الصلاة والسلام على آل البيت إفراداً

الكاتب مركز الدراسات والبحوث بتاريخ .

بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار

اختلف العديد من العلماء في أمر الصلاة والسلام على آل البيت النبوي الشريف، وما إذا كان ذلك جائز من عدمه عند ذكر العترة بشكل مفرد. فقالت طائفة بعض بجواز مفرداً، وقالت أخرى بكراهيته مطلقاً، وجوازه اقتراناً عند ذكر الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد وددنا في هذا المبحث، أن نسرد بعضاً يسيراً من تلك الأقوال والاجتهادات على سبيل الاستدلال والبيان لا على سبيل البحث التام وإفراد كامل ما قيل في هذا الأمر. رغبة منا في الوقوف على ذلك للرد على بعض التساؤلات وبيان الأمر باختصار، مع التعليق عليها من جهة، وبيان رأينا في هذا الأمر من جهة ثانية وفق المنهج الشرعي الذي وقفنا عليه، مع الاحترام والإجلال لغيرنا سواء وافق رأينا قولهم أو خالفه.

وقبل الخوص في ذلك، وجب علينا أن نبين أن كثيراً – وهذا معروف للعامة – مما سطره السلف، قد قام بتحقيقه بعض المعاصرين الذين أدلوا بما لديهم وفسروا ما رأوه تعليقاً وتعقيباً على أصحاب المؤلفات، وهذا لا نعترضه ولا نخالفه، ولكن ما نخالفه بكل أشكاله، هو ذلك المنهج الذي انتهجه البعض فجعل من تحقيقه وتعليقه وشرحه جزءاً من المؤلف لم يشر فيه إلى قوله أو فصله عن قول صاحب المؤلف الأصل، مما أدى إلى الخلط بين أصل المؤلف وما أضيف عليه، فوقع الكثير في خطأ الاعتقاد، فنسبوا قول المحقق للمؤلف وهذا هو ما اعترضناه ونعارضه على الدوام.

ولنبدأ بما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (6/477،480):
وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث: "اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته"، فهذا جائز بالإجماع، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم.

فقال قائلون: "يجوز ذلك"، واحتجوا بقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) الأحزاب/43، وبقوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) البقرة/157، وبقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) التوبة/103، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى إذ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل عليهم". وأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى". أخرجاه في الصحيحين. وبحديث جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صل عَلَيَّ وعلى زوجي. فقال: "صلى الله عليكِ وعلى زوجك".

وقال الجمهور من العلماء: "لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا قد صار شعاراً للأنبياء إذا ذكروا"، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: "قال أبو بكر صلى الله عليه". أو: "قال علي صلى الله عليه". وإن كان المعنى صحيحاً، كما لا يقال: "قال محمد، عز وجل"، وإن كان عزيزاً جليلاً؛ لأن هذا من شعار ذكر الله، عز وجل. وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم؛ ولهذا لم يثبت شعاراً لآل أبي أوفى، ولا لجابر وامرأته. وهذا مسلك حسن.

وقال آخرون: "لا يجوز ذلك"؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك، والله أعلم. انتهى أصل كلام ابن كثير رحمه الله في تفسيره.

ثم قال المحقق لتفسير ابن كثير (سامي محمد سلامة، دار طيبة للنشر 1420هـ): ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم، أو الكراهة التنزيهية، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار. ثم قال: "والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان بالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: "عز وجل"، مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: "محمد عز وجل"، وإن كان عزيزاً جليلاً لا يقال: "أبو بكر أو علي صلى الله عليه". هذا لفظه بحروفه. قال: وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: "علي عليه السلام"، وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى ما ذكره. (أنظر الأذكار 159/160).

قلت (والقول للمحقق): وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي، رضي الله عنه، بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه" وهذا وإن كان معناه صحيحاً، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان بن عفان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين.

قال إسماعيل القاضي: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عَبَّاد بن حُنَيف، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: "لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة". (أنظر فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم برقم (75) ولفظه عنده "لا تصلوا على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار".

وقال أيضاً: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي، عن جعفر بن بَرْقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز، رحمه الله: "أما بعد، فإن أناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناساً من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدْلَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة، ويدعوا ما سوى ذلك. أثر حسن". (أنظر فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم برقم 76).

قال إسماعيل القاضي: حدثنا معاذ بن أسد، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثني خالد بن يَزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نُبَيه بن وهب؛ أن كعباً دخل على عائشة رضي الله عنها، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سبعون ألفاً بالليل، وسبعون ألفا بالنهار، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه. (أنظر فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم برقم 102).

