السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه

بقلم الفقير الذليل لربه تعالى، حسان بن محمدعلي بن عمر الطيار

مقدمة.
الحمد لله الذي قضى بحكمه ما شاء. الحمد لله الذي قدر الأقدار بين عباده كما يشاء. الحمد لله الذي خلق الخلق فاصطفى منهم من يشاء،  لحكمة لا يعرفها غيره سبحانه وتعالى شاء بأمره ما شاء. الحمد لله القائل في محكم التنزيل، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10-12. وأشرف الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين، وتاج كائنات الله أجمعين، المبعثون رحمة مهداة من رب العالمين للعالمين، الذي أخرج الله تعالى به عباده من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط الله المستقيم، سيدنا وإمامنا ومولانا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله قائد الغر المحجلين وعلى أهل بيته الأطهار وآله الأخيار وقرابته وأصحابه النجباء وعموم الأنبياء والمرسلين أجمعين وبعد:

فلقد شاء الله عز وجل أن يصطفى من عباده ما شاء لهم، لحكمة وعلم هي له سبحانه وتعالى، هؤلاء الذين مهما كتب الكاتبون، وأرخ المؤرخون، وسطر المسطرون، وخلد التاريخ بحقهم ما خلد، فإنهم لن يوفوهم حقهم وقدرهم أبداً، ولن يستطيعوا أن يحصوا شمائلهم وخصائصهم. ذاك أن إصطفاء الله تعالى لهم فاق ويفوق قدرات من أراد أن يكتب عنهم. ولذلك كله ترى الأقلام تعجز، والمداد يجف، والعمر ينقضي دون أن تجد البشرية حصراً شاملاً وتأريخاً كاملاً لهؤلاء العظماء، والذي أراد الله تعالى أن يكون منهم، سيدة من السادات الذين اصطفاهم، الذين قال بهم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.

هي ريحانة بني هاشم الأبية، شقيقة الحسنين السبطين الجليلين وشقيقها محسن وشقيقتها عقيلة بني هاشم زينب الكبرى في الدوحة المحمدية. هي خامسة الخمسة في دوحة البيت العلوية الزهراوية. هي سيدتنا أم كلثوم بنت سيدنا أمير المؤمنين أبو السبطين علي الكرار أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، حفيدة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. بنت البضعة الطاهرة الزكية فاطمة الزهراء، عليهم رضوان الله تعالى وسلامه أجمعين.

هي من تعرضت للقلاقل والمحن ما يعجز عن تحمله قبائل الرجال، فصبرت وصابرت واحتسبت أجرها عند الله تعالى. هي من عرفت أعظم اليتم بفقدها جدها الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أمها البضعة الطاهرة عليها رضوان الله وسلامه ولم تكن قد أكملت أربع سنوات من عمرها. هي من رافقت أبوها وشقيقيها في كل أرض وزمان لا تنفك عنهم ولا تنفصل من بينهم في التصدي لعداء أعداء أهل بيت النبوة على مر الزمان. هي من ترملت ثلاث مرات وصبرت ليقينها أنه أمر الله تعالى ليكون إنتقالها في رابع بيوت الزوجية. هي من انطبق بحقها قول أبيها الهمام سيدنا علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه (إنما حبست بناتي على بني جعفر) فكانت زوجاً لأبناء عمها الثلاث بني سيدنا جعفر الطيار عليهم رضوان الله وسلامه. هي قامت إلى جوار شقيقتها عقيلة بني هاشم تؤازرها وتعاضدها وتساندها في إنفاذ الوصية الطاهرة، وصية أمها البضعة الزكية عليها رضوان الهن وسلامه، تصون وصيتها وتؤديها حقها ليلاً ونهاراً في كل مكان وزمان. هي من سكن قلبها وروحها حب السبطين الجليلين وشقيقتها عقيلة بني هاشم عليهم رضوان الله وسلامه، وسكن حبها نفوسهم وأرواحهم الطاهرة .

لقد توقفت كثيراً وأنا أكتب سطوري المتواضعة هذه، وسألت نفسي ملياً، كيف أكتب عن عظيمة بهذه العظمة وأنا لا أملك القدرة على ذلك شيئاً؟ كيف أكتب عن شخصية جليلة كهذه وأنا لا أملك من العلم إلا ما لعمني ربي وما علمي إلا ذرة قطرة من علوم علمها ربي لأهل العلم؟ ولذلك كله، أعترف أمام القارئ والقارئة بأنني مهما كتبت، فلن أوفي سيدتي العظيمة أم كلثوم بنت سيدي ومولاي علي الكرار بن أبي طالب. بنت سيدتي وقرة عيني ومولاتي الزهراء البتول عليهم رضوان الله تعالى وسلامه أجمعين، ولا بقدار قطرة من محيطات ما خصها الله تعالى به. مستغفراً الله تعالى عما بدر ويبدر مني من تقصير ومستسمحاً رسوله الهادي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسيدتي الجليلة ريحانة بني هاشم عليها رضوان الله تعالى عن ذلك، واضعاً ذلك كله بين يدي الله جل وعلا ومحتسباً الأجر منه جل جلاله. فإن وفقت في عملي فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله العلي العظيم من ذنبي وأتوب إليه. والله أسأله التوفيق والنجاح.

اسمها ونسبها عليها رضوان الهي وسلامه.
هي السيدة الموقرة، الحفيدة العطرة، سليلة المجد، وعظيمة الجد، شقيقة الحسنين، راقية الأبوين، ريحانة بني هاشم، حفيدة سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم، شقيقة عقيلة بني هاشم، سيدتنا أم كلثوم بنت سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبو السبطين الجليلين علي الكرار بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم عليهم رضوان الله وسلامه وبركاته ورحماته، وأمها سيدتنا المعظمة الجليلة المفخمة، سيدة نساء العالمين، بضعة الحبيب الأعظم سيدنا ومولانا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الطاهرة المطهرة فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه وبركاته ورحماته.

وأما جدها لأمها، فهو سيد الكائنات وملاذ المخلوقات وشفيع الأمم ورحمة الله وهدايته للجن والإنس عرباً وعجم، حبيب الله وصفيه ونجيه وخليله الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. وأما جدتها لأمها فهي أم السلام المقروءة بالسلام من الله السلام جل وعلا الحبابة الجليلة سيدة أمهات المؤمنين وهدية الله لحبيبه من العالمين، السيدة العظيمة خديجة الحبابة بنت خويلد عليها رضوان الله وسلامه.

