

وقال فقهاء الحنفية إن موالي آل محمد منهم وتحرم عليهم الصدقة، وهذا هو مذهب ابن حزم، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمل رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فأراد أن يصحبه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبى إلا أن يستأذن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم). أما مذهب أحمد ومذهب الشيعة الإمامية أن موالى آل محمد ليسوا من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكونون من آل محمد فتحل لهم الصدقة. وقال ابن قدامة في المغنى: إن هذا قول أكثر العلماء.

ولا إختلاف بين الفقهاء في أن أزواج بني هاشم لسن من آل محمد في هذا الباب فتحل لهن الصدقة. غير أن ابن قدامة قال إن الخلال روى بإسناده عن ابن أبى مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة رضي الله تعالى عنها شعيرة من الصدقة فردتها وقالت: (إنا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل لنا الصدقة). وهذا يدل على تحريمها على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة المفروضة صدقة محرمة على آل محمد فلا يحلى لأحد منهم أن يتناول منها إذا كان من الأصناف التي تستحق الزكاة لو لم يكونوا من بني هاشم سوى صنف العاملين عليها ففيه اختلافهم كما سيجئ.

وقال الإمامية: إنها محرمة عليهم لا فرق في ذلك بين أهل العصمة وغيرهم، وقد ورد في الخبر الذي رواه أبو خديجة عن أبى عبد الله قوله: أعطوا الزكاة من أراد من بني هاشم وإنما تحرم على النبي وعلى الإمام بعده وعلى الأئمة. فقالوا: إن في سند هذا الخبر مقال، وبغض النظر عن ذلك فانه يجب طرحه، أو حمله على حال الضرورة، وهي حال لا تقوها بالنبي ولا بالأئمة، أو حمله على صدقة التطوع التي اختص منصب النبوة ومنصب الإمامة بالترفع عنها.

وجمهور الحنفية، على أنه لا يحل لأحد من الآل أن يكون عاملاً على الصدقة يتناول أجر عمله منها، وهذا هو مذهب الشافعي وأظهر الروايتين عن أحمد، ومذهب ابن حزم، ومذهب الإمامية، واحتجوا في هذا بقوله عليه الصلاة والسلام للفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنهما حينما سألاه أن يؤمرهما على بعض الصدقة ليصيبا كما يصيب غيرهما: (أن الصدقة لا تنبغي لأل محمد إنما هي أوساخ الناس)، وبحديث أبي رافع الذي سبق ذكره، وقالوا: إن الصدقة تخرج من مال المتصدق إلى الأصناف التي سماها الله تعالى فيملك العامل على الصدقة بعضها على أنه مصرف لها وعلى أنها صدقة وذلك لا يحل لأحد من آل محمد.

وقال الطحاوي: إن أبا يوسف كان يكره لبني هاشم أن يعملوا عنى الصدقة إذا كانت جعالتهم منها وخالفه في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس أن يعمل الهاشمي على الصدقة ويأخذ أجره منها لأنه إنما يملك أجره بعمله لا على أنه صدقة عليه، فالأجر لا يصل إليه باسم الصدقة، فهو كالصدقة إذا بلغت محلها ثم أهدى منها من أخذها، إلى من لا تحل له الصدقة فإنه يحل له تناول هذا وإن كان أصله الصدقة وساق في بيان هذا حديث بريرة وغيره.

وقال في حديث الفضل وصاحبه: قد يجوز أنه ما منعهما العمل على الصدقة إلا ليجنبهما العمل على أوساخ الناس لا لأن أخذهما أجرهما منها محرم عليهما، وقال أنه وجد ما يدل على ذلك وهو أن العباس رضي الله عنه سأله عليه الصلاة والسلام أن يستعمله على الصدقة فقال له: (ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس) ثم قال: إن هذا هو النظر وهو أصح مما قال أبو يوسف في ذلك. وما ذهب إليه الطحاوي رواية عن أحمد، وقد وجهوها بأن أجر العامل عليها كأجر بيته لو استؤجر لتوضع فيه الصدقة.

وذهب فقهاء الحنفية إلى تحريم ما أوجبه الله سبحانه من الصدقة سوى الزكاة على آل محمد، فلا يجوز أن يصرف إليهم شيء من كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وعشر الأرض، أخذاً بعموم السنن التي وردت في تحريم الصدقة على آل محمد، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية وابن حزم، وأحد وجهين في مذهب أحمد وبه قال جماعة من الإمامية، وقال آخرون منهم: إن الحرمة قاصرة على الزكاة، وهذا هو الاحتمال لآخر في مذهب أحمد. وفى مؤلفات متأخري الحنفية عد النذر من الصدقة المحرمة على آل محمد من غير إشارة إلى خلاف في ذلك. وهذا متفق مع أوجه الاحتمالين في مذهب الشافعي، وصرح بعض الإمامية بأن من الصدقة المحرمة الصدقة الواجبة بالنذر، والصدقة الموصى بها، والهدى الواجب.