قال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: "صلى الله عليه" فقط، ولا "عليه السلام" فقط، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، فالأولى أن يقال: صلى الله عليه وسلم تسليماً. انتهى ما جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله.

وقال الألوسي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (16/217،218):
وأما الصلاة على غير الأنبياء والملائكة عليهم السلام فقد اضطربت فيها أقوال العلماء فقيل تجوز مطلقاً. قال القاضي عياض وعليه عامة أهل العلم، واستدل له بقوله تعالى: (هُوَ الذى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ) الأحزاب/34، وبما صح في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على آل أبي أوفى" وقوله عليه الصلاة والسلام وقد رفع يديه: "اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة". وصحح ابن حبان خبر "إن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي ففعل". وفي خبر مسلم "أن الملائكة تقول لروح المؤمن: صلى الله عليك وعلى جسدك" وبه يرد على الخفاجي قوله في شرح الشفاء صلاة الملائكة على الأمة لا تكون إلا بتبعيته صلى الله عليه وسلم.

وقيل: "لا تجوز مطلقاً". وقيل: "لا تجوز استقلالاً وتجوز تبعاً فيما ورد فيه النص كالآل أو الحق به كالأصحاب". واختاره القرطبي وغيره. وقيل: "تجوز تبعاً مطلقاً ولا تجوز استقلالاً" ونسب إلى أبي حنيفة وجمع. وفي تنوير الأبصار: "ولا يصلى على غير الأنبياء والملائكة إلا بطريق التبع وهو محتمل لكراهة الصلاة بدون تبع تحريماً ولكراهتها تنزيهاً ولكونها خلاف الأولى" لكن ذكر البيري من الحنفية: "من صلى على غيرهم أثم وكره" وهو الصحيح. وفي رواية عن أحمد: "كراهة ذلك استقلالاً". ومذهب الشافعية: أنه خلاف الأولى. وقال اللقاني: قال القاضي عياض: "الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين، أنه يجب تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه، ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال تعالى: (رَّضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) المائدة/119، (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا الذين سَبَقُونَا بالإيمان) الحشر/10، وأيضاً فهو أمر لم يكن معروفاً في الصدر الأول وإنما أحدثه الرافضة في بعض الأئمة والتشبه بأهل البدع منهى عنه فتجب مخالفتهم" انتهى.

ولا يخفى أن كراهة التشبه بأهل البدع مقررة عندنا أيضاً، لكن لا مطلقاً بل في المذموم وفيما قصد به التشبه بهم فلا تغفل. وجاء عن عمر بن عبد العزيز بسند حسن أو صحيح أنه كتب لعامله: "إن ناساً من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على حلفائهم ومواليهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين خاصة ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك".

وصح عن ابن عباس أنه قال: "لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم". وفي رواية عنه: "ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يدعي للمسلمين والمسلمات بالاستغفار"، وكلاهما يحتمل الكراهة والحرمة.

واستدل المانعون بأن لفظ الصلاة صار شعاراً لعظم الأنبياء وتوقيرهم فلا تقال لغيرهم استقلالاً وإن صح. كما لا يقال "محمد عز وجل" وإن كان عليه الصلاة والسلام عزيزاً جليلاً، لأن هذا الثناء صار شعاراً لله تعالى فلا يشارك فيه غيره. وأجابوا عما مر بأنه صدر من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. ولهما أن يخصا من شاءا بما شاءا وليس ذلك لغيرهما إلا بإذنهما ولم يثبت عنهما إذن في ذلك.

ومن ثم قال أبو اليمن بن عساكر: "له صلى الله عليه وسلم أن يصلي على غيره مطلقاً لأنه حقه ومنصبه فله التصرف فيه كيف شاء بخلاف أمته إذ ليس لهم أن يؤثروا غيره بما هو له، لكن نازع فيه صاحب المعتمد من الشافعية بأنه لا دليل على الخصوصية". وحمل البيهقي القول بالمنع على ما إذا جعل ذلك تعظيماً وتحية وبالجواز عليها إذا كان دعاء وتبركاً.