وأما جدها لأبيها فهو السيد المبجل، سيد العرب والعجم وعظيم البطحاء، أبو طالب بن عبدالمطلب الهاشمي الذي شهد له التاريخ بعظيم مواقفه وجليل مكانته. وأما جدتها لأبيها فهي السيدة الهاشمية العظيمة الوقور حبيبة رسول الهدى صلى الله عليه وآله وسلم، السيدة الهاشمية فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، أول هاشمية تزوجت بهاشمي وأنجبت له ولحقت بكوكبة الإسلام ووصت إلى الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقبل وصيتها وصلى عليها ونزل بلحدها وأثنى عليها ثناءً عظيماً.

وأما جدها الأعلى لأبويها فهو أمين الكعبة وصاحب السقاية والرفادة والقيادة، صاحب دار الندوة، سيد سادات قريش والعرب عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، وبه يطول الذكر ويكثر المديح ويعلو الفخر، ولا ينكر مقامه وفضله إلا جاهل مبغض.

ولدت بأبي هي وأمي وروحي عليها رضوان الله وسلامه في السنة السابعة للهجرة الشريفة، وقيل في السنة السادسة، والقول الأول أصوب وأدق، وكانت آخر مواليد السيدة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه، وكانت تصغر السيدة العقيلة زينب عليهما رضوان الله وسلامه بسنة واحدة. أما أخوانها الذكور فهم ساداتنا، أمير المؤمنين الحسن السبط بن علي وكان يكبرها بأربع سنين، والحسين السبط بن علي وكان يكبرها بثلاث سنين، ومحسن بن علي وكان يكبرها بسنتين عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين.

ما أن أتمت السيدة الشريفة من العمر أربع سنوات، حتى كانت عليها رضوان الله وسلامه مع  موعد لفراق جدها العظيم سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم ثم بعده بأشهر قليلة، كان موعدها الثاني بفراقها أمها الزهراء البتول العظيمة عليها رضوان الله وسلامه، فنشأت ترتشف مرارة اليتم وهي لم تبلغ الخمس سنوات، في أحضان أبيها وأخواها الحسنين وأختها العقيلة عليهم رضوان الله وسلامه، طفلة يتيمة الأم، فارقتها بعد أن غرست بها في سنواتها الأربع أعظم المعاني السامية، وأعالي الأخلاق الفاضلة، وأسس الدين والشريعة والعفة والطهارة.

وما أن أتمت عليها رضوان الله وسلامه من العمر عشر سنوات، حتى أكملها الله تعالى بأنوثتها، فكانت على موعد للانتقال من بيت أبيها إلى بيت أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، وذلك في السنة السابعة عشرة للهجرة. ولتكون بدايتها مع سن النضوج والأمومة.

زواجها بالفاروق وبأبناء عمها جعفر بن أبي طالب.
قال ابن عبدالوهاب في "مختصر السيرة" (1/448): (ثم دخلت السنة السابعة عشرة، فكان فيها فتوح كثيرة شرقاً وغرباً. وفيها فتحت تستر، التي وجد فيها جسد دانيال عليه السلام. وكان المشركون يستسقون به. وفيها تزوج عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم طلباً لصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). وقال ابن الأثير في "الكامل" (1/441) عند حديثه عن سنة سبع عشرة: (وفيها تزوج عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وهي ابنة فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل بها في ذي القعدة. وبها اعتمر الفاروق وبنى المسجد الحرام ووسع فيه واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، وأقام بمكة عشرين ليلة، وهدم على قوم أبوا أن يبيعوا، ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتى أخذوها، وكانت عمرته في رجب من السنة السابعة عشرة للهجرة).

وقال ابن سعد في "الطبقات" (8/463): (أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم رضي الله عنهم أجمعين، فقال علي: (إنما حبست بناتي على بني جعفر. فقال عمر: أنكحنيها يا علي، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد. فقال علي: قد فعلت. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر، وكانوا يجلسون ثم علي وعثمان والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه. فجاء عمر فقال: رفئوني. فرفؤوه وقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ قال: بابنة علي بن أبي طالب. ثم أنشأ يخبرهم فقال: إن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي"، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضاً) انتهى كلام ابن سعد رحمه الله.

وكان سبب زواج الفاروق بالسيدة الطاهرة أم كلثوم عليهما رضوان الله وسلامه، ما قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/500) في ترجمته للسيدة أم كلثوم بنت علي عليهم رضوان الله وسلام، قال: "خطبها عمر بن الخطاب وهي صغيرة، فقيل له: ما تريد إليها؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي". وروى عبدالله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، أن عمر تزوجها فأصدقها أربعين ألفاً. ثم قال الذهبي في هامشه عن الحديث الشريف: حديث صحيح، أخرجه الحاكم (3/142) من طريق السري بن خزيمة، عن معلى بن راشد، حدثنا وهيب بن خالد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، أن عمر بن الخطاب ...الحديث) وقال: هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في "المختصر" فقال: منقطع، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/463) من طريق أنس بن عياض الليثي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عمر ...الحديث)، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (5/15)، وزاد نسبته للبزار، والطبراني، والبيهقي، والضياء المقدسي في "المختارة" وأورده الهيثمي في "المجمع" (9/173) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل وهو ثقة. وفي الباب عن المسور بن مخرمة عند أحمد (4/322) بلفظ: "إن الانساب يوم القيامة تنقطع، غير نسبي وسبي وصهري" وسنده حسن في الشواهد، وعن ابن عمر عند ابن عساكر.) انتهى كلام الذهبي رحمه الله.