وواضح أن من يقولون بحرمة صدقة التطوع عليهم يقولون بحرمة هذا النوع من الصدقة عليهم. والاحتمال غير الوجيه في مذهب الشافعية أن النذور تحل لهم. ومذهب أحمد أنه يجوز لهم الأخذ من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنها من صدقة التطوع، فهم لا ينظرون إلا إلى إيجاب الشارع، أما إيجاب العبد على نفسه فإنه لا يخرج الصدقة عن أن تكون صدقة تطوع.

أما صدقة النفل أو التطوع فقد اختلفت بشأنها عبارات مؤلفي الحنفية. فالطحاوي بعد أن روى السنن الواردة في التحريم قال: فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرماً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى سائر بني هاشم، والنظر يدل على استواء حكم الفرائض واقع في ذلك.

وذلك أنا رأينا غير بني هاشم من الأغنياء والفقراء في الصدقات المفروضات والتطوع سواء من حرم عليه أخذ صدقة مفروضة حرم عليه أخذ صدقة غير مفروضة فلما حرم على بني هاشم أخذ الصدقات المفروضات حر م عليهم أخذ الصدقات غير المفروضات. فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

وقد اختلف النقل عن أبي حنيفة في ذلك، فروى عنه أنه قال: لا بأس بالصدقات كلها على بني هاشم. وذهب في ذلك عندنا إلى أن الصدقات إنما كانت حرمت عليهم من أجل ما جعل لهم في الخمس من سهم ذوي القربى فما انقطع ذلك عنهم ورجع الى غيرهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قال المؤلف: انتقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى) حل لهم بذلك أخذ ما كان محرماً عليهم من أجل ما كان قد أحل لهم. وقد حدثني سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبى يوسف عن أبي حنيفة في ذلك مثل قول أبي يوسف، فبهذا نأخذ. هذا كلام الطحاوي وهو قاطع في أن عن أبي حنيفة روايتين: رواية حرمة المفروضة والتطوع وإن انقطع حقهم في الخمس. ورواية حلهما بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قال الباحث: انتقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى) وانقطاع حقهم في الخمس.

وهذا ما يقرره البابرتي في "العناية"، فقد قال: وذكر في "شرح الآثار" أن النافلة والمفروضة محرمتان عليهم عندهما وعن أبي حنيفة فيهما روايتان غير أنه نقل في "فتح القدير" عن النهاية أن صدقه النفل تجوز لهم بالإجماع. وجاء فيه أيضاً أن جواز صدقة التطوع قد ورد في "الكافي" من غير إشارة إلى خلاف. وهذا هو ما صنعه صاحب الهداية أيضاً، وقال الكمال: إنه قد ورد في "شرح الكنز" أنه لا فرق بين الصدقة الواجبة وصدقة التطوع. ثم قال: وقال بعضهم يحل لهم التطوع. وقال الكمال أنه قد اثبت الخلاف على وجه يشعر بترجيح حرمة النافلة وهو الموافق للعمومات فوجب اعتباره. وفى العناية أن صاحب الفتاوى الكبرى أختار حرمة التطوع.

وقد حقق الكمال أن الوقف من صدقة التطوع بعد أن نقل أن فيه عند الحنفية أقوالاً ثلاثة: الجواز مطلقاً، والمنع مطلقاً، والجواز إذا سماهم حتى يكون كالوقف على الأغنياء. والقول بحرمة صدقة التطوع عليهم مذهب الشافعي ومذهب أبن حزم، وقول في مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. وحل هذه الصدقة لآل محمد هو المعتمد في مذهب مالك مع الكراهة وهو أظهر الروايتين عن أحمد.

وقال الإمامية: أن صدقة التطوع محرمة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وعلى الأئمة جائزة لغيرهم من آل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وقد وقفنا على ما جاء بإحدى الروايتين عن أبي حنيفة من حل المفترضة والتطوع لهم وما رأى الطحاوي أنه وجه ذلك عنده. وهو انقطاع حقهم في الخمس. وأن الرواية الأخرى هي الحرمة فيهما وإن انقطع ذلك، وأن هذا هو قول أبي يوسف ومحمد والحرمة مع ذلك هي أيضاً المذهب عند الشافعية. أما رواية الحل في الصدقتين فهي أيضاً مذهب المالكية إذا أصابهم ضر ومذهب الإمامية، وقول في مذهب الشافعية.

ومذهب الحنفية أن الصدقة لا تحل لهم وأن كانت من بعضهم لبعض وهذا مذهب المالكية أيضاً. وفى رواية عن أبي يوسف وأخرى عن أبي حنيفة حل الصدقة من آل محمد بعضهم لبعض، وذلك مذهب الإمامية.