واختار بعض الحنابلة أن الصلاة على الآل مشروعة تبعاً وجائزة استقلالاً وعلى الملائكة وأهل الطاعة عموماً جائزة أيضاً وعلى معين شخص أو جماعة مكروهة، ولو قيل بتحريمها لم يبعد سيما إذا جعل ذلك شعاراً له وحده دون مساوية ومن هو خير منه كما تفعل الرافضة بعلي كرم الله وجهه ولا بأس بها أحياناً كما صلى عليه الصلاة والسلام على المرأة وزوجها وكما صلى عليه الصلاة والسلام على علي وعمر رضي الله تعالى عنهما لما دخل عليه وهو مسجي. ثم قال: وبهذا التفصيل تتفق الأدلة، وأنت تعلم اتفاقها بغير ما ذكر.

والسلام عند كثير فيما ذكر، وفي شرج الجوهرة للقاني نقلاً عن الإمام الجويني أنه في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء عليهم السلام فلا يقال علي عليه السلام بل يقال رضي الله تعالى عنه. وسواء في هذا الأحياء والأموات إلا في الحاضر فيقال: السلام أو سلام عليك أو عليكم وهذا مجمع عليه انتهى. وفي حكاية الإجماع على ذلك نظر.

وفي الدر المنضود: السلام كالصلاة فيما ذكر، إلا إذا كان الحاضر أو تحية لحي غائب. وفرق آخرون بأنه يشرع في حق كل مؤمن بخلاف الصلاة، وهو فرق بالمدعي فلا يقبل، ولا شاهد في السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لأنه وارد في محل مخصوص وليس غيره في معناه على أن ما فيه وقع تبعاً لا استقلالاً. انتهى كلام الألوسي رحمه الله.

وبعد استعراضنا بعضاً من قول بعض العلماء والسلف في أمر الصلاة والسلام على آل البيت النبوي عليهم رضوان الله وسلامه، نقول وبالله التوفيق:

أولاً: لقد اطلعنا على كثير مما ذكر في شأن الصلاة والسلام على آل بيت سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم نقف قط على أمر هو في غاية الأهمية، بل ولم يذكره أحد قط مما قرأنا له، الأمر المتمثل في التفريق بين الدعاء من جهة والإخبار بالأمر ورفعه لله تعالى من جهة ثانية. ولتوضيح ذلك، نقول:

  • تشتمل صيغ الصلاة والسلام على عبارات منها (صلى الله على ...) و(اللهم صل على ...) و(عليه السلام) و(سلام الله عليه)، وهنا نجد أن الفارق بين (صلى) من جهة وبين (اللهم) و(عليه) و(سلام) من جهة ثانية فارق كبير. فلفظ (صلى) إنما هو فعل ماضٍ ننسبه لله تعالى بقولنا: (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي وكأننا نقول: إن الله تعالى قد صلى، وهذا لا يجوز إلا في حالة ثبوت وقوع العمل من الله تعالى، وإثبات ذلك لنفسه جل وعلا. ولذا كان لفظ (صلى الله عليه وسلم) مشروع بنص قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب/56. ويكون إلحاق الآل به، عليه وآله الصلاة والسلام بلفظ: (صلى الله عليه وآله وسلم) جائز بالتبعية أخذاً بقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) الأحزاب/43، متبوعة – وأعني الآية – بأمره صلى الله عليه وآله وسلم بإلحاق آله بالصلاة كما جاء في حديث الصلاة، وما نصت عليه الصلاة الإبراهيمية من هديه صلى الله عليه وآله وسلم.
  • أن لفظ (اللهم) و(سلام) و(عليه) إنما تأتي في مقام الدعاء، فهي لا تنسب لله تعالى عملاً، ولا يخالف قائلها شرعاً، فإنه بقوله هذا إنما يرجو الدعاء ويطلب من الله تعالى الإجابة، كقوله: (اللهم صل على فلان) و(اللهم بارك فلاناً) أو (سلام الله على فلان) و(سلام الله عليك وعليه) أو (عليه رضوان الله) و(عليه سلام الله) ولذا فإنه لا يوجد في أي من تلك الصيغ ما يخالف الشريعة أو يأتِ بذنب يستحق غضب الله وعقابه.