وقال الطبري في "الذخائر: (1/168): (ذكر أبو عمر أن عمر (يعني الفاروق رضوان الله عليه) قال له لما قال إنها صغيرة (يعني قول سيدنا علي للفاروق بحق ابنته أم كلثوم عليهما رضوان الله وسلامه): "زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد" فقال علي رضي الله عنه له: "أنا أبعثها إليك، فان رضيتها فقد زوجتكها" فبعثها إليه ببرد فقال لها: "قولي له: هذا البرد الذي قلت لك" فقالت ذلك لعمر فقال: "قولي له: قد رضيت رضي الله عنك" ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: "أتفعل هذا! لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك" (وفي رواية: لولا أنك أمير المؤمنين لطمست عينيك) ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر وقالت: "أتبعثني إلى شيخ سوء؟!" قال: "يا بنية، فإنه زوجك" فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون فجلس إليهم وقال لهم: "زفوني" قالوا: "بمن يا أمير المؤمنين؟" قال: "تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أب] طالب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري" فزفوه) انتهى كلام الطبري رحمه الله.

ثم قال الطبري (1/170): (وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: خطب عمر رضي الله عنه إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم فاستشار علي العباس وعقيلاً والحسن، فغضب عقيل وقال لعلي: "ما تزيدك الأيام والشهور إلا العمى في أمرك، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن"، فقال علي للعباس: "والله ما ذاك منه نصيحة ولكن درة عمر أحوجته إلى ما ترى، أما والله ما ذاك منه لرغبة فيك يا عقيل ولكن أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" خرجه الدولابي. وعنه أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على أربعين ألف درهم. خرجه أبو عمر والدولابي وابن السمان في الموافقة. وعن الزهري قال: أم كلثوم بنت علي من فاطمة تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب. وقال أبو عمر: زيد بن عمر الأكبر ورقية بنت عمر). انتهى كلام الطبري رحمه الله.

قلت: لا بأس فيما قاله الطبري وغيره في زواجها بالفاروق عليهما رضوان الله وسلامه، إلا أن ما تحدث به البعض من أن الفاروق قد وضع يده على ساقها فكشفها، فهذا أمر لا نرى به ثبات وإن رواه البعض، فإن عملاً كهذا لا يليق بأن يصدر من الفاروق عليه رضوان الله وسلامه صاحب الغيرة والحياء، ولا يمكن أن يصدر منه بحق حفيدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن قال البعض وبرر ذلك بأنه قد أراد معرفة ما إذا قد نضجت الفتاة أم لا، وذلك يظهر في حالة معرفتها بما يعنيه كشف ساقها، ونقول: وإن كان ذلك مبرراً فهو لا يليق بالفاروق ولا يصدر منه، بل ولا يقبل به والدها أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي أطالب عليه رضوان الله وسلامه. ويُستشهد بخلاف تلك الراوية ما رواه ابن سعد في "الطبقات" (8/464) قال: في جملة الحديث الذي رواه محمد بن عمر: (الحديث... فأمر علي بها فصنعت ثم أمر ببرد فطواه وقال: انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي: أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول: إن رضيت البرد فأمسكه وإن سخطته فرده. فلما أتت عمر قال: بارك الله فيك وفي أبيك قد رضينا. قال: فرجعت إلى أبيها فقالت: ما نشر البرد ولا نظر إلا إلي. فزوجها إياه فولدت له غلاماً يقال له زيد) انتهى كلام ابن سعد رحمه الله.

وأما القول بالخلاف الذي حدث مع سيدنا عقيل بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه والقصة التي أوردها الطبري في "الذخائر" وبعضاً آخر من المؤرخين، ولم نرغب في سردها لما فيها من المغالطات والتطاول الشيء الكثير. فنقول: ليس ذلك بعين الصواب، فإنه قد كان لأمير المؤمنين الفاروق عليه رضوان الله وسلامه عند ولدي أبو السبطين وأخيه عقيل وجعفر وأبنائهم مكانة عظيمة لا تصل إلى مثل هذه الخلافات والنهي والنفور، ومن جهة أخرى فإنهم أعلم بعدالته وورعه ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا نرى قولاً كهذا وكسابق القول إلا صادر عن فرقة من الطائفة الشيعية أو حتى من غيرها ممن يدعون حب آل البيت وبينهم وبين ذاك الحب أودية سحيقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولما استشهد الفاروق عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، تزوجها ابناء عمها جعفر بن أبي طالب، كما سبق وأن ذكرنا عند حديثنا في مختصر سيرة محمد وعوناً ابني سيدنا جعفر الطيار رضوان الهد وسلامه عليهم. فكان زواجها من محمد ثم من عون على يد أبيها أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، وأما زواجها بسيدنا عبدالله الجواد بن جعفر فقد كان كما سبق وأن أسلفنا بعد انتقال السيدة العقيلة سيدتنا زينب بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى بوصية منها، وفي بيته كان انتقال السيدة الجليلة أم كلثوم عليها رضوان الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى.

قال ابن سعد في "الطبقات" (8/463): (تزوجها عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ، فلم تزل عنده إلى أن قتل وولدت له زيد بن عمر ورقية بنت عمر، ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب فتوفي عنها، ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب فتوفي عنها، فخلف عليها أخوه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب، فقالت أم كلثوم رضي الله عنها: (إني لأستحيي من أسماء بنت عميس، إن ابنيها ماتا عندي وإني لأتخوف على هذا الثالث). فماتت عنده ولم تلد لأحد منهم شيئاً) انتهى كلام ابن سعد رحمه الله.

ومضات من حياتها الشريفة عليها رضوان الهت وسلامه.
ولدت السيدة الوقورة أم كلثوم بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه، وحظيت من حياة والدتها البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها رضوان الله وسلامه أربع سنوات فقط، كانت السنوات الأربع، كفيلة أن يغمس فيها العفاف والشرف والدين والتقى والورع، كيف لا وهي سليلة المجد، حفيدة سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم، ابنة البضعة الطاهرة النقية المنقاة، وابنة باب مدينة العلم وسيد البلاغة والدين، السابق لدين الله تعالى عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، شقيقة الحسنين الشريفين وعقيلة بني هاشم عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين. كل ذلك كان كفيلاً بفضائل الله تعالى أن تخرج هذه النور إلى الوجود وتظل بنورها مشعة حتى بعد لقائها الله سبحانه وتعالى.

ثم كان لمتابعة والدها العظيم في تربيتها، ومتابعة أشقائها الحسنين والعقيلة عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، الأثر البالغ في تدعيم وصقل تلك الشخصية الرائعة، فخرجت إلى الدنيا تقف في وجه المعاصي، فتنهى ذلك عما حرم الله، وتأمر هذا بما أمر الله، حالها حال البقية من الآل النبوي الأطهار.