وقال الشوكاني: أنه قد نقل في البحر عن زيد بن علي وعن المرتضى وأبي العباس والإمامية وأنه نقل في الشفاء عن أبني الهادي والقاسم، وقال إنه قول جماعة وافرة من أئمة العترة وأتباعهم وأولادهم، وأن البعض قد أدعى إجماع فقهاء الشيعة على ذلك، ولكنه أنكر هذه الدعوى وأفاض في ردها واستنكار ما كان يجري باليمن في عهده (جاء في هامش الموسوعه: انظر شرح معاني الآثار للطحاوي (1/297) وما بعدها. بدائع الصنائع للكساني (2/44، 49) الهدية وفتح القدير والعناية (2/24، 25) رد المختار لابن عابدين (2/68، 69) الطحاوي على مراقي الفلاح (700، 701) من كتب الحنفية. مختصر خليل والشرح الكبير للدردير (1/493) وما بعدها، من كتب المالكية. المغني لابن قدامة (2/519) وما بعدها، من كتب الحنفية. المحلى لابن حزم (6/146)، من كتب الظاهرية. نيل الأ وطار للشوكاني (4/146) شرائع الإسلام وشرحه جواهر الكلام (3/99) وما بعدها (157) وما بعدها، من كتب الشيعة).

مستحقو الخمس والفيء.
أثبت الكتاب الكريم لذي القربى، قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً في خمس الغنائم بقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال/40. وحقاً في الفيء بقوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر/7. وقد اختلف الفقهاء في مقدار استحقاق ذي القربى، وفي مصير هذا الاستحقاق بعد انتقاله عليه وآله الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، وفي كثير من الأحكام المتصلة بهذا، فيرجع إلى معرفة ذلك كله في مواد: "خمس. غنيمة. فئ".

وذوو القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم آل محمد الوارد ذكرهم في تحريم الصدقة، فمن ذهب فيهم إلى رأي هناك قال به هنا ما عدا الحنفية الذين أخذوا هنا بحديث جبير بن مطعم الذي سبق إيراده هناك. فهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب عند الحنفية والشافعية وابن حزم، وفي قول عند المالكية ورواية في مذهب أحمد. وهم بنو هاشم (جاء في هامش الموسوعة: مبسوط السرخسي (10/9) مختصر خليل والشرح الكبير (2/190) الوجيز للغزالي (1/173) التحفة لابن حجر (3/80) المحلى لابن حزم (7/327) نيل الأوطار للشوكاني (8/58) جواهر الكلام (3/157) وما بعدها) وحدهم إلا آل أبى لهب في القول المشهور عند المالكية والرواية الأخرى في مذهب أحمد، ونقل هذا عن عمر بن عبد العزيز وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وإليه ذهب جميع أهل البيت ومن قال هناك بدخول أولاد البنات قال به هنا، ومن أخرجهم هناك أخرجهم هنا، ولم أر من عرض لذكر الموالي والأزواج هنا سوى قول ابن حزم ولا حق فيه لمواليهم ولا لخلفائهم ولا لبنى بناتهم من غيرهم. انتهى النقل الحرفي من كلام الموسوعة. وبه ننهي حديثنا في هذا المبحث.

ختاماً، فكما بدأنا بحثنا ننهيه، بأن ما أفردناه إنما كان لبيان تحريم الصدقة على آل سيدنا ومولانا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وتفاصيل ذلك كما قاله السلف من الفقهاء، وأن الغنائم والفيء قد فرض الله تعالى أجزاء منها لآل بيت حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم، فإن لم يكونوا قد غنموها أو نالوها في الدنيا الزائلة، فليتركوها لله تعالى، فما متاع الدنيا إلا قليل، وما عند الله خير وأبقى.

اللهم إن كنت قد أصبت بما قلت وكتبت، فإني أشهدك أنه لا فضل لي فيه قط، إنما هو بفضلك وجودك وكرمك ومنك وإحسانك وعلمك، وبما علمته لعبيدك ابن عبيدك ابن أميمتك الذليل بين يديك، عديم العلم إلا تجود به عليه، وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي وجهلي، أستغفرك الله ربي وأتوب إليك، متذللاً بين يديك لاجئاً إليك متوسلاً بك بين يديك أن تغفر لعبدك الجاهل المذنب، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت برحمتك يا الله يا أرحم الراحمين.

اللهم إن كنت قد أصبت بما قلت وكتبت، فإني أشهدك أنه لا فضل لي فيه قط، إنما هو بفضلك وجودك وكرمك ومنك وإحسانك وعلمك، وبما علمته لعبيدك ابن عبيدك ابن أميمتك الذليل بين يديك، عديم العلم إلا بما جدت وتجود به عليه، وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي وجهلي وجهالتي، أستغفرك الله ربي وأتوب إليك، متذللاً بين يديك لاجئاً إليك متوسلاً بك بين يديك أن تغفر لعبدك الجاهل المذنب، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت برحمتك يا الله يا أرحم الراحمين.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

ترحب إدارة الموقع بكافة التعليقات والملاحظات، وذلك من خلال صفحة (اتصل بنا).