ثانياً: كلنا يعلم أن ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، إنما هي أمور مما لا تمس ولا تخالف بل يجب على المسلم الانصياع لها، فلا اجتهاد فيها ولا مخالفة لها، بل وليس للمسلم ولا للمسلمة خيار في ذلك أخذاً بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36، ولذا عد كل مسلم يخالف ذلك مخالفاً لتشريع. وأما الاجتهاد فإنه صدر ويصدر عن بشر لم يعصمهم الله تعالى، ولم ينزل بهم قولاً يجب به إتباعهم دون حوار أو طرح المزيد من الاجتهادات التي قد تخالف اجتهاداتهم. وإلا فإننا إن قلنا بعصمتهم فقد أصبحنا تحت طائلة الإمعات وتجميد عقولنا عن التفكر والتدبر، وهو الأمر الذي ما جاء به الشرع، بل ويخالف ما أمر الله تعالى به من التفكر والتدبر والعمل. ولذا فإن الأخذ بما قاله (البعض) في النهي أو (كراهية) السلام على آل البيت إفراداً ليس ملزماً للمسلم إن لم يكن مبني على دليل شرعي قاطع الدلالة من الكتاب أو السنة. وليس في هذا مخالفة لأمر الله تعالى ولا لأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً: لو تأملنا في جميع ما ذكره العلماء الذين نقلنا عنهم في شأن إفراد آل البيت النبوي بالصلاة أو التسليم، لوجدنا أنه لم يصدر قول واحد عن عالم من العلماء يقول بالنهي أو بالكراهية مدعماً بآية من القرآن الكريم أو بحديث جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن كانت كل تلك الإفتاءات والاجتهادات مستندة على بعض الأقوال التي ضعفها بعض علماء الحديث، ورويت عن بعض السلف، كابن عباس عليه رضوان الله وسلامه وعمر بن عبد العزيز رحمه الله وغيرهما. مما يعني أن ما قيل في ذلك يندرج تحت بحر الاجتهاد لا التشريع المحقق بآية أو حديث نبوي قطعي الدلالة.
رابعاً: إن المدقق في قول السلف الذين أوردنا مقتطفات من أقوالهم، وهم – كما لا يخفى على الجميع – من علماء الأمة الذين نأخذ منهم، إلا أننا لا نقول لا بعصمتهم ولا بصوابهم المطلق. ولذا فإن المدقق في أقوالهم سيجد بعض الأقوال التي تحتاج إلى تأمل وتدقيق منها قولهم: (لأن هذا قد صار شعاراً للأنبياء إذا ذكروا فلا يلحق بهم غيرهم) وقولهم: (لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك) وقولهم: (والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم)، ونجد أن جل ما كان التركيز عليه في تلك الاجتهادات قد انصبت على (شعار) وعلى (أهل البدع)، الأمر الذي لم تُبنَ عليه تلك الاجتهادات لا على دليل شرعي من الكتاب ولا من السنة النبوية، وهو ما يجيز للغير من أهل العلم المزيد من التدقيق والاجتهادات، وإن كان من قال بقولهم من جهابذة الأمة، فإنهم غير معصومين، وللأمة حقها في البحث والتدبر في ذلك.
خامساً: يجد المدقق في قول السلف الذين أوردنا بعضاً منه، بعضاً من العبارات ومنها: (لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة) و(مكروه كراهة تنزيه)، وجميع تلك الألفاظ والأحكام لا تندرج تحت قاعدة التحريم المطلق ولا النهي الملزم الذي يكتب على فاعلة ذنب يستوجب العقاب من الله تعالى.
سادساً: ورد في قول الجُوَيني: (فلا يستعمل في الغائب)، وقال أيضاً: (وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه) ونتسائل هنا:

  • ماذا يقال إن قيل لأحدنا: (فلان يسلم عليك)؟ أليس الجواب الحق هو: (وعليه السلام) أو (عليك وعليه السلام)؟.
  • لماذا يجاز قول: (سلام عليكم) و(سلام عليك) و(السلام عليك أو عليكم) بصيغة المخاطب، ولا يجاز في المقابل لفظ (عليه السلام) أو (عليهم السلام) بصيغة الغائب، وما دليل ذلك شرعاً من الكتاب والسنة؟ في الوقت الذي ليس هناك أي اختلاف بين الألفاظ ليقال بجواز المخاطب، ويقال عن صيغة الغائب (وهذا مجمع عليه)؟
  • قال الجويني: (وهذا مجمع عليه) ونتسائل: كيف كان الإجماع وهناك من يجيز لفظ (عليه السلام) كالقاضي عياض وغيره؟ وهذا الأمر - وأعني اختلاف الرأي بين العلماء - إن وجد فلا يجوز معه القول (وهذا مجمع عليه) فالإجماع يعني الموافقة دون وجود معارضة أو مخالفة للقول.