فلما كانت السيدة الوقور ببيت أمير المؤمنين الفاروق رضوان الله عليه، وبالرغم من حداثة سنها، إلا أنها كانت من أعاظم النساء اللاتي تتعلم النساء منها ومن سيرتها، كيف تكون رعاية الزوج وحفظ حقوقه مع عدم التقصير في فرائض الله تعالى وواجباته، وما خُلق الإنسان من أجله.

وأما آل أبيها، وآل هاشم، فكان لهم منها نصيب كبير، فإنها عليها رضوان الله وسلامه لم تكن لتتخلف أو تغادر أمراً مس فيه أحد من بيت أبيها، فتراها مرافقة لأبيها في صفين والمعارك الأخرى، وإلى جواره ساعة استشهاده بأبي هو وأمي وروحي عليه رضوان اله  وسلامه. ومن بعده إلى جوار قرة عينها سيدنا أمير المؤمنين الحسن العظيم عليه رضوان الله وسلامه إلى أن وافته المنية شهيداً مقتولاً بالسم، قاتل الله من قتله. ومن بعده إلى جوار شقيقها سيدنا الحسين الهزبر عليه رضوان الله وسلامه، إلى أن كان استشهاده في كربلاء قاتل الها من قتله وقتل من حوله، لتتحمل بعد ذلك إلى جوار شقيقتها زينب العقيلة والهاشميات الفاضلات عليهن رضوان الله وسلامه أجمعين لقاء ابن زياد ويزيد بن معاوية قاتلهم الله، وعودتها بصحبتهن إلى المدينة المنورة بعد انفراج الأزمة. ثم ما لبثت السيدة الوقور قليلاً حتى رأت شقيقتها التي رافقت حياتها ومسيرتها منذ نعومة أظفارها، وهي تخرج مرغمة مهاجرة إلى أرض مصر، ولقائها بالباري عز وجل، لتصبح بذلك الوحيدة التي بقيت من ذرية أمها البضعة الطاهرة سيدتنا فاطمة الزهراء وأبيها أمير المؤمنين سيدنا علي عليهم رضوان الله وسلامه. ولتنتقل بعد ذلك إلى آخر محطاتها في بيت ابن عمها عبدالله بن جعفر عليه رضوان الله وسلامه ليكون لقائها بالله تعالى وابنها زيد في يوم وليلة واحدة. فعليها رضوان الله وسلامه يوم ولدت ويوم انتقالها لباريها ويوم تبعث بين يدي الله تعالى إلى جوار أبيها وأمها عليهم رضوان الله وسلامه أجمعين، وجدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

روايتها للحديث الشريف.
روت عليها رضوان الله وسلامه الحديث الشريف عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة عليها رضوان الله وسلامه، وعن ميمون (وقيل: مهران) مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن هرمز (وقيل: كيسان) وكان مولاً من الموالي وغيرهم. وروى عنها عطاء بن السائب وجبر بن حبيب وغيرهم كما عند الطحاوي في مشكل الآثار والصنعاني في تفسيره والجصاص في تفسيره والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم.

ومما روته عليها رضوان الله وسلامه، ونورده على سبيل المثال لا الحصر، ما رواه الصنعاني في "تفسيره" (3/75) الحديث رقم (1062) والطبراني في "المعجم" (16/285) والأصفهاني في "معرفة الصحابة: (17/35) والقول للصنعاني: حدثنا عبدالرزاق عن الثوري، عن عطاء بن السائب، قال: حدثتني أم كلثوم بنت علي، وأتيتها بصدقة كان أمر بها، فقالت: (لا آخذ شيئاً، فإن ميموناً أو مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (يا ميمون أو قال: (يا مهران إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة). وفي رواية عند الجصاص في "أحكام القرآن" (7/85) قوله: (روي عن عطاء بن السائب عن أم كلثوم بنت علي عن مولى لهم يقال له هرمز أو كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (يا أبا فلان إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل الصدقة). وفي رواية عند البيهقي في سننه قوله: (عن عطاء ابن السائب عن أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما قال: أتيتها بشيء من الصدقة فقالت: (احذر شبابنا وموالينا فإن ميمون أو مهران مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة). وفي رواية عند أبي عاصم في "الآحاد" (1/485) قوله: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أم كلثوم بنت علي، قالت: حدثني مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقال له: مهران رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (إنا آل محمد ، لا تحل لنا الصدقة).

وروى الطحاوي في "مشكل الآثار" (13/238) قال: (أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا شعبة، أخبرنا جبر بن حبيب قال: سمعت أم كلثوم بنت علي، تحدث عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكلمه، وعائشة تصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عائشة قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله ...الحديث" ثم ذكر بقية الحديث).

عقبها عليها رضوان الله وسلامه.
وثق ثقات أهل التاريخ أن سيدتنا أم كلثوم بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه، لم تعقب سوى لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأما أبناء عمها الثلاث محمد فعوناً فعبدالله أبناء جعفر بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، فإنها لم تعقب لهم. وكان عقبها للفارق زيداً ورقية. فأما زيد بن عمر بن الخطاب عليهم رضوان الله، فقال ثقات أهل التاريخ ومنهم العاصمي في "سمط النجوم" (1/225): "ولدت له (يعني عمر بن الخطاب رضوان الله عليه) زيداً الأكبر ورقية. فأما زيد الأكبر فعاش إلى أن ارتحل، فرمى في حنين بحجر مات به، أصابه به خالد بن أسلم مولى أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطأ، ولم يترك عقباً. كذا في الجمع الغريب. وأما رقية فتزوجها إبراهيم بن نعيم النحام وماتت عنده وليس لها عقب. وكان موتها هي وولدها من عمر المسمى زيداً الأكبر، المقتول خطأ بيد خالد بن أسلم مولى زوجها عمر رضوان الله عليه في وقت واحد، وصلى عليهما ابن عمر، قدمه الحسن بن علي، وكان فيهما سُنّتان: إحداهما عدم توريث أحدهما من الآخر، والأخرى تقديم زيد على أمه مما يلي الإمام، حكاه أبو عمر. قلت: لا يشكل على قوله صلى عليهما ما تقدم من أن زيداً رمى في حنين خطأ؛ لجواز تأخر موته به إلى وقت موت أمه. والله أعلم". انتهى قول العصامي في السمط.

وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (2/502): (وكان ابنها زيد من سادة أشراف قريش، توفي شاباً، ولم يعقب. وعن رجل قال: وفدنا مع زيد على معاوية، فأجلسه معه، وكان زيد من أجمل الناس، فأسمعه بسر كلمة، فنزل إليه زيد، فصرعه، وخنقه، وبرك على صدره، وقال لمعاوية: "إني لأعلم أن هذا عن رأيك، وأنا ابن الخليفتين"، ثم خرج إلينا قد تشعث رأسه وعمامته. واعتذر إليه معاوية، وأمر له بمائة ألف ولعشر من أتباعه بمبلغ". يقال: وقعت هوسة بالليل، فركب زيد فيها، فأصابه حجر فمات منه، وذلك في أوائل دولة معاوية). انتهى كلام الذهبي رحمه الله.

وأما السيدة رقية بنت السيدة أم كلثوم بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه، وهي رقية بنت عمر بن الخطاب عليهم رضوان الله، فقد قال البعض بأنها جدة الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، وهذا ما لم أقف عليه، فالثابت أن أم عمر بن عبدالعزيز هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وهذا ما قاله ثقات أهل التاريخ، نورد بعضاً مما قالوا للإستدلال والإثبات والبيان.

فقد قال الزركلي في "الأعلام" (2/269): (الواصلة أم حكيم بنت يحيى بن الحكم الأموية القرشية: أم عمر بن عبدالعزيز وزوجة عبدالعزيز بن الوليد بن عبدالملك. كان مهرها أربعين ألف دينار. ولجرير وعدي ابن الرقاع، الشاعرين، شعر في زواجها. قيل: عرفت بالواصلة لأنها وصلت الشرف بالجمال (قال في هامشه: ثمار القلوب 239). انتهى كلام الزركلي رحمه الله. وكانت وفاتها في حدود سنة مائة للهجرة الموافق لسنة سبعمائة وثمان عشرة للميلاد على ما ذكره الزركلي.

وقال ابن سعد في "الطبقات" (5/331): (عن نافع عن بن عمر قال: كنت أسمع بن عمر كثيراً يقول: (ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلاً). وأخبرنا يزيد بن هارون عن الماجشون عن عبدالله بن دينار قال: قال بن عمر: إنا كنا نتحدث أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يلي هذه الأمة رجل من ولد عمر يسير فيها بسيرة عمر بوجهه شامة. قال فكنا نقول: هو بلال بن عمر وكانت بوجهه شامة، قال: حتى جاء الله بعمر بن عبدالعزيز وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. وقال يزيد: ضربته دابة من دواب أبيه فشجته، قال: فجعل أبوه يمسح الدم ويقول: سعدت إن كنت أشج بني أمية. وقال: أخبرنا أحمد بن أبي إسحاق قال: حدثنا إبراهيم بن عياش قال: حدثني ضمرة عن بن أبي شوذب قال: لما أراد عبدالعزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبدالعزيز قال لقيمه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح. قال فتزوج أم عمر بن عبدالعزيز) انتهى كلام ابن سعد رحمه الله.

وقال ابن عساكر في "تاريخه" (70/249): (أم عاصم قيل إن اسمها ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشية العدوية أم عمر بن عبدالعزيز سكنت دمشق مدة ولما شج ابنها عمر بن عبدالعزيز وأدخل عليها كانت بدمشق على ما ذكره سالم الأفطس مولى بني أمية. حدثت عن أبيها، روى عنها ابنها عمر، قرأت على أبي القاسم زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي، أنا أبو عبدالله الحافظ قال: نا أبو محمد المزني وهو أحمد بن عبدالله ببخارى، أنا إبراهيم بن محمد بن أبي الأزهر الدمشقي، نا وريزة بن محمد نا محمد بن هاشم بن منصور الكندي، حدثني أبي عن عمرو بن قيس عن عمر بن عبدالعزيز عن أمه عن أبيها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم الإدام الخل") انتهى كلامه رحمه الله. ثم قال ابن عساكر في موضع آخر (70/251): (قال ابن سعد: فولد عاصم بن عمر بن الخطاب حفصة بنت عاصم وأم عاصم بنت عاصم وهي أم عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم وأمهم أم عمارة بنت سفيان بن عبدالله (قال في هامشه: أقحم بعدها بالأصل: بن الحارث بن ربيعة) ابن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف، قال: وأنا محمد بن العباس، أنا سليمان بن إسحاق الجلاب، نا الحارث بن أبي أسامة، نا محمد بن سعد (قال في هامشه: رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/331) أنا أحمد بن أبي إسحاق وهو الدورقي، نا إبراهيم بن عباس، حدثني ضمرة عن أبي شوذب قال: (لما أراد عبدالعزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبدالعزيز قال لقيمه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح، قال: فتزوج أم عمر بن عبدالعزيز. أخبرنا أبو غالب وأبو عبدالله قالا: أنا محمد بن أحمد، أنا محمد بن عبدالرحمن ابن العباس، أنا أحمد بن سليمان، نا الزبير قال (قال في هامشه: رواه المصعب الزبيري في نسب قريش (361): (لما ماتت رقية بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند إبراهيم بن نعيم بن عبدالله فدفنت بالبقيع، انصرف به عاصم إلى منزله فأخرج له ابنتيه حفصة وأم عاصم فقال له: اختر أيهما شئت فإنا لا نحب أن ينقطع صهرك منا). (قال في هامشه: زيادة عن نسب قريش) قال إبراهيم: لم يخف علي أن أم عاصم أجمل المرأتين فتجاوزت عنها، وقلت: يصيب بها أبوها رغبة من بعض الملوك لما رأيت من جمالها، وتزوجت حفصة، فتزوج عبدالعزيز بن مروان بن الحكم أم عاصم فولدت له عمر بن عبدالعزيز، وإخوة له ثم هلكت عنده، وهلك إبراهيم بن نعيم عن حفصة بنت عاصم) انتهى كلام ابن عساكر رحمه الله.