سابعاً: قال المحقق لتفسير ابن كثير: (يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه" وهذا وإن كان معناه صحيحاً، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان بن عفان أولى بذلك منه). ونقول: إننا وإن اتفقنا مع المحقق في ما قاله من تعظيم قدر ساداتنا الأجلاء أبو بكر وعمر وعثمان عليهم رضوان الله وسلامه، فإن القول فيما اختص به سيدنا علي في أمر السلام، لا يندرج تحت طائلة التفضيل بينه وبين  الصحابة الأجلاء، فهو عليه رضوان الله وسلامه وإن عد من الصحابة، إلا أن له خصوصيته كعظيم من عظماء أهل البيت النبوي الشريف، وعظيم من أهل العباءة، هؤلاء الذين يصلى عليهم في اليوم والليلة خمس مرات، في الوقت الذي لا يصلى على الصحابة الأجلاء عليهم رضوان الله في صلوات المسلمين. وهذا يعني أننا إن قلنا بحق سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه (عليه السلام) أو (سلام الله عليه) فهذا ليس من باب التفضيل بل من باب الحق كسيد من سادات أهل البيت، وليس من باب الصحبة بل من باب العترة النبوية، والفارق بين الاثنان معلوم. بل وقد قاله جميع أهل العلم، بأن الصحابة الأجلاء قد غنموا الصحبة والإيمان، وأما سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه فقد غنم الصحبة والإيمان والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثامناً: إن كان أهل البدع قد قالوا بالحق ليصلوا به لباطل، فهذا لا يعني أن يتخلى أهل الحق عن حق أقره الشرع. وأعني، أن الشيعة الذين خالفوا أهل السنة والشرع في أمور كثيرة وإن كانوا ممن يذكرون السلام على سيدنا علي عليه رضوان الله وسلامه ليصلوا إلى مآربهم، فهذا لا يعني أن يترك أهل السنة مثل ذلك للخوف من تقليد أهل البدع، فالحق أحق أن يُحق، وهذا حق أهل السنة والجماعة قبل أن يكون إدعاء وقول أهل التشيع والضلال والبدع.
تاسعاً: لو عدنا لقول القاضي عياض القائل: (قال القاضي عياض وعليه عامة أهل العلم واستدل له بقوله تعالى: (هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ) الأحزاب/34، وبما صح في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على آل أبي أوفى" وقوله عليه الصلاة والسلام وقد رفع يديه: "اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة" وصحح ابن حبان خبر "إن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي ففعل" وفي خبر مسلم "أن الملائكة تقول لروح المؤمن: صلى الله عليك وعلى جسدك" وبه يرد على الخفاجي قوله في شرح الشفاء صلاة الملائكة على الأمة لا تكون إلا بتبعيته صلى الله عليه وسلم) لوجدنا به من تأييد وجواز السلام على أهل بيت النبوة ما يدمغ المخالفين بالأدلة القاطعة، وهو ما نقول به، إحقاقاً للحق لا إتباعاً لأهل الهوى والضلال من الشيعة المخالفين.

خلاصة القول، فإننا وبعد أن قدمنا ما قدمنا، فإننا لا نرى أمر الصلاة والسلام على أهل البيت إفراداً، أمراً مخالفاً للشريعة ولا عملاً يؤدي إلى ذنب يوجب العقاب والعذاب، بل نراه مما يحسب للعبد في إجلال آل البيت النبوي الشريف، ويحقق على أقل تقدير قول الله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وهم الذين تصلي عليهم الأمة بأسرها في اليوم خمس مرات. وهذا ما نقول به، لا تشبهاً أو اتباعاً لما يقوله أهل الطائفة الشيعة والتي نبرأ إلى الله منها ومن أعمالها الضالة، ولكنه الحق الذي يجب علينا نحن أهل السنة التمسك به وليس التخلي والبعد عنه، فنحن أهل السنة أحق بذلك منهم.

اللهم إن كنت قد أصبت بما قلت وكتبت، فإني أشهدك أنه لا فضل لي فيه قط، إنما هو بفضلك وجودك وكرمك ومنك وإحسانك وعلمك، وبما علمته لعبيدك ابن عبيدك ابن أميمتك الذليل بين يديك، عديم العلم إلا بما جدت وتجود به عليه، وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي وجهلي وجهالتي، أستغفرك الله ربي وأتوب إليك، متذللاً بين يديك لاجئاً إليك متوسلاً بك بين يديك أن تغفر لعبدك الجاهل المذنب، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت برحمتك يا الله يا أرحم الراحمين.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

ترحب إدارة الموقع بكافة التعليقات والملاحظات، وذلك من خلال صفحة (اتصل بنا).