وقال ابن منظور في "المختصر" (8/394): (قيل: إن اسمها ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب القرشية العدوية، أم عمر بن عبدالعزيز. حدثت عن أبيها عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نِعمَ الإدام الخل". حدث سالم الأفطس أن عمر بن عبدالعزيز رمحته دابة، وهو غلام بدمشق، فضمته أم عاصم أمه إليها، وجعلت تمسح الدم عن وجهه، ودخل أبوه عليها على تلك الحال، فأقبلت عليه تعذله وتلومه وتقول: ضيعت ابني، ولم تضم إليه خادماً ولا حاضناً يحفظه من مثل هذا! فقال: اسكتي يا أم عاصم، فطوباك إن كان أشج بني أمية. ولما أراد عبدالعزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبدالعزيز قال لقيمة: اجمع لي أربع مئة دينار من طيب مالي، فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح. فتزوج أم عمر بن عبدالعزيز. ولما ماتت رقية بنت عمر بن الخطاب عند إبراهيم بن نعيم بن عبدالله، انصرف به عاصم إلى منزله، فأخرج إليه ابنتيه حفصة وأم عاصم، فقال له: اختر أيهما شئت فإنا لا نحب أن ينقطع صهرك. قال إبراهيم: لم يخف علي أن أم عاصم أجمل المرأتين، فتجاوزت عنها وقلت: يصيب بها أبوها رغبة من بعض الملوك؛ لما رأيت من جمالها، وتزوجت حفصة. فتزوج عبدالعزيز بن مروان أم عاصم؛ فولدت له عمر بن عبدالعزيز، وإخوة له؛ ثم هلكت عنده، وهلك إبراهيم بن نعيم عن حفصة بنت عاصم، فتزوجها عبدالعزيز بن مروان بعد مهلك أم عاصم، وحملت إليه بمصر. وكان بأيلة إنسان به خبل يقال له: شرشرين، فلما مرت به أم عاصم، تعرض لها، فأعطته وأحسنت إليه؛ ثم مرت به بعدها حفصة بنت عاصم، فتعرض لها، فلم ترفع به رأساً، فسئل: أين حفصة من أم عاصم؟ فقال: ليست حفصة من رجال أم عاصم. ومر عمر بعجوز تبيع لبناً معها في سوق الليل. فقال لها: يا عجوز، لا تغشي المسلمين وزوار بيت الله عز وجل، ولا تشوبي اللبن بالماء. فقالت: نعم يا أمير المؤمنين. ثم مر بعد ذلك، فقال: يا عجوز، ألم أتقدم إليك أن لا تشوبي لبنك بالماء؟ فقالت: والله ما فعلت. فتكلمت ابنة لها من داخل الخباء، فقالت: يا أمة، أغشاً وكذباً جمعت على نفسك؟! فسمعهما عمر، فهم بمعاقبة العجوز، فتركها لكلام ابنتها، ثم التفت إلى بنيه فقال: أيكم يتزوج هذه، فلعل الله أن يخرج منها نسمة طيبة مثلها. فقال عاصم بن عمر: أنا أتزوجها يا أمير المؤمنين. فتزوجها؛ فولدت له أم عاصم، فتزوج أم عاصم عبدالعزيز بن مروان؛ فولدت له عمر بن عبدالعزيز. وقيل: أن عمر بينا وهو يعس بالمدينة أعياً، فاتكأ على جدار، فإذا امرأه تقول لابنتها: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء. فقالت: يا أمتاه، وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته؟ قالت: نادى مناديه: لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنتاه، قومي فامذقيه. فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية: ما كنت أطيعه في الملأ، وأعصيه في الخلاء. وعمر يسمع كل ذلك فقال: يا أسلم علم الباب، واعرف الموضع. ومضى في عسه. فلما أصبح قال: يا أسلم، امض إلى ذلك الموضع فانظر من القائلة والمقول لها، وهل لهم من بعل. فإذا أيم لا بعل لها، وإذا تيك أمها، ليس لهم رجل. فأخبر عمر، فجمع ولده، وقال: فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء؛ ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية. فزوجها من عاصم الحديث. وقيل: كان عمر بمنى فعطش، فانتهى إلى عجوز، فاستسقاها ماء، فقالت: ما عندنا. فقال: لبن. فقالت: ما عندنا. فبدرت جارية فقالت لها: أتكذبين وما تستحين؟! ثم قالت لعمر: هذا السقاء به لبن. فسأل عمر عن الجارية، فإذا أبوها ثقفي. فزوجها من عاصم، فولدت أم عاصم، فتزوجها عبدالعزيز، فولدت له عمر بن عبدالعزيز. وقيل: إنها قالت لأمها لما أمرتها بالمذق: لا أكون ممن يعصي عمر. فقال عمر لابنه عاصم: اذهب إلى موضع كذا وكذا، وانظر جارية كذا وكذا وصفها له فإن كان لها زوج، فبارك الله لزوجها، وإن لم يكن لها زوج فتزوجها، فإني أرجو أن يخرج الله منها سليلة تسود العرب. فذهب وسأل وتزوجها. وبكى عمر بن عبدالعزيز، وهو صغير قد جمع القرآن، فأرسلت إليه أمه، فقالت: ما يبكيك؟ قال: ذكر الموت. فبكت أمه من ذلك. ولما ورد عمر بن عبدالعزيز مظالم أهل بيته، وأخذهم بالحق قال مولى لآل مروان، بربري: وأنتم أيضاً تزوجوا بنات عمر بن الخطاب) انتهى كلام ابن منظور رحمه الله. وقال ابن الكلبي في "الجمهرة" (1/32): (أم عمر بن عبدالعزيز أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب) انتهى كلام ابن الكلبي رحمه الله.

وبذلك يتضح بجلاء أن رقية بنت عمر بن الخطاب، بنت السيدة الوقور أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله وسلامه، قد تزوجت من إبراهيم بن نعيم بن عبدالله ولم تعقب له، وكانت وفاتها بالمدينة المنورة ومرقدها ببقيع الغرقد. وبذلك يكون عقب السيدة الجليلة أم كلثوم لعمر بن الخطاب زيداً ورقية عليهم رضوان الله وسلامه، وبهم انقطع العقب منها على ما أثبتنا. وأما أبناء عمها محمد وعون وعبدالله أبناء سيدنا جعفر الطيار عليهم رضوان الهب وسلامه فلم يكن لهم عقب منها. وبذلك ينحصر أعقاب سيدتنا فاطمة الزهراء زوج سيدنا علي بن أبي طالب في ثلاث من أبنائها، ساداتنا الحسن والحسين وزينب العقيلة، عليهم رضوان الله وسلامه. ولأعقابهم شرف الاتصال بالحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. وأما بقية أخوتهم، محسن فقد انتقل صغيراً والسيدة أم كلثوم، وقد ذكرنا إنقضاء عقبها عليهم رضوان الله وسلامه. وقد أفردنا تفاصيل عقبها عليها رضوان الله وسلامه من قبل عند حديثنا في سيرة سيدنا عون بن جعفر بن أبي طالب عليه رضوان الله وسلامه، وفيه قدر الكفاية.

انتقالها إلى الرفيق الأعلى  وموضع ضريحها عليها رضوان الله وسلامه.
ذكر ابن سعد في "الطبقات" (8/465) نبأ إنتقال السيدة عليها رضوان الله وسلامه وابنها زيد فقال: (أخبرنا وكيع بن الجراح عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم قال: شهدتهم يومئذ وصلى عليهما سعيد بن العاص وكان أمير الناس يومئذ وخلفه ثمانون من أصحاب محمد، صلى الله عليه وآله وسلم. أخبرنا جعفر بن عون بن جريج عن نافع قال: وضعت جنازة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد، والإمام يومئذ سعيد بن العاص. أخبرنا عبدالله بن نمير، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال: صلى بن عمر على أخيه زيد وأم كلثوم بنت علي، وكان سريرهما سواء، وكان الرجل مما يلي الإمام) انتهى كلام ابن سعد رحمه الله.

وروى النسائي في سننه" (7/77) الحديث (1952) قال: (أخبرنا محمد بن رافع قال: أنبأنا عبدالرزاق قال: أنبأنا ابن جريج قال: سمعت نافعاً يزعم أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفاً واحداً ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد وضعا جميعاً والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل: فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت ما هذا قالوا: هي السنة). وكذا رواه بلفظه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/641) الحديث (2105) وفي "سننه" (4/33) والدارقطني في سننه" (5/79) الحديث (1874) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/198) الحديث (14) والبيهقي في "معرفة السنن" (2/498) و(6/204) الحديث (2253) وغيرهم.

وعند الحاكم في "المستدرك" (18/384) الحديث رقم (8125) قال: (أخبرنا أبو عبدالله محمد بن يعقوب، وأبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي قالا: ثنا محمد بن نصر الإمام، ثنا يحيى بن يحيى، أنبأ عبدالعزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: "أن أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما توفيت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في يوم فلم يدر أيهما مات قبل فلم ترثه ولم يرثها، وإن أهل صفين لم يتوارثوا، وإن أهل الحرة لم يتوارثوا» قال الحاكم: هذا حديث إسناده صحيح وفيه فوائد منها أن أم كلثوم ولدت لعمر ابنا فأما الفائدة الأخرى فله شاهد). انتهى كلام الحاكم.

قلت: صلاة سعيد بن العاص على السيدة أم كلثوم ليس بصحيح استناداً على الروايات الثقات. فإن سعيد بن العاص رضي الله عنه نُزع عن إمارة المدينة المنورة سنة أربع وخمسين، وهو ما رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار وغيره من ثقات أهل التاريخ، وقال والقول للبيهقي: (ثم نزع سنة ثمان وأربعين، واستعمل عليها سعيد بن العاص، ثم نزع سعيد سنة أربع وخمسين، وأمر عليها مروان بن الحكم). ثم قال: (وقد ذكرنا أن إمارة سعيد بن العاص إنما كانت من سنة ثمان وأربعين إلى سنة أربع وخمسين). انتهى كلام البيهقي رحمه الله.

وعند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (21/125) قال: (وفيها يعني سنة أربع وخمسين نزع سعيد بن العاص عن المدينة وأمر مروان بن الحكم (قال في هامشه: لم يرد الخبر في كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي وثمة خبر آخر فيه ونصه: حج سعيد – يعني ابن العاص – بالناس في سنة تسع وأربعين وسنة اثنتين وخمسين ولبث بعدها ذكر ذلك يعقوب بن سفيان في تاريخه عن يحيى بن أبي كثير عن الليث) أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أنا نصر بن أحمد بن نصر الخطيب أنا محمد بن أحمد بن عبدالله  وأخبرنا أبو البركات عبدالوهاب بن المبارك أنا أبو الحسين بن الطيوري وأبو طاهر أحمد بن علي بن سوار قالا: أنا الحسين بن علي بن عبيد الله الطناجيري قالا: أنا محمد بن زيد بن علي بن مروان أنا أبو جعفر محمد بن محمد الشيباني نا هارون بن حاتم نا أبو بكر بن عياش قال: ثم حج بالناس سعيد بن العاص سنة تسع وأربعين ثم حج بالناس معاوية بن أبي سفيان سنة خمسين ثم حج بالناس يزيد بن معاوية سنة إحدى وخمسين وسنة اثنتين وخمسين وسنة ثلاث وخمسين ثم حج بالناس مروان سنة وخمسين وسنة خمس وخمسين). وفي (57/243) قال ابن عساكر: (وفيها يعني سنة أربع وخمسين نزع سعيد بن العاص عن أهل المدينة وأمر مروان بن الحكم وحج عامئذ بالناس مروان بن الحكم في سنة خمس وخمسين ثم عزل مروان بن الحكم يعني سنة ست وخمسين واستعمل الوليد بن عتبة وقال: سنة ثمان وخمسين فيها نزع مروان عن أهل المدينة وأمر الوليد بن عتبة) انتهى كلام ابن عساكر رحمه الله.

وأما إنتقال السيدة أم كلثوم بنت علي عليها رضوان الله وسلامه، فلم تكن قبل سنة اثنان أو ثلاث وستين وما بعد. وبه ينفى القول بصلاة سعيد بن العاص عليها وعلى ابنها.

وروى ابن سعد في "الطبقات" (8/464): عن عامر قال: (مات زيد بن عمر وأم كلثوم بنت علي فصلى عليهما بن عمر فجعل زيداً مما يليه وأم كلثوم مما يلي القبلة وكبر عليهما أربعاً). وعن أبي حصين عن عامر عن بن عمر أنه (صلى على أم كلثوم بنت علي وابنها زيد وجعله مما يليه وكبر عليهما أربعاً). وعن زيد بن حبيب عن الشعبي بمثله وزاد فيه: (وخلفه الحسن والحسين ابنا علي ومحمد بن الحنفية وعبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر). عن عبدالله بن عمر (أنه كبر على زيد بن عمر بن الخطاب أربعاً وخلفه الحسن والحسين، ولو علم أنه خير أن يزيده زاده). وعن السدي عن عبدالله البهي قال: (شهدت بن عمر صلى على أم كلثوم وزيد بن عمر بن الخطاب فجعل زيداً فيما يلي الإمام وشهد ذلك حسن وحسين) انتهى كلام ابن سعد رحمه الله. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه" (3/198): عن الشعبي قال: (صلى عبدالله بن عمر على أم كلثوم بنت علي وابنها زيد، قال: فجعل الغلام مما يليه والمرأة مما يلي القبلة) انتهى كلام ابن أبي شيبة رحمه الله.

قلت: قد بينا من قبل أن الأحاديث في ذلك كانت على قولين، أولها: أن من صلى عليهما سعيد بن العاص، وقد أثبتنا بطلان ذلك بالأدلة التاريخية، وثانيها: أن من صلى عليهما هو عبدالله بن عمر. وهو ما نقول به وبصحته. وأما القول بصلاة الحسنين الشريفين عليهما رضوان الله وسلامه عليها وأنهما قد كانا خلف الإمام فذلك ليس بصحيح، وقد بينا من قبل أنها كانت آخر من إنتقل إلى الرفيق الأعلى من بيت أبيها عليهم رضوان الله وسلامه. وأن الثابت في السير والتاريخ، أنها عليها رضوان الله وسلامه كانت ممن حضر موقعة كربلاء والتي استشهد بها سيدنا الحسين عليه رضوان الله وسلامه وعلى جنوده، وكانت إلى جوار شقيقتها سيدتنا العقيلة زينب عليها رضوان الله وسلامه وشهدت معها ومع بقية الهاشميات الموقف مع ابن زياد ويزيد بن معاوية قاتلهم الله، وكذلك أثبتنا زواجها بسيدنا عبدالله بن جعفر عليه رضوان الله وسلامه بعد انتقال النرجسة العقيلة زينب بنت علي عليهما رضوان الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى. فلا يمكن مع ذلك كله أن يكون إنتقالها إلى الرفيق الأعلى إلا ما بعد ذلك كله، وما بعد سنة اثنتين أو ثلاث وستين للهجرة وهو ما يسقط القول بصلاة الحسنين الشريفين عليهما رضوان الله وسلامه عليها.

وما يؤكد صلاة سيدنا عبدالله بن عمر رضوان الله عليهما عليها، ما روي في خبر وفاته، فقال ابن سعد في الطبقات" (4/187): (عن سالم بن عبدالله قال: مات ابن عمر بمكة ودفن بفخ سنة أربع وسبعين، وكان يوم مات ابن أربع وثمانين سنة. قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: توفي عبدالله بن عمر سنة ثلاث وسبعين).

وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/232): (قال ضمرة بن ربيعة: مات ابن عمر سنة ثلاث وسبعين. وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعا وثمانين سنة. وقال أبو نعيم، والهيثم بن عدي، وأبو مسهر، وعدة: مات سنة ثلاث وسبعين. وقال سعيد بن عفير وخليفة، وغيرهما: مات سنة أربع وسبعين. والظاهر أنه توفي في آخر سنة ثلاث. قال أبو بكر بن البرقي: توفي بمكة، ودفن بذي طوى. وقيل: بفخ مقبرة المهاجرين سنة أربع). وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (3/31): (قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان، أو ما زاد، وكان يحيي الليل صلاةً، فإذا جاء السحر استغفر إلى الصباح. وتوفي بمكة سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان قد أوصى أن يدفن في الليل، فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج، ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين).

فصلاته بذلك رضوان الله عليه على السيدة الوقور أم كلثوم بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه يمكن أن يكون في ظل حياته، وقبل وفاته ما بعد سنة ثلاث أو أربع وسبعين للهجرة، لاسيما وأنها كانت عليها رضوان الله وسلامه على عصمة سيدنا عبدالله بن جعفر عليهما رضوان الله وسلامه ما بعد سنة اثنان أو ثلاث وستين للهجرة، أي بعد انتقال العقيلة زينب بنت علي عليهم رضوان الله وسلامه للرفيق الأعلى، وكانت وفاة السيدة أم كلثوم قبل وفاة بحر الجود سيدنا عبدالله والتي كانت سنة ثمانين وقيل واحد وقيل اثنان وثمانين للهجرة.

وخلاصة القول: أن انتقالها عليها رضوان الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى وابنها زيد بن عمر بن الخطاب الذي لم يعقب في ليلة واحدة، وصلى عليهما آنذاك عبدالله بن عمر بن الخطاب، ومن خلفه صلى عليهما الكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك ما بين سنة ثلاث وستين وثلاث وسبعين للهجرة. وكانت وفاة ابن السيدة أم كلثوم، زيد بن عمر عليهما رضوان الله وسلامه، قتلاً، حيث قتل خطأ على يد خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب.

ويثبت بذلك أن ضريحها عليها رضوان الله وسلامه أنه كان في بقيع الغرقد بالمدينة المنورة، كونها كانت في بيت زوجها عبدالله بن جعفر عليه رضوان الله وسلامه بالمدينة المنورة، وليس كما يذكره بعض الطائفة الشيعية وغيرهم من أن ضريحها في دمشق وغيرها من بقية الأصقاع.

سلام الله عليك يا سيدتي يوم ولدت ويوم انتقلت ويوم تبعثين بين يدي الله تعالى إلى جوار جدك الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأبوك الهمام وأمك البضعة الطاهرة وأخواك سيدا شباب العالمين وأختك عقيلة بني هاشم وبقية أهل بيت النبوة والآل عليهم جميعاً رضوان الله وبركاته ورحماته.

والحمد لله رب العالمين.